تواجه الصين التي عانت من المجاعة قبل أكثر من ستة عقود من الزمن، أزمة سمنة حتمت إصدار الحكومة تحذيرات من أن أكثر من 65% من البالغين قد يعانون من زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2030. وقد تكلف هذه المشاكل 57 مليار دولار تعادل نحو 22 في المائة من إجمالي ميزانية الصحة الوطنية في البلاد.
وأفادت دراسة نشرتها مجلة "ذا لانسيت" في مارس/ آذار الماضي أن عدد البالغين الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في الصين تجاوز 400 مليون، مقارنة بـ 180 مليوناً في الهند و172 مليوناً في الولايات المتحدة. ويتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 630 مليوناً عام 2050.
وفعلياً، يُسابق صانعو القرارات في بكين الزمن قبل أن تفرض الأمراض المزمنة المرتبطة بالسمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري ومشاكل القلب والأوعية الدموية، المزيد من الضغوط على نظام الرعاية الصحية، وسبق أن أطلقت إدارات حكومية خطة لمدة ثلاث سنوات لمعالجة المشكلة.
والشهر الماضي أعلنت الحكومة خطة لإنشاء عيادات لإدارة الوزن متعددة التخصصات في المستشفيات بأنحاء البلاد. وقال تشانغ وين هونغ، الخبير في الأمراض المعدية، في اجتماع عقدته الهيئة التشريعية الوطنية والهيئة الاستشارية السياسية العليا، إن "النظام الصحي سيستهدف البطون الكبيرة، إذ نريد أن نساعد الناس على خسارة الوزن، لكن لا يخفى إن إجراء تغييرات جذرية على نمط حياة الناس يمثل تحدياً كبيراً".
من جهتها، أعلنت وزارة التعليم مجموعة تدابير لمعالجة المشكلة، من بينها إضافة مؤشر كتلة الجسم إلى تقييمات التربية البدنية للتلاميذ، ومطالبة المدارس بتخصيص ساعة واحدة على الأقل يومياً للأنشطة الخارجية، وتقليل كمية الواجبات المنزلية، وتوسيع أوقات الاستراحة من 10 دقائق إلى 15 دقيقة.
وتقول المستشارة في مركز شينزن لمكافحة البدانة، شين لينغ، لـ"العربي الجديد": "المأكولات الصينية أكثر صحة مقارنة بالغرب ودول الشرق الأوسط والجنوب العالمي بسبب اعتمادها الواسع على الخضار والأرز المسلوق والمأكولات البحرية. وساهم ذلك في بناء مجتمع صحي كان من بين الأكثر تعميراً استناداً إلى عدد المسنين ونسب الشيخوخة، لكن مع التحوّل الصناعي الذي شهدته البلاد خلال العقدين الماضيين انتشرت العديد من الظواهر غير الصحية في المجتمع، من بينها السمنة المفرطة من خلال الاعتماد بالكامل على الوجبات السريعة بسبب ضيق الوقت والتباعد الاجتماعي والتفكك الأسري".
وتلفت إلى أن "العديد من الموظفين والعمال يعتمدون على تناول الأطعمة غير الصحية، إذ ينظر إليها باعتبارها طريقة سريعة لتعزيز مستويات الطاقة لديهم أو جعلهم يشعرون بالشبع، كذلك فإن تكلفتها بسيطة. أيضاً قد تؤدي ساعات العمل الطويلة إلى تناول الطعام بسبب التوتر والجهد الذهني".
وتشير شين لينغ إلى عامل آخر له علاقة بتداعيات سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين نهاية سبعينيات القرن الماضي، واستمرت نحو أربعة عقود. وتقول: "ولادة طفل وحيد للأسرة يجعله يحظى بدلال منقطع النظير، حيث يميل الآباء إلى تدليل أطفالهم في نوع من إظهار الاهتمام والرعاية، وذلك من خلال الإغداق عليهم بالمأكولات الشهية المفضلة للأطفال مثل المقرمشات، ووجبات ماكدونالدز، إضافة إلى الحلوى والسكاكر، وهي جميعها مأكولات غير صحية. وساهم ذلك دون أدنى شك في ارتفاع نسبة البدانة بين الأطفال".
وتتوقع تقديرات أن يعاني نحو ثلث الأطفال الصينيين الذين تزيد أعمارهم على سبع سنوات من زيادة الوزن أو السمنة بحلول عام 2030، وهي زيادة كبيرة مقارنة بنسبة 19% في عام 2018. وقد تضاعفت نسبة الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن والسمنة في الصين ثلاث مرات منذ بداية الألفية الثانية، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية في الارتفاع، يتوقع أن تشهد البلاد خلال السنوات المقبلة أزمة سمنة تطاول جميع فئات المجتمع.
في المقابل، أصبحت مراكز إنقاص الوزن الخاصة تحظى بشعبية متزايدة في الصين، حيث يوجد الآن نحو ألف مركز في مناطق ومقاطعات مختلفة. وتشمل التدابير المعمول بها في كثير من الأحيان ممارسة تمارين رياضية يومية قاسية ورقابة صارمة على تناول الوجبات الخفيفة، غير أن هذه المراكز أثارت الجدل أيضاً في العام الماضي، حين توفيت فتاة قاصر في أثناء مشاركتها في مركز تدريبي لإنقاص الوزن، بسبب سوء التغذية وفقر الدم.
