أسئلة بلا أجوبة في ذكرى هجوم كروكوس في موسكو

منذ ٤ ساعات ١٦

في مثل هذا اليوم قبل عام، فوجئ الروس بورود أنباء عاجلة حول تعرض قاعة العروض "كروكوس سيتي هول" على أطراف العاصمة موسكو لهجوم دموي، عُدّ الأعنف منذ قرابة عقدين، أسفر عن مقتل 145 شخصاً وإصابة أكثر من 550 آخرين جراء إطلاق النار واندلاع حريق هائل بقاعة العروض. وقع الهجوم مساء 22 مارس/آذار 2024 الذي صادف يوم الجمعة، ما زاد من إقبال السكان على التردد إلى المراكز التجارية والترفيهية عشية عطلة نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد، وفاقم التداعيات الكارثية للفاجعة. اقتحم المسلحون قاعة العروض التي تتسع لـ6200 مشاهد، في وقت كان المشاهدون فيه يترقبون بدء عرض لفرقة الروك الموسيقية بيكنيك. أطلق منفذو هجوم كروكوس النار على الرواد أولاً، ثم أشعلوا النيران في مبنى القاعة، وأخيراً لاذوا بالفرار. وفي وقت ألقي فيه القبض على المنفذين المباشرين الأربعة من حملة جنسية طاجكستان على وجه السرعة، لا تزال التحقيقات في الواقعة متواصلة حتى اليوم من دون إحالة القضية إلى المحكمة بعد نظراً إلى عدم اطلاع المتهمين الـ19 ودفاعهم على مواد القضية التي تضم 420 مجلداً، وفق ما ذكرته صحيفة كوميرسانت الروسية عشية حلول الذكرى الأولى للهجوم، مشيرة إلى أنه من المنتظر أن تستكمل التحريات بحلول 22 مايو/أيار المقبل.


أنطون مارداسوف: حصل منفذو هجوم كروكوس على دعم محترف يفوق إمكانيات تنظيم داعش

عناصر الخلية

وتشير الرواية النهائية للتحقيق في هجوم كروكوس إلى أن عناصر الخلية كانوا مجندين من قبل تنظيم "ولاية خراسان" المنبثق عن "داعش" في أفغانستان، وفق ما أوضحه أحد أعضاء فريق الدفاع المكلف، أوليغ فلاسوف، الذي أشار في حديثٍ لـ"كوميرسانت" إلى أن المنفذين كانوا ينوون التوجه إلى أوكرانيا التي "ما كان لها أن تسلمهم بأي حال من الأحوال"، على حد زعمه. ومع ذلك، شرح فلاسوف أن مدبري الهجوم أمروا منفذيه بألا يغادروا موقع الجريمة وأن "يستقبلوا" أفراد الأمن لدى وصولهم، مضيفاً: "أعتقد أن المدبرين أرادوا أن يقضي هؤلاء هناك، ولكن الإرهابيين الأربعة لم يمتثلوا، بل توجهوا صوب طريق كالوغا السريع بعد مرور 13 دقيقة فقط".

وبذلك، تقتصر التحقيقات والمحاكمة المرتقبة على المنفذين والمدبرين فقط من دون الوصول إلى المحرضين على الجريمة، وسط توجيه السلطات الروسية اتهامات صريحة إلى الأجهزة الاستخبارية الأوكرانية، وهي تهم نفتها كييف فور وقوع الهجوم، ولم تحظ بإجماع حتى في الداخل الروسي. ورغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زعم بعد يوم على هجوم كروكوس أن منفذي الهجوم كانوا متوجهين إلى الحدود مع أوكرانيا، حيث أعدت لهم "نافذة" لعبورها، إلا أن مواد القضية لا تتضمن حتى اليوم إشارة إلى موقع وجود المنفذين المباشرين. وأثناء الاستجوابات، اعترف المنفذون بأنهم كانوا يتلقون التعليمات من شخص مجهول عبر تطبيق للتراسل الفوري.

وأوضح الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أنطون مارداسوف أن ثمة مؤشرات تدل على حصول منفذي هجوم كروكوس على دعم محترف يفوق إمكانيات تنظيم داعش الذي تعرض لمجموعة من الهزائم في السنوات الأخيرة، ما يفرض تساؤلات حول الجهة المنفذة الهجومَ، وفق اعتقاده. وقال مارداسوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لا تزال أسئلة غامضة كثيرة تخيم على هجوم كروكوس، ومنها مثلاً كيفية حصول المهاجمين على رشاشات، وأسباب هروبهم من موقع الهجوم رغم أن داعش يعتمد في هجماته على الانتحاريين، وكيف حصلوا على خرائط مفصلة لقاعة العروض أتاحت لهم إشغال حريق بطريقة جعلت ألسنة اللهب لا ترحم شيئاً في طريقها". ومع ذلك، أقرّ بأن "ترويج فكرة ضلوع المخابرات الأوكرانية في الواقعة لا يخلو من دوافع دعائية"، معتبراً في الوقت نفسه أن "ظهور رواية حصول المنفذين على دعم استخباري محترف له أسباب موضوعية".


من المرتقب إتمام التحقيقات في القضية في 22 مايو المقبل

وحول رؤيته لأبرز التداعيات الإقليمية لهجوم كروكوس، رأى أن "روسيا عجّلت عملية تطبيع العلاقات مع حركة طالبان الأفغانية التي تحارب هي نفسها ضد ولاية خراسان، وقد جرى تبني قانون يضع آلية لشطب طالبان من قائمة التنظيمات الإرهابية، خصوصاً أن الحركة عززت تأمين السفارة الروسية في كابول بعد تعرضها لهجوم في عام 2022. وينبع توجه روسيا نحو التطبيع مع طالبان من دوافع براغماتية بحتة تعود إلى إدراك موسكو هشاشة الأوضاع في الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى". وعلى الصعيد الداخلي، لفت مارداسوف إلى تعرض تجمعات المغتربين الوافدين من آسيا الوسطى لمداهمات، جازماً بأنه قد جرى رصد عناصر موالين لتنظيمات متشددة بينهم.

هجوم كروكوس والإسلاموفوبيا

وعلى الصعيد الاجتماعي، فجّر هجوم كروكوس موجة من الإسلاموفوبيا في روسيا، وسط تنامي الأصوات المطالبة بتشديد إجراءات تنظيم حركة الهجرة الوافدة إلى البلاد، ما ترجم بسنّ وتبني مجموعة من القوانين تشدد إجراءات إقامة المغتربين وعملهم في روسيا. ومن آخر القوانين من هذا القبيل التي دخلت حيز التنفيذ هذا العام، إدراج أسماء المهاجرين المخالفين وغير الشرعيين على سجل خاص من شأنه منعهم من شراء العقارات ووسائل النقل، وقيادة السيارات، والاقتراض، وتسجيل الزواج، وفتح الحسابات المصرفية، وغيرها من القيود. يذكر أن ملايين الشباب في الجمهوريات السوفييتية السابقة ذات الأوضاع الاقتصادية المتردية في آسيا الوسطى، وعلى رأسها طاجكستان وقرغيزستان، لا يجدون بديلاً عن التوجه إلى روسيا التي لا تفرض عليهم تأشيرات دخول مسبقة، مساهمين بتحويلاتهم المالية بحصة هامة من الناتج المحلي الإجمالي لبلدانهم الأصلية.

قراءة المقال بالكامل