مع اقتراب تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان (البنك المركزي)، بدأت الأسماء المرشّحة لتولي المنصب ومؤهّلاتها تظهر أكثر إلى العلن مع طرح نسب حظوظها على الطاولة، خصوصاً أنّ الاستحقاق، وإن كان شأناً داخلياً، إلا أنّ اليد الخارجية ظاهرة فيه بعباءة المبادئ الأساسية التي يطلب المجتمع الدولي توفرها ضمن قالب الإصلاحات المنتظرة من العهد الجديد.
ويُعتبر التعيين بمثابة خطوة أساسية في إطار استكمال عقد المؤسسات بعد انتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أن حال الشغور في سدّة الرئاسة الأولى دون تعيين حاكم أصيل عام 2023 مع انتهاء ولاية رياض سلامة، فكان أن تولى نائبه الأول وسيم منصوري المنصب بالإنابة.
أبرز الأسماء المرشّحة
ومن أبرز المرشّحين لتولي منصب حاكم مصرف لبنان، كريم سعيد، الذي يعدّ من الأسماء الأكثر طرحاً على الطاولة، باعتبار أنّه من الشخصيات التي تحوز على رضى داخلي ودعم، بالنظر إلى سيرته الذاتية، ومؤهّلاته وخبراته الطويلة في القطاع المصرفي لبنانياً ودولياً وعربياً.
وعمل سعيد بين عامي 1996 و2000 على إصدارات الأسهم والأوراق المالية المصرفية في لبنان، وهو مؤسس وشريك إداري في شركة "غروث غايت إيكويتي بارتنرز" في الإمارات، وهي شركة إدارة أصول بديلة، تستثمر نيابة عن "غروث غايت كابيتال" في الشركات الخاصة بمجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكان قبل ذلك شغل منصب المدير العام للخدمات المصرفية الاستثمارية في بنك "أتش أس بي سي"، كما عمل محامياً في نيويورك في شركات محاماة متخصّصة في الأوراق المالية والمعاملات المصرفية.
ويبرز اسم المصرفي سمير عساف، مرشحاً محتملاً لتولي منصب حاكم مصرف لبنان، بعد أن كان طُرحَ اسمه لرئاسة الجمهورية، وجرى التداول إعلامياً بأنّه مدعوم من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك بالنظر إلى مؤهّلاته، إذ نال الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة السوربون، وعمل في شركة توتال عام 1987، ثم تولى مناصب عدّة في القطاع المصرفي، منها منصب المدير الإقليمي لمجموعة "أتش أس بي سي" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا، وعين عضواً في المجلس الاستشاري لصندوق النقد الدولي.
ومن الأسماء الأخرى، التي تُطرح على طاولة البحث، وزير العمل السابق كميل أبو سليمان، (كان ضمن حصة حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع حكومياً)، وقد عمل محامياً في نيويورك، وحائز على ماجستير في القانون من جامعة هارفارد، وصاحب خبرة مصرفية واستشارية كبيرة خصوصاً في مجال الأسواق الناشئة، إلى جانب جهاد أزعور، وزير المال السابق، ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وكان من المرشحين لرئاسة الجمهورية مدعوماً من الفريق المعارض لحزب الله ومحوره.
كما يجري تداول اسم فراس أبي ناصيف، رئيس مجلس إدارة "كونغسبيرغ أوتوموتيف" وهي شركة مساهمة تعمل في قطاع صناعة السيارات، ولديه كذلك خبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، ومن المرشّحين أيضاً فيليب جبر رئيس مجلس إدارة شركة معامل البيرة "ألماسة"، ومؤسس شركة "جبر كابيتال بارتنيرز" لإدارة الثروات ومركزها جنيف، علماً أنّ أسماء أخرى كانت أيضاً مطروحة لكن اسهمها تراجعت في الفترة الماضية، منها وزير الاقتصاد الأسبق منصور بطيش (محسوب على التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، الذي لم يُمثَّل في حكومة نواف سلام بأي حقيبة وزارية)، كذلك، المدير العام السابق لوزارة المالية آلان بيفاني.
حقيقة التدخل الأميركي
بالتزامن مع المشاورات اللبنانية للتوافق حول اسم الحاكم الجديد، خرجت أخبار صحافية عن تدخل أميركي كبير في الاستحقاق، وذلك في إطار تركيزها على إضعاف حزب الله بعد تقليص نفوذه على الحكومة اللبنانية بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان.
وقالت خمسة مصادر مطلعة لوكالة رويترز الأحد الماضي، إنّ "الولايات المتحدة تجري مشاورات مع الحكومة اللبنانية لاختيار الحاكم الجديد لمصرف لبنان".
وقالت ثلاثة مصادر لبنانية ودبلوماسي غربي ومسؤول من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنّ الولايات المتحدة تراجع ملفات عدد من المرشحين لهذا المنصب، وتحدثت المصادر إلى رويترز لمناقشة دور واشنطن في عملية الاختيار، شرط عدم نشر هويتها.
وقال اثنان من المصادر اللبنانية والمسؤول من إدارة ترامب إن مسؤولين أميركيين التقوا بعض المرشّحين المحتملين في واشنطن وفي السفارة الأميركية في لبنان.
في الإطار، تقول مصادر رسمية لبنانية لـ"العربي الجديد"، إنّ "اختيار حاكم جديد لمصرف لبنان هو استحقاق داخلي، ويحتم توفّر توافق داخلي على الاسم، وليس صحيحاً أنّ الخارج وتحديداً الأميركي هو مَن يختار الحاكم الجديد، أو يفرض اسماً معيّناً، لكن هناك مواصفات معروفة للمجتمع الدولي، وكذلك الولايات المتحدة، مطلوب توفّرها في المرشّحين للمنصب، وهو الأمر نفسه الذي حصل خلال مساعدة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية".
وتشير المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، إلى أنّ "هناك مواصفات مطلوبة في شخص الحاكم، أبرزها القيام بالإصلاحات التي طال انتظارها، وأن يتمتع بالمؤهلات والكفاءة لتولي منصب كهذا، وألّا يكون هناك أي شبهات فساد حول اسمه، فالمرحلة صعبة والتحديات كبيرة، وأمام الحاكم الجديد دور كبير على صعيد القطاع المصرفي الذي عانى من انهيار تاريخي ولا يزال يعيش أزمة كبرى".
كيفية التعيين والمهام
تنصّ المادة 18 من قانون النقد والتسليف على أنّ الحاكم يُعيّن لست سنوات بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية، أما نواب الحاكم الخمسة، فيُعيّنوا بمرسوم في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية واستشارة الحاكم، ويجب أن يتوفر لدى الحاكم ونوابه الشهادات الجامعية والخبرة اللازمة والصفات المعنوية التي تتطلبها وظائفهم، ويمكن تجديد ولاية الحاكم ونوابه مرات عدة.
ويتمتع الحاكم بأوسع الصلاحيات لإدارة المصرف وتسيير أعماله، وهو ممثل المصرف الشرعي، ويوقع باسم المصرف جميع الصكوك والعقود والاتفاقات، ويجيز إقامة جميع الدعاوى القضائية، ويتخذ جميع الإجراءات التنفيذية أو الاحتياطية التي يرتئيها بما في ذلك التأمينات العقارية، كما ينظم دوائر المصرف ويحدّد مهامها.
في السياق، يقول أستاذ مادة القانون في الجامعة اللبنانية جاد طعمه، لـ"العربي الجديد"، إنه وفقاً لأحكام الدستور اللبناني، فإنّ مجلس الوزراء يمتلك صلاحية إصدار القوانين المتعلقة بالمال والاقتصاد والنقد، أمّا حاكم مصرف لبنان فهو الشخص المختصّ بإدارة السياسة النقدية للبلاد، وتنظيم القطاع المالي، فهو يطبق السياسات الموضوعة لتحرّك الاقتصاد الوطني، ويقع على عاتقه عبء حفظ استقرار العملة الوطنية وعمليات الإصدار وإدارة الاحتياطات النقدية بالعملات كافة.
ويضيف طعمه: "لحاكم مصرف لبنان أيضاً صلاحية الإشراف على المصارف والمؤسسات المالية، وهو يلزمها باللوائح والتعاميم الصادرة عنه، ويقرّ ميزانية المصرف المركزي".
وحول مسألة تعيين الحاكم يشرح طعمه أنّ "ذلك يجري عبر رئيس الجمهورية بناءً على اقتراح من رئيس الحكومة وبموافقة مجلس الوزراء، ولتعيينه لا بدّ من أن يكون متمتعاً بالكفاءة والخبرة في المجالين المالي والنقدي، وولايته تكون لمدة ستِّ سنوات قابلة للتجديد".
ويتابع: "حاكم مصرف لبنان يرأس هيئة الرقابة على المصارف التي لها دور في مراقبة مدى امتثال البنوك والمؤسسات المالية للقوانين المحلية والدولية، وتنفيذ الرقابة على المصارف، كما يشرف على عمليات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
وحول الأسماء المطروحة يشير طعمه إلى أنّ "السيرة الذاتية التي سيتمتع بها الحاكم لاحقاً هي الأهم، ومن الطبيعي أن تسعى القوى السياسية والمصرفية لتزكية أسماء تترك لها شعوراً بالارتياح، علماً أنّ القرار أولاً وأخيراً بيد القيمين على العهد الحالي الذين يجب ألّا يتعثروا في الامتحانات الأولى المرتبطة بالترجمة الواقعية لمضمون خطاب القسم، مع الإشارة في الوقت نفسه إلى أنّ كل ما يحصل في البلاد من استحقاقات دستورية وإدارية وأمنية يدور اليوم في الفلك الأميركي".
