يواجه سكان المناطق الجبلية النائية في تونس تحديات كبيرة بسبب الافتقار إلى التنمية وفرص العمل، واستحالة تنقلهم في الجبال بحريّة خشية الألغام
يعيش آلاف التونسيين قرب سفوح جبال السلوم والمغيلة والشعانبي في محافظات القصرين وسيدي بوزيد، يقتاتون من التقاط الحطب وجمع إكليل الجبل ونبتة الحلفاء، ومن رعي الأغنام والبحث عن الكلأ، ومنذ أكثر من عشر سنوات يتنقلون بحذر في سفوح الجبال، بعد أن باتت غالبية المسالك مسكونة بالألغام والموت.
لم تتوقف حوادث الألغام منذ انفجار أول لغم في جبل الشعانبي أثناء عملية تمشيط عسكرية بحثاً عن مسلحين تحصنوا في المكان في 29 إبريل/ نيسان 2013، حين سقط ضحايا في صفوف المدنيين والعسكريين، وبات تنقل سكان المناطق المجاورة للجبال التي تحصن بها المقاتلون محفوفاً بالمخاطر.
يقول عبد الرحمن، وهو أحد سكان منطقة مغيلة بمحافظة القصرين، لـ"العربي الجديد": "العديد من سكان المنطقة، خصوصاً النساء، كانون يعيشون من جمع نبتة الحلفاء التي تُسلّم إلى مصنع، وأيضاً من جمع الحطب، لكن بعد إصابة العديد من السكان من انفجار ألغام لم يعد ممكناً التنقل من دون التعرّض لخطر انفجار لغم في أي لحظة، وكانت هذه الجبال بعد ثورة عام 2011 ملاذاً للجماعات المسلحة التي فخخت مسارات كثيرة بألغام لحماية أفرادها من عمليات أمنية وعسكرية".
ويقول شافعي بن صالح، وهو أحد سكان منطقة السلوم، لـ"العربي الجديد": "أصعب ما يمكن أن يتقبله شخص هو العيش بقية حياته بعاهة بتر عضو في جسمه، نتيجة انفجار لغم زرع في مراعٍ قريبة من قرى متاخمة للجبال. تغيّر كل شيء في حياتنا بعد أن تكررت حوادث انفجار الألغام التي بترت أعضاء أشخاص، وقتلت آخرين".
وفي أغسطس/ آب 2023، أصيب التلميذ عدنان المعموري في انفجار لغم حين كان يجمع إكليل الجبل لبيعه وتوفير مصاريف دراسته، وبُترت كف يده اليمنى وتضررت عينه اليسرى، كما فقدت الصبية حدّي فقراوي ساقها اليسرى وكُسرت ساقها اليمنى بانفجار لغم أرضي عندما كانت تجمع نبتة الحلفاء في حاسي الفريد بمحافظة القصرين في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أما خديجة الرحيمي فتوفيت بانفجار لغم في المنطقة نفسها في أغسطس/ آب الماضي، علماً أنها كانت فقدت ساقها اليمنى بانفجار لغم في حادث سابق عام 2018.
وتكررت الحوادث في تونس خلال السنوات الأخيرة في مناطق تحصّن فيها المسلحون، خاصة العام الماضي مع عودة سكان هذه المناطق للتنقل بكثرة في الجبال، بسبب اعتقادهم أنّ خطر الألغام قد انتهى، أو على الأقل تقلصت حدّته بعد سنوات من انتهاء العمليات الإرهابية.
ورغم تكرر حوادث انفجار الألغام لا يزال السكان الذين يعيشون قرب الجبال يغامرون في الصعود إليها لكسب قوتهم اليومي، في ظل افتقار مناطقهم للتنمية وفرص العمل. ولا تتوفر إحصاءات رسمية عن العدد التقريبي لضحايا الألغام، كما لا تقارير تحدد أنواع الألغام وأماكن زرعها بدقة في المناطق الجبلية، علماً أن السلطات أعلنت في إبريل/ نيسان 2014 جبال الشعانبي والسلوم والمغيلة مناطق عسكرية مغلقة منعت الاقتراب منها أو التجوّل فيها، في وقت ينفذ جنود عمليات تمشيط دورية فيها.
وبعد أن تكررت انفجارات الألغام التي تسببت في مقتل البعض وبتر أعضاء كثيرين، ونفوق أغنام، نظّم سكان في هذه المناطق مراتٍ وقفات احتجاج وتحركات طالبت السلطات في تونس بنزع الألغام، لتسهيل العودة إلى الحياة الطبيعية في الجبال.
وأخيراً نظمت وزارة الداخلية يوماً للتوعية في محافظة القصرين بمشاركة وحدة متخصصة في حرس الوطني وإدارة مكافحة الإرهاب، لتعزيز إجراءات الوقاية من الحوادث الناجمة عن انفجار ألغام أو أجسام مشبوهة، وتأكيد الحرص على حماية المواطنين من مختلف المخاطر والتهديدات، خاصة تلك التي تتعلّق بالمخلفات الإرهابية.
كما نظّمت الإدارة العامة للحرس الوطني المعنية بمكافحة الإرهاب ومجابهته، في فبراير/ شباط الماضي، زيارات ميدانية لأماكن وجود مواطنين وسكان ورعاة في سفوح الجبال الغربية بمحافظة القصرين، وشملت تلاميذ معاهد ومدارس، إذ نظمت حملات للتوعية بمخاطر الإرهاب وطرق التعامل مع مخلّفاته، وبينها الأجسام المشبوهة والمتفجرة، مع عرض نماذج لألغام تقليدية بهدف رفع الوعي، والحدّ من تأثير مخلفات الجماعات الإرهابية على المواطنين، وتعزيز معرفتهم بسبل الوقاية والحماية.
وتطرح انفجارات الألغام جدلاً في تونس حول مدى نجاح عمليات السلطات في نزع الألغام، فرغم أن القوات العسكرية أبطلت مفعول أكثر من مئة لغم، لا تزال أخرى عصية على الكشف ويصعب نزعها. ونفذ عدد من سكان منطقة المزيرعة في مديرية حاسي الفريد بمحافظة القصرين، احتجاجات بعد وفاة طفل هذا العام بانفجار جسم غريب، وطالبوا بنزع الألغام من الجبال القريبة من منطقتهم، وتوفير موارد رزق لهم بعد أن باتت تحركاتهم مقيّدة بسبب الألغام.
