أثارت أحداث ومعارك الساحل السوري الأخيرة تفاعلاً في تركيا من الأطراف السياسية والشعبية، لتداخل النسيج المجتمعي بين البلدين وتأثرهما المباشر ببعضهما البعض. وتظهر المواقف انقساماً في وجهات النظر بشأن مسؤوليات مرتكبيها، لكنها متفقة على رفضها وانتقالها إلى تركيا، خشية من تداعياتها. ففي حين هاجمت المعارضة الحكومة لدعمها الإدارة السورية، وركزت على جرائم فصائل مسلحة بحق سكان القرى والأحياء ذات الغالبية من العلويين في الساحل السوري مطالبة بحمايتهم، رد المسؤولون الأتراك بتأكيد رفضهم ما يحصل من جهة، ودعم خطوات الحكومة في دمشق بالتصدي لفلول النظام السابق من جهة ثانية، فضلاً عن دعوات لعدم استغلال ذلك لمزيد من التأثيرات سواء على الصعيد السوري أو الداخلي التركي.
وقال الرئيس رجب طيب أردوغان، بعد اجتماع الحكومة في أنقرة الاثنين الماضي، إن تركيا تدين بأشد العبارات كل هجوم يستهدف وحدة سورية واستقرارها وسلمها الاجتماعي، معرباً عن ترحيبه برسائل الرئيس السوري أحمد الشرع التي تتسم بالاعتدال والتهدئة. وشدد على أن من ينظر إلى سورية ولا يرى فيها إلا الطوائف والمذاهب والأعراق فهو حبيس التعصب الأعمى. وأعرب عن ثقته بأن مكونات الشعب السوري ستتصرف بحكمة ولن يعطوا الفرصة لمن يريدون تمزيق بلدهم وجره إلى مستنقع عدم الاستقرار، منتقداً من التزموا الصمت على مدار 14 سنة بينما كان الأطفال الأبرياء يقتلون بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية في سورية.
إسماعيل جوكتان: هناك مخاوف من قيام بعض الأطراف السياسية بالتدخل لدعم فلول النظام
بدوره، قال رئيس البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم نعمان قورطولموش، لصحافيي البرلمان أول من أمس الاثنين إنه "من غير المقبول أن يقوم بعض رجال النظام القديم بإعادة تجميع صفوفهم وتنفيذ بعض الغارات في الأيام الأخيرة لعدم ترك أي مساحة للإدارة الجديدة، ثم تحدث بعض الهجمات المضادة التي من شأنها أن تؤجج الصراعات الطائفية". واعتبر أن "الذين أرادوا بهذه الأحداث فصل السنة عن العلويين، والأتراك عن الأكراد في تركيا، لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم حتى اليوم، ونوصي بألا يستخدم أحد من الآن فصاعداً الأنشطة غير القانونية المحتملة التي قد تنشأ في سورية ذريعة لإثارة الانقسام داخل تركيا من خلال المناقشات الطائفية".
انتقاد حزب الشعب الجمهوري
بدوره، اعتبر زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، حليف أردوغان في الحكم، عبر حسابه على منصة إكس الاثنين الماضي، أن "المؤامرة المقززة التي تثير الصراع الطائفي وتهدف إلى إشعال النار في سورية وحصار دول المنطقة أحرزت تقدماً ملحوظاً"، واتهم حزب الشعب الجمهوري باللجوء "إلى حملة استغلال من خلال إخواننا العلويين"، مضيفاً "الاستفزاز الطائفي لحزب الشعب الجمهوري ليس فقط ضد تركيا، بل أيضاً ضد المجتمعات الإسلامية والتوازنات والديناميكيات الإقليمية".
ومعروف أنه تاريخياً، يشكّل الأتراك العلويون جزءاً مهماً من ناخبي حزب الشعب الجمهوري، والعلويون في تركيا، ومنهم أكراد، يُعتبرون النواة الصلبة للتيار العلماني في ذلك البلد. ويتجاوز عدد العلويين في تركيا 20% حسب إحصاءات غير رسمية.
وكان حزب الشعب الجمهوري، أرسل وفداً من 10 أعضاء برئاسة القيادي علي ماهر باشارير إلى ولاية هاطاي، وألقى بياناً من على النقطة صفر من الحدود التركية السورية بمنطقة يايلاداغي المقابلة لمعبر كسب الحدودي، قال فيه: "من أجل أمن تركيا ورفاهيتها، من الضروري إرساء الاستقرار في سورية في أقرب وقت ممكن. إن الإدارة الحالية في دمشق مسؤولة عن أمن جميع المواطنين، والاعتداءات على العلويين أو المدنيين، خاصة من يستغل أخطاء النظام السابق أو ممارساته التي لا يقبلونها، أمر غير مقبول في سورية".
أما رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة أوزغور أوزال فكشف، في حديث مع صحيفة جمهورييت الأحد الماضي، أنه تحدث مع رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن حول التطورات في الساحل السوري، قائلاً: "أعطى معلومات شاملة، وعبرت عن حساسيتنا وعدم ارتياحنا، كما تحدثنا عن كيف أن وضعاً مثل استهداف العلويين من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً بسورية وتركيا. أخبرته أننا نشعر بعدم الارتياح بسبب هذا الوضع، وأن علينا أن نفعل كل شيء لحماية العلويين". وفي الإطار نفسه، شهدت ولاية هاطاي عدة تظاهرات، من بينها تظاهرة قال فيها الشيخ العلوي سليم نارلي، أخيراً، إنه "في حال لم تتمكن تركيا من وقف ما يجري بسورية، فإنه سيتقدم بطلب إلى إسرائيل للتدخل لحماية العلويين"، لتثير تصريحاته جدلاً في تركيا في ظل رفض لها.
انعكاس الأحداث في الساحل السوري على تركيا
وقال الكاتب والصحافي إسماعيل جوكتان، لـ"العربي الجديد": "لا شك ان ما يجري في سورية، ينعكس فوراً على تركيا لأن هناك تشابه تام بين المجتمعين في البلدين". وأضاف: "الأحداث الأخيرة في الساحل السوري انعكست تداعياتها على تركيا، فكان هناك ردة فعل فورية للمجتمع العلوي والمعارضة التركية التي لطالما كانت تدعم النظام السوري خلال الثورة، وذلك بمواقفها تجاه ما يحدث في الساحل السوري ذات الأغلبية العلوية، فالمعارضة التركية وجهت انتقادات للحكومة السورية والحكومة التركية معاً، واتهمت الحكومة السورية بارتكاب مجازر كبيرة ضد العلويين، بينما كانت نفس المعارضة تضغط على اللاجئين السوريين الذين لجأوا إلى تركيا، ولا شك هذه الانتقادات ستؤثر على المشهد السياسي في تركيا".
شهدت ولاية هاطاي تظاهرات عدة احتجاجاً على ما يجري في الساحل
ولفت جوكتان إلى أن "هناك مخاوف من قيام بعض الأطراف السياسية بالتدخل لدعم فلول النظام، وبالتالي أن يؤثر هذا الدعم على تحجيم الجهود الرامية لحل القضية الكردية التي تزايد الأمل في حلها بعد دعوة مؤسس حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان للتخلي عن السلاح). لكن التطور الجديد في سورية أنهى هذه المخاوف، إذ تم إعلان الاتفاق بين قسد (قوات سوريا الديمقراطية) والحكومة السورية الجديدة. رغم ذلك، فإن هناك تطورات متوقعة تخص العلويين العرب في جنوب تركيا وهم يعيشون في مناطق قريبة من الحدود السورية، لأن الزعيم الديني سليم نارلي أدلى بتصريحات نارية ضد الحكومة بسبب التطورات في الساحل السوري وقال إنه في حال لم تتحرك تركيا لوقف المجازر، على حد قوله، سيوجه دعوة لإسرائيل للقيام بهذا الدور. فهناك استياء كبير ضده ومطالب بمحاسبته على خلفية تصريحاته".
من ناحيته، قال الكاتب والصحافي جلال دمير، لـ"العربي الجديد": "كما هو معلوم في اللاذقية ومنطقة الساحل السوري حصلت اشتباكات خطيرة بين بقايا النظام مع قوات الحكومة السورية الجديدة تشبه التمرد والانقلاب، وغالباً تمت السيطرة عليها بشكل كبير، وتركيا تراقب الحدث، وهناك تصريحات كثيرة، منها من رأس هرم الدولة وزعماء الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة، وبالتالي كانت هناك ردات فعل في تركيا على هذه التطورات". وأضاف: "كانت هناك تظاهرات من العلويين في ولاية هاطاي احتجاجاً على ما يجري. تركيا حريصة على وحدة سورية وتفكر بمصلحتها، والموقف الرسمي كان يدفع بهذا الاتجاه، والوقوف إلى جانب الإدارة الجديدة. وعلى عكس الأحزاب الأخرى التي كانت تصريحاتها مختلفة، سورية هامة بالنسبة لتركيا وهي بوابة ودرع لتركيا، قوتها ووحدتها تنعكس إيجاباً على تركيا، وستكون هذه التطورات محور أحاديث المسؤولين في تركيا واجتماعاتهم".
