أخطاء بمشروع نيوم السعودي زادت تكاليفه وقلصت استثماراته

منذ ٤ أيام ٢٣

بعد نسج أحلام كبيرة، حول مشروع نيوم السعودي، وهو جزء من "رؤية 2030" لتطوير السعودية اقتصاديا، بدأت تظهر أخطاء في التقديرات التي وضعتها شركات التطوير الأميركية ساهمت في زيادة تكاليف المشروع بصورة مبالغ فيها.

صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، كشفت 9 مارس/ آذار 2025، عن "تقرير داخلي" عبارة عن ملف تدقيق، حول مشروع نيوم أشار إلى "مشاكل واجهها المشروع"، تمثلت في وضع المديرين التنفيذيين، بمساعدة الشركة الاستشارية للمشروع (ماكينزي آند كو)، "افتراضات خيالية غير واقعية في خطة عمل نيوم، لتبرير التكلفة الباهظة".

وتشير خلاصة التقرير إلى خمسة تلاعبات قام بها المديرون التنفيذيون في "نيوم" (سعوديين وأجانب) هي: قالوا إن تكلفة مشروع ذا لاين أقل من ناطحات السحاب في الرياض، على فرضية أن حجم البناء الواسع يعني أسعارًا أقل، ورفضوا رفع تقارير لولي العهد محمد ابن سلمان عن المخاوف بشأن التكاليف المرتفعة لمشروع "ذا لاين".

ورفعوا توقعات الأرباح والإيرادات لتغطية فجوة ارتفاع تكاليف البناء، وحذروا المستشارين من التحدث عن التكاليف بشكل استباقي، وقمعوا محاولة للطعن في تقديرات التكاليف بإقالة المسؤول.

ونيوم مشروع مطل على البحر الأحمر، دشنه ولي العهد السعودي بقيمة 500 مليار دولار، لدفع التنمية في شمال غرب المملكة ومن المقرر أن يستوعب ما يقرب من 9 ملايين نسمة.

افتراضات خيالية في مشروع نيوم

 وجد "تقرير التدقيق الداخلي"، الذي نشرته وول ستريت تحت عنوان "ما هو الخطأً الذي حدث في المدينة المستقبلية الصحراوية في المملكة العربية السعودية؟"، أن المديرين التنفيذيين، قاموا في بعض الأحيان بمساعدة مستشاري المشروع (ماكينزي وشركاه) بربط افتراضات وردية خيالية بشكل غير واقعي في خطة عمل نيوم لتبرير ارتفاع تقديرات التكلفة، ووجد التدقيق "دليلًا على التلاعب المتعمد" بالشؤون المالية من قبل "بعض أعضاء الإدارة".

وأكد التقرير الداخلي أن مسودة عرض تقديمي لمجلس إدارة المشروع من الصيف الماضي، قرت النفقات الرأسمالية المطلوبة لبناء نيوم حتى "المرحلة النهائية" بحلول عام 2080 بمبلغ 8.8 تريليون دولار، أي أكثر من 25 ضعف الميزانية السعودية السنوية، و370 مليار دولار للمرحلة الأولى بحلول عام 2035.

وأشار إلى تحايل على الأرقام، وتوقعات غير مدروسة، حيث جاء في شهادات موظفين سابقين في ملف تدقيق داخلي يتكون من أكثر من 100 صفحة تم تقديمه إلى أعضاء مجلس إدارة نيوم قبل حوالي سنة، إن معدي المشروع من السعوديين والأميركيين "جعلوا الأرقام تنجح على الورق بقولهم إن تكلفة ذا لاين أقل من ناطحات السحاب الطويلة في الرياض، مثلا، وافترض المخططون أن وفورات الحجم ستخفض الأسعار".

ووجدت المراجعة لهذه الأرقام "أدلة على التلاعب المتعمد" بأمور مالية "بواسطة أعضاء بالإدارة"، وفق الصحيفة الأميركية. حيث كان هدف المديرين التنفيذيين من إخفاء "التكاليف المتزايدة" للمشروع هي زيادة أرباحهم من إظهار ان المشروع مربح بصورة كبيرة، وفقًا لما كشفه التدقيق الداخلي وبعض الموظفين السابقين، حسبما جاء في التقرير الداخلي الذي تم تسريبه للإعلام.

وذكر التقرير الذي هو عبارة عن "تدقيق" في تفاصيل نفقات المشروع، أن "أنطوني فيفس"، الذي أشرف على الرؤية العامة لنيوم ثم أدار مشروع سندالة، برر ارتفاع التكاليف من خلال "رفع توقعات الإيرادات بدلًا من إعادة تقييمها على أنها باهظة".

بل وكتب، في رسالة إلكترونية إلى زملائه ومستشاري ماكينزي قبل اجتماع مهم، يقول لهم: "يجب ألا نذكر التكاليف بشكل استباقي على الإطلاق"، ما يشير للتلاعب المتعمد.

وتسبب طلب قدمه مسؤولون سعوديون باستخدام "مقياس استثماري" شائع يعرف باسم "معدل العائد الداخلي"، في تكاليف وخسائر مالية، إذ إن هذا المقياس، هو في الأساس النسبة المئوية للاستثمار الذي يعود في الربح السنوي، بحيث إذا كلف بناء الفندق مليون دولار، وتبلغ قيمته 1.1 مليون دولار بعد عام، فسيكون له معدل عائد داخلي بنسبة 10%.

"ذا لاين" يبتلع التكاليف

وأشارت المراجعة إلى أن الطموحات الهائلة للمشروع، برزت في مسودة مجلس الإدارة "حيث جاء الإنفاق الرأسمالي المطلوب لبناء نيوم حتى التصور النهائي بحلول عام 2080، نحو 8.8 تريليونات دولار (أكثر من 25 ضعف الميزانية السعودية السنوية)"، حسب استعراض "وول ستريت" لوثيقة المراجعة التقييمية التي حصلت عليها.

وكانت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية تحدثت في 4 إبريل 2024 عن تعثر في خطة ولي العهد محمد بن سلمان بشأن جمع 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي بحلول عام 2030، بعد أن تبين أن الهدف بعيد المنال في الوقت الحالي، حسب خبراء.

وأوضحت أن حكومة المملكة رغم أنها "تحرق الأموال"، وفق تعبير التقرير، تكثف جهودها لجذب المزيد من الأموال الأجنبية، بسبب وجود عجز نتيجة انخفاض أسعار النفط، ولهذا طلبت من جارتها الكويت 16 مليار دولار لمشروع "نيوم"، وهو ما لم تؤكده المملكة أو الكويت.

ويشير التقرير المُسرب، الذي نشرته "وول ستريت" عن مشروع نيوم أن المسؤولين عنه وضعوا خططًا لبناء 10 أميال من مشروع ذا لاين بحلول عام 2030، وهو ما يعادل تشييد جميع مباني المكاتب في "وسط مانهاتن" ثلاث مرات خلال عقد واحد، رغم أن هذا سيتطلب كميات هائلة من الفولاذ والزجاج والأموال والوقت.

وظهر أن السبب الرئيسي للتكاليف الباهظة لهذا المشروع هو ارتفاع ناطحات سحاب "ذا لاين" البالغة 1,640 قدمًا، حيث أظهرت تحديات الهندسة والبناء صعوبة بناء أبراج فائقة الارتفاع ومربحة في أي مكان، ناهيك عن بنائها في الصحراء النائية. وقد حث موظفو نيوم مرارًا وتكرارًا المديرين التنفيذيين على تقليل الارتفاع إلى حوالي 1,000 قدم لتوفير التكاليف، دون جدوى.
ومشروع ذا لاين هو عبارة عن ناطحات سحاب متوازية مغطاة بالمرايا تمتد على مسافة 170 كيلومترًا. 

لكن وكالة "بلومبيرغ" كشفت في 5 إبريل 2024 أن مساحة ذا لاين التي كانت عند إطلاق المشروع 170 كلم، تقلصت الآن وأصبحت 2.4 كلم فقط، بعدما فشل السعودية في جذب المستثمرين الأجانب للمشروع وعزفوا عنه.
وأكدت أن مشروع "ذا لاين" الذي كان من المتوقع أن يستوعب 1.5 مليون نسمة بحلول عام 2030، من المتوقع أن يعيش فيه أقل من 300 ألف شخص بحلول ذلك الوقت (لو تم المشروع).

وتحدثت صحيفة The Sun البريطانية، 10 إبريل 2024 عن "نهاية مشروع ذا لاين" بعدما تقلص حجمها إلى 1% فقط من الحجم المخطط لها.
أيضا أكدت صحيفة "الغارديان" البريطانية 20 إبريل 2024 أن مشروع "ذا لاين" والذي من المفترض أن يبلغ طوله 105 أميال تم تقليصه، وسيصبح طوله الآن ميلًا ونصف الميل فقط، أي بانخفاض قدره 98.6%.
وكانت فكرة مشروع "ذا لاين" كما أعلن عنها في موقع المشروع بناء مدينة ذكية كبرى تدار بالكامل بالتقنيات الحديثة وليس بها مركبات وشوارع، فالكل يطير أو يركب وسائل نقل تشبه الصواريخ. وكان مخططا لها أن تمتد بطول 170 كيلومتراً من ساحل نيوم على البحر الأحمر شمال غرب المملكة وتمرُ بجبال وصحراء نيوم شرقاً ويعيش فيها أكثر من مليون شخص من جميع أنحاء العالم باعتبارها "منصة للابتكار والأعمال التجارية المزدهرة".

لذا تحدث تقرير المراجعة الأخير الذي نشرته "وول ستريت" 9 مارس 2025، عن "وهم متبادل" تسبب في هذه التكاليف الباهظة، وأكدت أنه في مواجهة الخطط السعودية الطموحة الخيالية، "لم يكشف المديرون التنفيذيون الحجم الكامل للتحديات والتكاليف".

مشكلة "تروجينا نيوم"

أيضا كشف تقرير المراجعة الداخلي الذي تم تسريبه أن مشروع "تروجينا نيوم"(NEOM TROJENA)، وهو أحد المشاريع السياحية الفاخرة ضمن مشروع نيوم الضخم، لتعزيز قطاع السياحة عبر منتجع تزلج مخطط له، يعاني من ارتفاع تكاليفه الباهظة.

حيث وجدت المراجعة التقييمية الداخلية أن التكاليف قد ارتفعت بأكثر من 10 مليارات دولار، وهو ما تسبب في انخفاض معدل العائد الداخلي إلى 7%، وهو أقل من هدف المشروع البالغ حوالي 9%.

ولتغطية الفجوة، أعيد تعديل تقديرات السعر في موقع تخييم إلى 704 دولارات في الليلة (بعدما كانت 216 دولارًا)، وتم ربط غرفة "فندق بوتيك للمشي لمسافات طويلة" بسعر 1,866 دولارًا في الليلة (من 489 دولارًا)، وهي أسعار باهظة، رغم أن المشروع مخصص أصلا للسياح فارهي الثراء.

قراءة المقال بالكامل