لو قُدِّرت للسويدي ألفريد نوبل العودة من الموت لأصيب باكتئاب وحزن إضافيين على جائزته للسلام. الرجل، الذي مات على صفحات الجرائد، بعد أن نعته خطأ صحيفة فرنسية بدل أخيه لودفيغ في عام 1888 كـ"تاجر الموت الذي مات"، كتب وصيته لأجل ترك أثر آخر عنه مغاير لاختراعاته التفجيرية، تحديداً الديناميت، بتخصيص المال لخمس جوائز، وبينها "نوبل للسلام". بعيداً عن ملاحظات البعض حول الجائزة، فإن هرولة مطلوب للعدالة الدولية كرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نحو تقديم ترشيح الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الجائزة، لا تسخّف وتسيء فقط لمقاصد نوبل، بل للسلام بحد ذاته. ما يقوم به نتنياهو هو بمثابة بصق في وجه البشرية، إرضاء لغرور الأنا ونرجسيتها المتضخمة عند ساكن البيت الأبيض. وترامب، وفقاً لكتّاب أوروبيين، يعيش هياماً مع الإطراء الذي يسدى لشخصه. وبطفولية يردد رئيس "أعظم بلد" شكواه: "لن يمنحوني الجائزة مهما فعلت".
خطاب ترامب حول "أعظم" و"أكبر" و"أكثر"، ليس عن السلام، بل عن القدرات التدميرية لبلاده، مهدداً بـ"الجحيم"، طالباً "الرضوخ التام" لها ولمزاجية حروبه التجارية، حتى مع الحلفاء الغربيين. وتُبرز صحافة غربية سيكولوجية عقدة ترامب المتذمرة من حصول سلفه باراك أوباما على الجائزة في 2009، بل وبعظمة لسانه يكرر في خطاباته اسم أوباما وهيلاري كلينتون وجو بايدن وكامالا هاريس رغبة منه في الإشارة إلى أنه "أعظم" و"أفهم" منهم جميعاً. نعم، بمثل هذه العقلية صنع ترامب فوضى حول العالم، فلم يستطع فرض "السلام الفوري في أوكرانيا"، واندفع نحو حرب ضد إيران لإنقاذ نتنياهو كما اعترف بنفسه، ويصر على لعب دور راعي مشاريع جرائم الحرب وضد الإنسانية في قطاع غزة، بينها قتل مئات المدنيين المتوجهين إلى ما يسمى "نقاط مساعدات"، هذا عدا عن إرساله "أعظم الذخائر" لتدمر وتقتل شعب غزة. ومدحه تصهين سفيره المستوطن مايك هاكابي في تل أبيب، ووعوده باقتطاع أرض فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة لصالح الكيان، جميعها لا تنفصل عن تأييده التطهير العرقي للشعب الفلسطيني عموماً.
وعليه، من الصعب أن تنسى المنطقة العربية تهديده بـ"الجحيم"، ومنح مجرمي الحرب الغطاء لمواصلة الجرائم، الممتدة عبر الحدود العربية، مع كثير من هذيان "السلام بالقوة". أي بلطجة السلام، استقواء بالتدمير، وتحت يافطة "التطبيع". المشهد الصريح هو أننا أمام بلطجة الياقات البيضاء وربطات العنق، بحيث يسحب الدعم للصهيونية "أعظم دولة" إلى مستوى تهديدات مافيوزية بفرض سياسات بعينها حماية لمجرم حرب بوزن نتنياهو، الفاسد والملاحق أمام محاكم الاحتلال. وذلك أمر يجعل ألفريد نوبل يتقلب في قبره من مستوى انحدار مقاصده.
