تستطيع الأنظمة والحكومات العربية وقف حرب الإبادة الجماعية التي استأنفها جيش الاحتلال على أهالي قطاع غزة، إن أرادت، وأن تمارس ضغوطاً شديدة على الحكومة المتطرفة والعنصرية في تل أبيب، فهي تمتلك من الأدوات والأسلحة الاقتصادية التي قد تمكنها من التأثير على حكومة نتنياهو والحكومات الغربية التي تقف خلفها تمدها بالسلاح وتساندها بالمال والدعم اللوجستي في حرب قتل وتجويع الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية.
لا أتحدث هنا عن قيام تلك الأنظمة بمساندة المقاومة في غزة بالسلاح والمال والتدخل بشكل مسلح لوقف حرب الإبادة، فهذا حلم بعيد المنال، ولا أن تقدم الأنظمة على إلغاء اتفاقيات السلام المبرمة مع إسرائيل، وشطب صفقات التطبيع القائمة ووقف المحتملة، وطرد سفراء تل أبيب من العواصم العربية، واستدعاء السفراء العرب من تل أبيب، أو تهديد المصالح الأميركية والغربية الاستراتيجية في المنطقة بما فيها القواعد العسكرية، ووقف التنسيق الأمني، وذلك في حال استمرار حرب الإبادة، فالجميع يعرف أن تلك الأنظمة لا تقدر على تطبيق تلك الخطوات لأنها قد تكلفهم الكثير.
أتحدث عن إشهار أسلحة اقتصادية في وجه إسرائيل وداعميها لوقف حرب الإبادة على غزة من أبرزها مثلا وقف تصدير النفط والغاز من قبل الدول العربية المنتجة للطاقة كما جرى في أكتوبر 1973، ووقف استيراد الغاز الإسرائيلي والذي تقدر قيمته بمليارات الدولارات سنوياً، ووقف كل أشكال التطبيع الاقتصادي مع الكيان، ووقف شراء الأسلحة من الدول الداعمة لحرب الإبادة على غزة.
أتحدث عن إشهار أسلحة اقتصادية في وجه إسرائيل وداعميها أبرزها وقف تصدير النفط والغاز كما جرى في 1973، ووقف كل أشكال التطبيع الاقتصادي مع الكيان، ووقف شراء الأسلحة
وكذا وقف تصدير أي سلع ومنتجات عربية لدولة الاحتلال، ووقف رحلات الطيران وتبادل الوفود السياحية بين العواصم العربية والمدن الإسرائيلية، وإغلاق الأسواق العربية أمام كل أنواع السلع الإسرائيلية ومنتجات الدولة الداعمة لها، فليس من المقبول أن تفتح دول عربية موانئها ومطاراتها لاستقبال السلع المتجهة لدولة الاحتلال، بل وتسهل حكومات تلك الدول مهمة شحن تلك السلع ومروها عبر أراضيها وتقديم التسهيلات لها من شحن ونقل وتبريد وغيرها.
كما يمكن أن يمتد الأمر ليشمل خطوات أخرى لوقف الحرب على غزة منها التهديد بسحب الأموال العربية المودعة في البنوك الغربية والتي تقدر بمئات المليارات من الدولات، ووقف ضخ أي استثمارات عربية جديدة في اقتصادات الدول الداعمة لإسرائيل وفي المقدمة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، ويكفي أن تخرج دولة بحجم السعودية لتعلن عن تجميد خطة ضخ استثمارات بقيمة تريليون دولار في الولايات المتحدة، يمتد الأمر بالنسبة لاستثمارات باقي دول الخليج في أدوات الدين الأميركية من سندات وأذون خزانة والتي تقدر قيمتها بأكثر من 250 مليار دولار تمتلك السعودية ما يقرب من نصف قيمتها.
بالطبع قد يقول قائل: من الصعب الرهان على موقف الأنظمة والحكومات العربية من داعمي حرب الإبادة على غزة خاصة وأن بعض تلك الحكومات متواطئ ويدعم إسرائيل سراً في تلك الحرب، بل ويقدم لها الدعم المالي والنفطي والسلع وربما السلاح، ولذا يظل الرهان فقط على الرأي العام العربي الذي عليه تفعيل سلاح المقاطعة للسلع الإسرائيلية ومنتجات الدول الداعمة والشركات التي أعلنت وبشكل مباشر عن دعم جيش الاحتلال، علماً بأن هذا السلاح حقق نجاحات كبيرة منذ انطلاق الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، والدليل هو مسارعة تلك الشركات والعلامات التجارية الكبرى إلى التبرؤ من دعم الاحتلال ونفي تقديم أي دعم لجيش الاحتلال، بل وسحب صناديق دولية استثماراتها من شركات وبنوك إسرائيلية ومن داخل المستوطنات المحتلة.
الغرب لا يعرف سوى لغة المصالح والمال، وإذا شعر بأن تلك المصالح مهددة بشكل جدي فإنه قد يتخلى عن دعم إسرائيل. وحتى الإدارة الأميركية قد تغير موقفها إذا شعرت بأنّها تخسر أموال العرب ونفطهم وغازهم وصفقاتهم، وأن إسرائيل باتت عبئا شديداً عليها مالياً وسياسياً وإنسانياً.
