ثمانية عشر عاماً قضاها فيكتور هوغو في منفاه في جزر القنال الإنكليزي، بعدما فرّ مع غيره من السياسيين إثر انقلاب نابليون الثالث، الذي أعاد الإمبراطورية الفرنسية بديلاً عن الجمهورية في نهاية عام 1851. وكان على صاحب "البؤساء" أن يتأمل بهدوء الأضواء المنبعثة من وطنه القريب، ويجد مساراً إبداعياً غير الكتابة يناسب عزلته المديدة.
الشغف بالعمارة والتصميم الداخلي والفن قاد الكاتب الفرنسي (1802 – 1885)، إلى تخيّل صورٍ لقلاعٍ خيالية وشخصياتٍ ووحوش ومناظر طبيعيةٍ مرعبة، كما تعكسها أعماله التي يتضمّنها معرض "أشياء مذهلة: رسومات فيكتور هوغو" الذي افتتح الجمعة الماضي في "الأكاديمية الملكية للفنون" بلندن، ويتواصل حتى التاسع والعشرين من حزيران/ يونيو المقبل.
من بين أكثر من أربعة آلاف عملٍ نفّذه في حياته، تُعرض مجموعة مختارة بدءاً من رسومه الكاريكاتورية المبكّرة ورسومات رحلاته، وتجاربه في التجريد، بالإضافة إلى أعماله المطبوعة على الورق، والتي استخدم فيها الحبر، ومواد أخرى مثل القهوة والأصباغ والفحم، ساهمت قتامتها في إضفاء أجواء غامضة.
رسوماته أدهشت فان غوخ وكانت محطّ اهتمام السرياليين
هوغو الذي انتقل من جزيرة جيرزي إلى غيرنسي في عام 1855، عاش سنين منفاه الأولى في قلقٍ شديد تسرّب إلى لوحاته، وربّما أثار ابتعاده عن أي أسلوب أو مدرسة فنية في عصره، بحسب مؤرخي الفن، اهتمام السرياليين في عشرينيات القرن الماضي، والذين عثروا في أعماله على ما يتوافق مع تنظيراتهم. ومن جهة أخرى، انفصل الكاتب الفرنسي عن العالم الخارجي، إلا من خلال مكاتباته لبعض المقربين، وعاش حزناً وألماً على ولديه وابنتيه الذين رحلوا باكراً.
يضاف إلى هذه المناخات عبء آخر تمثّل في ضرورة بعث الأمل لدى الشعب الفرنسي في استعادة ثورته وتحقيق مبادئها. ورغم ذلك كله، فإنه قدّم رسومات أدهشت فان غوخ، وفق رسالة لشقيقه ثيو، في تعبيرات اقتبس منها المنظّمون عنوان المعرض "أشياء مذهلة". هي أشياء ظلّت بعيدة عن الجمهور حتى رحيل هوغو ولم يعلم عنها إلا عائلته وأصدقاؤه.
يحتوي المعرض نحو سبعين رسماً، منها واحد يصوّر قاعة في بلدية ثيونفيل بشمال شرق فرنسا، التي دمّرها جيش بروسيا بعد غزوها عام 1871؛ وهو مشهد استفزّ هوغو، إلى جانب رسم بعنوان "كوزواي"، يعود إلى السنة التي اضطر فيها إلى مغادرة باريس متوجهاً إلى بروكسل ومنها إلى جزر القنال، يتناول طريقاً صخرياً قاتماً.
في أعمال أخرى، تظهر القلاع التاريخية التي شُغف بها هوغو طوال حياته، وأسهب في وصف تفاصيلها في بعض رواياته، لكن القلاع المرسومة تمزج بعداً خيالياً مع الواقع وكأنها مأخوذة من فيلم رعب، وبالطريقة نفسها رسم مدناً من خياله بأشجارها ومبانيها ودروبها.
الكاتب الذي عُرف بمواقفه السياسية الليبرالية المعارضة للاستبداد واحتكار السلطة، وكذلك رفضه لعقوبة الإعدام والتي عبّر عنها في بعض رسوماته، ظلّ يعتقد أن مهنته الحقيقية ليست الكتابة ولا السياسة التي مارسها نائباً في البرلمان الفرنسي، إنما أن يكون مصمم ديكور. لكنه لم يتمكّن من امتهانها، وعوّضها بالرسم.
