رعى أمير منطقة المدينة المنورة الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز، حفل افتتاح أعمال الدورة الـ45 لندوة البركة للاقتصاد الإسلامي تحت شعار (المصرفية الإسلامية في خمسين عاماً.. إنجازات الماضي وآمال المستقبل) بمشاركة نُخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الاقتصاد والتمويل والاستثمار، وتستضيفها جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز، على مدى يومين في المدينة المنورة.
وخلال الحفل، ألقى المستشار في الديوان الملكي، عضو هيئة كبار العلماء الشيخ سعد بن ناصر الشثري، كلمة أوضح فيها أن الله -عز وجل- قد منَّ على الأمة الإسلامية والعالم أجمع بنعمة هذا الكيان العظيم، المملكة العربية السعودية، التي تُعد اليوم منارة للخير والنماء للعرب والمسلمين والإنسانية جمعاء، مشيراً إلى أن مِن مظاهر هذا الخير ما تحقق في مجال الصيرفة الإسلامية، إذ تبنّت المملكة هذا النهج منذ سنوات طويلة، حتى أصبحت رائدة عالمياً في هذا المجال.
وأشار إلى أن المملكة العربية السعودية تبنّت الصيرفة الإسلامية من خلال سنّ العديد من الأنظمة التي تنظم هذا المجال، ومن خلال الانتشار الواسع لعمليات الصيرفة في المملكة؛ إذ إن أكثر من 85% من العمليات المصرفية تقع ضمن نطاق الصيرفة الإسلامية، في نسبةٍ لا نظير لها على مستوى العالم، كما أن أغلب البنوك العاملة في المملكة قد تعهّدت بالالتزام الكامل بمبادئ الصيرفة الإسلامية في جميع تعاملاتها، وهو ما لا يتوفر بهذا الشمول في أي دولة أخرى.
وقدّم الشكر للقيادة على ما تقدمه من دعمٍ متواصل لهذا التوجّه المبارك، ولأمير منطقة المدينة المنورة، لما عُرف عنه من حبٍّ للعلم وحرصٍ على الخير.
بعد ذلك، ألقى رئيس مجلس أمناء منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي عبدالله بن صالح كامل، كلمة أكد فيها أن لقاء المنتدى لهذا العام يحمل طابعاً استثنائياً، اذ يتزامن مع مرور نصف قرن على انطلاق مسيرة المصرفية الإسلامية، التي بدأت على أيدي رجالٍ استثنائيين تحلّوا بالإخلاص والرؤية والبصيرة، فأسّسوا هذا الصرح الاقتصادي الفريد، وغرسوا مبادئه المستمدة من تعاليم القرآن الكريم وهدي نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وأوضح أن تلك الجهود أثمرت نموذجاً مصرفياً متميزاً انتشر في أرجاء العالم، محقّقاً أثراً اقتصادياً واجتماعياً كبيراً، مشيراً إلى أن المصرفية الإسلامية اليوم تُعدُّ من أبرز منجزات ذلك الجيل الرائد، الذي بدأ رحلته من الصفر بإيمان عميق، وطموح لا يعرف الحدود.
وأعلن عن إطلاق الدورة الأولى من (جائزة صالح كامل للاقتصاد الإسلامي)، تكريماً لرواد هذا القطاع، وتخليداً لذكراهم، ومواصلة لمسيرة العطاء والتأثير، مشيراً إلى أن الجائزة ستشكِّل إضافة نوعية ذات بُعدٍ عالمي، وتنطلق من المدينة المنورة، لتؤكد المبادئ التي تأسست عليها المصرفية الإسلامية وهي (الالتزام، ونفع الناس، والاستثمار الرشيد).
وختم كلمته بالتأكيد على أن هذا الاحتفال لا يعني التوقف عند الماضي، بل هو وقفة وفاء ومراجعة، وانطلاقة متجددة نحو مستقبل أكثر إشراقاً بقيادة أجيال شابة، مؤمنة، وطموحة.
عقب ذلك ألقى رئيس جامعة دار العلوم كراتشي في باكستان، رئيس المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI)، الشيخ محمد تقي العثماني، كلمة تحدث فيها عن دور المصرفية الإسلامية كحل حضاري يوازن بين الالتزام بمقاصد الشريعة ومتطلبات العصر، مشيراً إلى أن هذا النظام المالي لا يقتصر فقط على كونه بديلاً للأنظمة التقليدية، بل هو مشروع أخلاقي شامل يتسم بالعدالة والمساواة.
وأكد العثماني أن المصرفية الإسلامية تمثِّل أكثر من مجرد أداة مالية، مشيراً إلى إنها تجسيد حي لقيم الشريعة الإسلامية، التي تُشدد على العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، عادّاً ما تحقق من توسعٍ كبيرٍ للمصارف الإسلامية حول العالم إنجازاً مهماً، والتحدي الحقيقي يكمن في الحفاظ على جوهر النظام الأخلاقي، بما يضمن استدامته، ويُعزز تأثيره الإيجابي على المجتمعات، مشيداً بدور ندوة البركة في تعزيز الفكر الاقتصادي الإسلامي من خلال توجيه النقاشات العلمية والدينية حول كيفية تطوير الحلول المالية المستدامة.
إثر ذلك، شاهد الحضور عرضاً مرئياً بعنوان: (لمحات من المصرفية الإسلامية من النشأة إلى الواقع المُعاصر)، يوثّق أبرز المحطات التي مرّ بها هذا القطاع منذ بداياته الأولى، وتضمّن العرض تسليط الضوء على مكانة المصرفية الإسلامية اليوم، ضمن النظام المالي العالمي، من حيث النمو والتأثير.
بعدها أُعلن عن موضوعات الترشُّح لجائزة صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، التي أُطلقت في إطار التشجيع على التميّز البحثي والفكري في هذا المجال، وتهدف الجائزة إلى دعم الإنتاج العلمي المتخصص، وإبراز الطاقات الواعدة من المفكرين والباحثين في قضايا الاقتصاد والفقه المالي الإسلامي، بما يُسهم في تطوير المنظومة المعرفية وتعزيز الأثر العالمي للمصرفية الإسلامية.
وفي السياق ذاته رعى أمير منطقة المدينة المنورة، مراسم توقيع ثلاث مذكرات تفاهم ثنائية، الأولى بين مركز القطاع غير الربحي بإمارة المنطقة، ويمثِّله المشرف العام على المركز المهندس محمد عباس، ومؤسسة صالح كامل الإنسانية، ويمثِّلها المدير التنفيذي للمؤسسة همام زارع، وتهدف الاتفاقية إلى تطوير العمل الاجتماعي والتنموي في المنطقة، وبناء قدرات العاملين في القطاع غير الربحي.
وجاءت الاتفاقية الثانية لمؤشر الاستدامة وتوقيع مذكرة مشروع Islamic ESG، وقّعها المدير التنفيذي الشريك المؤسس لشركة SpectrEco فراز خان، والأمين العام لمنتدى البركة للاقتصاد الإسلامي يوسف حسن خلاوي، ويهدف مؤشر الاستدامة الإسلامي إلى الدمج بين الامتثال الشرعي ومعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية العالمية، لتقديم إطار استثماري أخلاقي متميّز.
وشملت الاتفاقية الثالثة توقيع مذكرة تعاون بين منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي والجامعة الأردنية، ومثّل المنتدى الأمين العام للمنتدى يوسف حسن خلاوي، ومثّل الجامعة الأردنية عميد كلية الشريعة الدكتور عبدالرحمن الكيلاني، وتهدف الاتفاقية إلى تطوير المحتوى العلمي وتعزيز التعاون في الجوانب الأكاديمية والتأهيلية في مجالات متعددة.
وفي ختام الحفل، كرّم أمير منطقة المدينة المنورة عدداً من الشخصيات الرائدة في قطاع المصرفية الإسلامية من العلماء والمفكرين والمؤسسين الرواد والتنفيذيين.