أصدرت دار الخدمات النقابية تقريرها السنوي عن حالة الحريات النقابية في مصر، رصدت خلاله 121 ألفًا و16 انتهاكًا لحقوق العمال خلال العام 2024.
تمثلت الانتهاكات الواردة في التقرير في 32 واقعة تقييد الحرية بالسجن، و83 واقعة فصل عامل، و10 آلاف و700 واقعة تهديد بالفصل، و7 آلاف واقعة تهديد بالأمن الوطني، و510 واقائع تهديد أو استدعاء بالشرطة، و12 حالة إيقاف عن العمل، و500 واقعة طرد للعمال خارج مقر العمل أو منعهم من الدخول، و23 واقعة عنف لفظي أو بدني من الأمن، و59 واقعة تحقيق مع العمال، وواقعة جزاء مالي للتعبير عن الرأي.
بخلاف 400 واقعة تخفيض رواتب و950 واقعة تأخير صرف رواتب، و32 ألفاً و540 واقعة رفض تنفيذ الحد الأدنى للأجر، و233 واقعة امتناع عن الزيادة السنوية للراتب بما يناسب غلاء المعيشة، و8 آلاف و600 واقعة إجازة إجبارية، و11 ألفاً و956 واقعة إلغاء بدلات العمل أو تأخيرها، و3 آلاف واقعة تراجع عن اتفاقية العمل، وألفين و500 واقعة إجبار على الاستقالة بغرض تغيير صيغة التعاقد بالمخالفة لقانون العمل.
كذا رُصدت 50 واقعة استدعاء للأمن الوطني أو تهديد بالاعتقال، و167 واقعة امتناع عن تنفيذ حكم قضائي عمالي، و16 ألفاً و200 حالة غياب الأمن الصناعي والتغطية الصحية، وألفان و800 واقعة رفض تثبيت العمال رغم مرور سنوات، وألفا حالة امتناع عن دفع الأجر لسنوات (عاملات وزارة الزراعة)، و13 ألفاً و200 واقعة امتناع عن دفع الأرباح أو تقليصها، و500 واقعة منع الحصول على إجازة، و7 آلاف واقعة منع خروج من المصنع.
وأوضحت الدار في تقريرها أن الانتهاكات المتعددة للعامل الواحد تحسب انتهاكًا واحدًا، وأن عدد الانتهاكات فردي حتى لو في مقر عمل واحد، وأن الانتهاكات المرصودة جميعها نتيجة مطالب عمالية.
انحياز رسمي ضد العمال
وخلص التقرير إلى أن قضية الأجور تُعد إحدى القضايا الأساسية في احتجاجات عام 2024، إذ إن تدني الأجور في مصر مسألة معقدة يصعب إيجاد حل حقيقي لها في ظل أزمة سياسية بامتياز، إذ تنحاز السلطة إلى أصحاب الأعمال، مستغلة قوتها وأجهزتها الأمنية لحمايتهم، بينما تبقى وعود تحسين أوضاع العمال، وخاصة الأجور، مجرد حبر على ورق. ومن هنا، تبرز أهمية ربط الأجور بمعدلات التضخم لضمان قدرتها على تلبية احتياجات العمال الأساسية.
وأشارت الدار في تقريرها إلى أن قرار الحد الأدنى للأجور، الذي صدر بقرار رئاسي، أصبح بمثابة "الفخ" الذي يسجن العمال؛ فالمطالبة بتطبيقه تستدعي التدخل الأمني، رغم التشوهات التي تحيط بمنظومة الأجور وظروف الاقتصاد العصيبة. هذه الأوضاع تقوض قدرة الأجور على تغطية الاحتياجات الأساسية للعمال، ما يترك معظمهم عالقين في دوامة الفقر والحاجة من دون أي أمل في تحسن أوضاعهم.
كما أكدت الدار استمرار تغييب العمال ونقاباتهم عن مناقشات قانون العمل الجديد في البرلمان، وتجاهل مطالبهم بتنظيم جلسات استماع لهم باعتبارهم أصحاب المصلحة، بما يعكس سياسة حكومية ممنهجة تهدف إلى إسكات الصوت العمالي المستقل.
وخلص التقرير أيضًا إلى أنه على مدار العامين الماضيين، لم يشهد ملف الحريات النقابية تقدمًا يُذكر، إذ لم تتمكن العديد من المنظمات النقابية من تقديم أوراقها واستكمال إجراءاتها القانونية، رغم تعهد الحكومة المصرية بإنهاء جميع الأوضاع العالقة. ولم يُسجَّل سوى عدد ضئيل جدًا من هذه المنظمات، بل لم تُسجَّل أي منظمة جديدة هذا العام. وتزداد هذه المشكلة تعقيدًا مع موقف معظم أصحاب العمل المعادي لحق العمال في تشكيل نقاباتهم، ما أدى إلى خلو غالبية شركات القطاع الخاص من النقابات وتعذر إجراء المفاوضات الجماعية.
وتوصل التقرير إلى أن ملاحقة وعقاب العمال النشطين أو القيادات النقابية أصبحت أداة رئيسية لتطويع العمال وإرهابهم، حيث تُستخدم هذه السياسات لقمع أي محاولات لتنظيم العمال أو التعبير عن مطالبهم، ما يحد من قدرتهم على المطالبة بحقوقهم ويخلق مناخًا من الخوف والتهديد يعيق أي تحرك من أجل التغيير.
انتهاكات تصل إلى السجن
وطبقًا للتقرير، تظهر الانتهاكات المستمرة بحق العمال، التي تتراوح بين الفصل والسجن وصولًا إلى الامتناع عن دفع الأجور لسنوات، في ظل غياب دور الاتحاد العام لنقابات عمال مصر (الاتحاد الحكومي)، الذي تحول إلى أداة في يد السلطة بدلًا من أن يكون ممثلًا حقيقيًا للعمال. ما يثير تساؤلات حول جدوى استمرار هذا الكيان، وأهمية وجود ممثل حقيقي يدافع عن حقوق العمال.
وكشف التقرير عن الخلل في العلاقة بين رجال الأعمال والعمال، حيث يتمتع أصحاب الأعمال بجميع الصلاحيات، فيما يُترك العمال بلا حماية قانونية حقيقية. فالقانون يمنح صاحب العمل الحق في فصل العامل في أي وقت، وتحديد أجره، والتهرب من تطبيق الحد الأدنى للأجور عبر العديد من الثغرات القانونية.
واعتبر التقرير أن قانون العمل يفرض شروطًا تعجيزية للإضراب، وعند لجوء العمال إليه، يُعتبر غير قانوني، ما يمنح أصحاب العمل الحق في فصلهم ووقف أجورهم وإحالتهم إلى المحاكمة. وحتى إذا صدر حكم لصالح العمال، فلا يُلزم القانون صاحب العمل بإعادتهم إلى وظائفهم، بل يفرض عليه فقط دفع تعويض لا يتناسب مع معاناة العامل وأسرته خلال السنوات التي قضاها بلا عمل، وهو ما تعرض له بالفعل عشرات العمال في عدد من الشركات.
كذلك، توصل التقرير إلى أنه رغم أن قانون النقابات العمالية انتصر لحق العمال في إنشاء نقاباتهم المستقلة، إلا أن وزارة العمل تعمدت تعطيل تنفيذه من خلال وضع العراقيل أمام العمال الراغبين في إنشاء نقاباتهم خارج إطار الاتحاد الحكومي.
