يحاول حاتم المحمد، الموظف الحكومي، السير مسرعًا ضمن سوق باب الجابية في دمشق، إذ لم يعد يستطع استيعاب الغلاء الحاصل الذي أفقده قدرته الشرائية. يقول حاتم لـ"العربي الجديد": "نتدبر أمر العائلة يومًا بيوم، فالأطفال يشتهون الطعام وهم صائمون". ولا يتجاوز دخل الرجل الخمسيني خلال الشهر الواحد 400 ألف ليرة سورية، ما يعادل 42 دولارًا أميركيًّا، ويكفيه بالكاد لعشرة أيام من مصروف منزله، رغم تقنينه وامتناعه عن شراء الكثير من احتياجات عائلته، وحذف جميع ما يُطلق عليه كماليات، واكتفائه بصنف واحد من الطعام على الإفطار يوميًّا. وفي ظل تجاوز نسبة الفقر في سورية الـ90% وازدياد عدد من يعانون انعدام الأمن الغذائي إلى قرابة نصف السكان، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، شهدت حركة الأسواق تراجعًا في الشراء خلال الأسبوع الأول من رمضان، رغم توفر السلع بشكل كبير. لكن عدم توفر السيولة المالية لدى أغلب السوريين جعلهم يتبعون سياسة التقشف وشد البطون، فخرجت أطباق رمضانية رئيسية من موائد الصائمين، وتحولت إلى "موائد فقيرة" وسط ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، جراء ارتفاع أسعار أغلب السلع الغذائية والاستهلاكية.
مواد غذائية مجهولة المصدر
تحاول منى الأشقر، مدرسة رياضيات، تأمين احتياجات عائلتها من البسطات التي باتت تنتشر بشكل كبير في جميع الأماكن. تقول منى لـ"العربي الجديد": "انتشرت البسطات لبيع المواد الغذائية بشكل كبير وعشوائي داخل شوارع المدينة، حيث يقوم أصحابها ببيع مواد غذائية مثل المعلبات والأجبان والبسكويت بأسعار رخيصة مقارنة بالبضائع السورية التي ارتفعت أسعارها مع بداية شهر رمضان الكريم". وتتابع: "لاقت هذه البضائع إقبالًا كبيرًا في الأيام الأولى، وعلى الرغم من أن معظم هذه البضائع مجهولة المصدر وتحمل كتابات بلغات غير معروفة، فقد توجه المواطن السوري إليها كونها رخيصة الثمن، وذلك لضعف القدرة المالية لديه".
حركة ضعيفة
ارتفعت الأسعار خلال الأسبوع الأول من رمضان بحوالي أكثر من 30%، وارتفعت أسعار الحلويات بأكثر من 60%. أما التمور، فقد خرجت عن موائد الصائمين لارتفاع سعرها، إذ وصل سعر كيلو التمر من النوعية الجيدة إلى حوالي 80 ألف ليرة. وأكد رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق، عبد العزيز معقالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن حركة البيع والشراء في الأسواق خلال شهر رمضان ضعيفة، وأن أبسط طبخة تصل كلفتها إلى نحو 100 ألف ليرة سورية، ما يعادل 10 دولارات، مشيرًا إلى أن معظم السوريين يشترون مستلزمات إفطارهم بكميات قليلة، "حبة من كل نوع"، في محاولة لتمرير شهر الصيام.
كما أشار إلى أن حبس السيولة في المصارف وعدم قدرة المواطنين على سحب أموالهم من البنوك أثر بشكل كبير في اقتصاد السوق. وأضاف معقالي أن مشكلة السوريين تكمن في عدم تناسب دخلهم الشهري مع الغلاء الذي طاول الخضراوات والفواكه، مما زاد من معاناة المواطنين في تأمين احتياجاتهم اليومية وأفقدهم قدرتهم الشرائية، رغم توفر مختلف أنواع السلع الغذائية والرمضانية في الأسواق.
تحرير الأسعار
بدوره، أكد محمد عثمان، المسؤول في المكتب الإعلامي بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لـ"العربي الجديد"، أن الوزارة تقوم بمراقبة الأسواق من خلال دوريات التموين في مختلف المحافظات. وتركز هذه الدوريات على ضبط أسعار السلع الأساسية، والتأكد من توفرها، ومنع الاحتكار، بالإضافة إلى سحب عينات من المواد الغذائية وغير الغذائية لتحليلها والتأكد من مطابقتها المواصفات القياسية. وتشدد الوزارة على أهمية الإعلان عن الأسعار والتقيّد بها، ومراقبة جودة المنتجات المعروضة في الأسواق.
وبحسب عثمان، يجري حاليًا إعداد دراسات فعلية وواقعية لأسعار المواد المنتجة محليًّا والمستوردة بشكل يومي، من خلال دراسة الأسواق يوميًّا لضمان وصول المنتجات إلى المستهلكين بأسعار مناسبة. وأوضح أن "المواد الغذائية متوفرة في الأسواق بشكل كبير، ولا توجد حالات فقدان أو احتكار لأي سلعة، وذلك رغم الظروف التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية، وتسعى الوزارة إلى تحرير السوق لضمان أفضل سعر للمواطن". وأشار المتحدث ذاته إلى أن الأسواق السورية شهدت تدفقًا للسلع المستوردة بعد تخفيف القيود على التعرفات الجمركية، مما أدى إلى توفر مجموعة متنوعة من المنتجات في الأسواق، وساهم في تعزيز توفر المواد وتلبية احتياجات المستهلكين.
وختم عثمان حديثه قائلًا: "بعد قرار توقيف المؤسسة السورية للتجارة، تعمل الوزارة بمناسبة شهر رمضان على افتتاح مهرجانات في جميع المحافظات لعرض كميات كبيرة من السلع الغذائية بأسعار التكلفة، مع تقديم تخفيضات تصل إلى 30% على بعض المواد، بهدف تلبية احتياجات المواطنين بأسعار مدروسة خلال الشهر الفضيل".
