يسعى كيان الاحتلال كي يقبض على مجريات الأمور في الضفة الغربية، ويرسم خطوطاً حمراً في قطاع غزة، يقف وعين له على تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية، وأخرى على كرة النار التي تدحرجت من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون إلى جنين وطولكرم ونابلس، التي تسلمت شعلة الحرب الدامية منذ إبرام اتفاق الهدنة في 19 يناير الماضي.
في شمال الضفة الغربية، ثمة ترجمة إسرائيلية لمضامين السيطرة وفرض الهيمنة، إذ حجز جيش الكيان بالنار رقعة لاجتياح "الجدار الحديدي" الذي أعاد التذكير بـ"السور الواقي" عام 2000، بينما في قطاع غزة هناك ما يشي بخطوط حمر ترتسم حول اتفاق وقف إطلاق النار ومصير الهدنة، التي بدت تترنح على وقع تهديدات إسرائيلية أمريكية باستئناف الحرب.
وإذ يصر كيان الاحتلال على تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس في قطاع غزة، وإزالة مخاطرها عن تل أبيب ومستوطنات غلاف غزة، أخذ عدوانه يتمدد جغرافياً في الضفة الغربية، ما ينبئ عن اهتزاز آخر للأرض الفلسطينية، ويؤشر على أن "لا عودة إلى الوراء" في الحسابات الإسرائيلية قبل "نزع أنياب المقاومة الفلسطينية" أكان في غزة أو الضفة الغربية، وفق تعبير قادة عسكريين إسرائيليين.
ولم يكن عابراً إظهار سيطرة جيش الاحتلال واستعراض قوته العسكرية بالآلة الحربية الثقيلة في مدن ومخيمات الضفة الغربية، الأمر الذي يرى فيه مراقبون، رسائل بالنار للأهداف العميقة، وقوامها: (لا حماس في غزة ولا سلطة في الضفة) وفقط "إسرائيل" هي من تضبط لوحة السيطرة والتحكم، وربما في هذا التزامن الذي تعتمده تل أبيب بإشعال النار في الضفة، والإبقاء على جبهة غزة متحفزة من خلال شن الغارات بين الحين والآخر، ما يؤشر على نوايا الامتداد العسكري الشامل، والاكتفاء فقط بتمديد اتفاق الهدنة في غزة، لتحرير ما تبقى من المختطفين الإسرائيليين، وتجريد حركة حماس من أوراقها الذهبية.
برأي الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، فالاجتياحات الإسرائيلية غير المسبوقة في الضفة الغربية، تهدف إلى تفريغ المخيمات بطرد المواطنين بالقوة، فضلاً عن توسيع رقعة الاستيطان وتعميقه، وبالتوازي مع ذلك تجاوز السلطة الفلسطينية وتجفيف مواردها المالية لإفقارها وتذويبها، وذلك في إطار "حسم الصراع" الذي رسمه الوزير المتطرف بتسليئل سموتريتش قبل خمسة أعوام.
ويرى عوض أن ما يجري في مدن ومخيمات الضفة الغربية ليس بمعزل عما يجري في قطاع غزة، لكن: "إسرائيل تتعامل مع المساحتين الجغرافيتين كما وأنهما منفصلتان، ولا تخصان وطناً أو مصيراً واحداً، وتسعى لإيجاد حلول منفصلة لهما لا روابط بينها" وفق تعبيره.
متفقاً مع عوض، يرى الباحث والمحلل السياسي رائد عبد الله، أن عمليات نسف المنازل وتجريف الأراضي التي يقوم بها جيش الاحتلال في جنين وطولكرم ليست سوى مظهر من مظاهر وأدوات إلغاء الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، مشدداً: "تنبئ مجريات الأحداث في الضفة الغربية عما هو أكثر من مواجهة عابرة".
في قطاع غزة المحاصر ثمة جمر تحت الرماد، وفي الضفة الغربية ما يشبه الـ"ميني حرب" فالعمليات العسكرية لجيش الكيان تعدت الجولة التصعيدية إلى الدمار الممنهج، الذي يطال المكان ببشره وشجره وحجره، ويبدو أن النوايا تخفي ما خلفها، فالمؤشرات تزداد إلى امتداد وهج النار، ليطال أرجاء أوسع وأعم في الضفة الغربية، ويدلل على ذلك مداهمات قوات الاحتلال لقرى في قلقيلية والخليل، واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى المبارك في القدس، وتصاعد وتيرة هجماتهم في رام الله ونابلس، بمعنى يعكس تراجع فرص التسوية السياسية أمام مطرقة النار.