توقع خبراء ماليون ألا يستجيب البنك المركزي الأميركي (مجلس الاحتياطي الفدرالي) خلال اجتماعه المقبل إلى ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض أسعار الفائدة، وأن يبقيها عند مستواها منذ كانون الأول/ديسمبر في نطاق يراوح بين 4,25% و4,50%. ويعقد البنك المركزي الأميركي اجتماعا يومي الثلاثاء والأربعاء، وهو الاجتماع الثالث منذ عودة ترامب إلى السلطة في ظل ضغوط يمارسها الأخير وفي خضم مشهد اقتصادي متقلب.
وجدد الرئيس الأميركي، هجومه على رئيس البنك المركزي الأميركي، جيروم باول، ووصفه بأنه "متصلب تماما"، متوقعا أن يخفض البنك سعر الفائدة خلال مدة قصيرة. وقال ترامب في مقابلة مع برنامج "ميت ذا بريس ويذ كريستين ويلكر"، تبثه شبكة "أن.بي.سي نيوز" الأحد، إن باول ليس معجبا به، لكنه يتوقع أن يخفض أسعار الفائدة في مرحلة ما.
ترامب: باول لا يحبني
وذكر ترامب في المقابلة التي سجلت في فلوريدا يوم الجمعة: "ينبغي عليه أن يخفضها. وسيفعل ذلك في مرحلة ما. إنه يفضل ألا يفعل ذلك لأنه ليس معجبا بي. كما تعلمون، هو ببساطة لا يحبني، لأنني أعتقد أنه متصلب تماما". وعندما سئل عما إذا كان سيقيل باول قبل انتهاء ولايته في عام 2026، نفى ترامب ذلك نفيا قاطعا قائلا: "لا، لا، لا... لماذا أفعل ذلك؟ سيتسنى لي استبداله بعد فمدة قصيرة". وانخفضت الأسهم في وول ستريت انخفاضا حادا الشهر الماضي بعدما كثف ترامب هجومه على باول، ما زاد المخاوف حيال استقلال البنك المركزي وهز الأسواق. وبعد هذا الانخفاض الحاد، تراجع ترامب قليلا.
وأفاد مسؤولو البنك المركزي بأنهم يريدون أولا مراقبة تفاعل الاقتصاد في مواجهة حجم الهجوم الحمائي الذي يشنه ترامب. ومع إظهار مؤشرات الاقتصاد العادية أن التوتر يتزايد، تظل المؤشرات الرسمية في نطاق الاحتواء (بلغ معدل البطالة 4.2% في نيسان/إبريل والتضخم 2.3 في آذار/مارس، وذلك أعلى قليلا من هدف الاحتياطي الفيدرالي). وتكمن المشكلة في ما سيشهده المستقبل. وخفض مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعهم الأخير تقديراتهم لأكبر اقتصاد في العالم، متوقعين انخفاض النمو وارتفاع التضخم والبطالة.
وأدت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين إلى فرض رسوم جمركية ضخمة تقوّض التجارة بينهما. كما تزيد الرسوم الإضافية البالغة 10% التي فرضها ترامب على المنتجات المستوردة من بقية العالم وشملت حتّى الكاكاو غير المزروع في الولايات المتحدة، التكلفة على الشركات والأسر الأميركية. وقالت لوريتا ميستر، الرئيسة السابقة (2014-2024) للاحتياطي الفدرالي في كليفلاند (شمال الولايات المتحدة) لوكالة فرانس برس: "من الصعب القول في هذه المرحلة ما إذا كان الاقتصاد سيدخل في حالة ركود، لكن الرسوم الجمركية ستؤدي على الأقل إلى إبطاء النمو". واعتبرت في هذا السياق أن تجميد أسعار الفائدة هو "الأمر الصحيح الذي ينبغي فعله"، مع الاستعداد لخفضها بسرعة أكبر في حال حدوث تراجع موضوعي في النشاط.
أجواء مشحونة
ورأت أستاذة الاقتصاد في جامعة سانت ماري في سان أنطونيو في ولاية تكساس بيليندا رومان أنه "إذا خفض مسؤولو الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة الآن، فهذا يعني أنهم قلقون، وسيصبح الأمر أسوأ". وقالت لوكالة فرانس برس: "إذا كانت الأسواق تعتقد أن الاحتياطي الفدرالي في حالة ذعر، فإن الجميع سيصابون بالذعر حقا". يأتي كل ذلك في ظل أجواء مشحونة بانتقادات لاذعة يكرر ترامب توجيهها لرئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول.
وفي نهاية نيسان/إبريل، قال ترامب إنه "حان الوقت" لـ"إنهاء" ولاية باول ووصفه بأنه "خاسر كبير"، ثم أكد أنه "لا ينوي" إقالته. ولم تتوقف انتقادات ترامب منذ ذلك الحين. وصرح للصحافة هذا الأسبوع بأنه "ليس من المعجبين الكبار" بجيروم باول، وأكد بأحرف كبيرة على منصته الاجتماعية "تروث سوشال" أن البنك يجب أن يخفض أسعار الفائدة، مؤكدا أن "ليس هناك تضخم".
وأشارت لوريتا ميستر إلى أن الرؤساء في بعض الأحيان يعربون عن رفضهم العلني للسياسة النقدية، لكن "ما يختلف هذه المرة هو مدى قيام دونالد ترامب بذلك". ولكن الرئيسة السابقة للاحتياطي الفدرالي في كليفلاند أبدت اقتناعها بأن زملاءها السابقين سيواصلون اتخاذ قراراتهم بشكل مستقل. واعتبرت بيليندا رومان أن مسؤولي الاحتياطي الفدرالي "يجب أن يكونوا قادرين على الحفاظ على هدوئهم رغم كل الضغوط والاضطرابات المحيطة بهم".
مؤشرات قلق
وفي غياب استراتيجية واضحة للبيت الأبيض، يسود القلق الأسواق العالمية التي ترتفع وتهبط مع صدور أي تصريح عن ترامب وكبار المسؤولين في إدارته بشأن التجارة أو السياسة النقدية. وأثارت هذه التقلبات قلق ملايين المستثمرين الأميركيين، خصوصا أولئك الذين استثمروا مدخرات تقاعدهم في الأسهم. وازدادت المخاوف عندما كثف الرئيس انتقاداته لباول واصفا إياه بـ"الفاشل" لرفضه خفض معدلات الفائدة. وأدى الهجوم على استقلالية البنك المركزي إلى هبوط الأسواق، قبل أن يتراجع ترامب ويؤكد أن لا نية لديه لإقالة باول.
سيكون من المستحيل نظريا التكهن بمسار المواجهة التجارية مع الصين، وإن كان ترامب يؤكد أنه سيخفض بشكل كبير الرسوم الجمركية البالغة نسبتها 145 في المئة التي فرضها على ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وبحسب استطلاع صدر مؤخرا عن مؤسسة "غالوب"، يعتقد 53% من الأميركيين أن وضعهم المالي الشخصي سيتدهور. ومنذ العام 2001، أشارت منظمة الاستطلاعات المعروفة إلى كيفية تعبير معظم الأشخاص الذين استطلعت آراءهم عن تفاؤلهم بأوضاعهم المالية.
ومن شأن ارتفاع مستوى القلق أن يترجم إلى تردد في الاستهلاك، ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تباطؤ النمو الاقتصادي. وبينما تعكس أبرز استطلاعات الرأي تزايد عدم الثقة بسياسة البيت الأبيض الاقتصادية، إلا أن غالبيتها تتفق على أن هذا التشاؤم لم يصل بعد إلى قاعدة الدعم الأساسية لترامب التي بقيت متمسكة بتمجيد الرئيس إلى حد كبير. وفي أميركا المنقسمة بشدة اليوم، ما زال 70% من الناخبين الجمهوريين والمستقلين الذين يميلون للجمهوريين يؤيدون قرارات ترامب المرتبطة بالرسوم الجمركية، في حين يعارضها 90% من الديمقراطيين، بحسب مركز "بيو".
(العربي الجديد، وكالات)
