أعلن البنك المركزي التركي عن حزمة إجراءات نقدية شملت رفع متطلبات الاحتياطي الإلزامي على بعض الودائع، وتعديل شروط العوائد على الحسابات المصممة لحماية المودعين من تقلبات سعر الصرف، في خطوة جديدة تهدف إلى كبح تراجع الليرة التركية، ففي بيان صدر اليوم السبت، أوضح البنك المركزي أنه قرر رفع نسبة الاحتياطي الإلزامي المفروضة على حسابات الودائع المحمية بالعملة الأجنبية المعروفة بـ "KKM" من 33% إلى 40%، كما جرى خفض الحد الأدنى لسعر الفائدة التي تُمنح على هذه الحسابات إلى 40% من سعر الفائدة الأساسي، بعد أن كانت 50%، وفقاً لما نقلته وكالة "بلومبيرغ".
وتأتي هذه الإجراءات في أعقاب أداء سلبي حاد لليرة، التي صنفت أسوأَ عملة أداءً في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا خلال الأسبوع المنتهي في 20 يونيو/ حزيران. ويهدف القرار إلى تقليص الاعتماد على الودائع المحمية من تقلبات العملة الأجنبية، وتشجيع المواطنين والمستثمرين على العودة إلى الودائع التقليدية المقوّمة بالليرة التركية، ما يعزز الاستقرار النقدي ويخفف الضغوط على العملة الوطنية.
وبحسب "بلومبيرغ"، فقد قررت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي، في اجتماعها الأخير يوم الخميس، الإبقاء على سعر الفائدة الأساسي (سعر إعادة الشراء لأجل أسبوع) عند 46%. وأشارت اللجنة إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة في حال شهد التضخم والمخاطر الجيوسياسية تراجعًا ملحوظًا. ومن بين الإجراءات الجديدة أيضًا، أعلن البنك المركزي عن إلغاء الهدف الخاص بتحويل حسابات "KKM" إلى الليرة، مع الإبقاء على الهدف العام المتعلق بتجديد هذه الحسابات وتحويلها تدريجيًا إلى الودائع بالليرة، وفق "بلومبيرغ".
كما شملت الإجراءات التنظيمية المستحدثة السماح بفتح حسابات ودائع بالليرة التركية ذات معدل فائدة متغير، بشرط أن تتجاوز آجال استحقاقها شهرًا واحدًا، وتحديد نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع المرتبطة بمؤشرات التضخم (CPI وPPI) ومؤشر TLREF عند 10%، بغض النظر عن آجال الاستحقاق، وخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي المفروض على الودائع بالعملات الأجنبية، في ما يخص الحسابات المقوّمة بالليرة، من 4% إلى 2.5%. ويُنظر إلى هذه التحركات باعتبارها جزءًا من استراتيجية أوسع يتبعها البنك المركزي لإعادة التوازن إلى الأسواق المالية التركية، واستعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حدّ سواء.
هذا التحول في السياسة النقدية انعكس بوضوح على سلوك المستثمرين المحليين، حيث سجّلت حسابات "KKM" تراجعًا ملحوظًا، في مقابل ارتفاع ملحوظ في الاستثمارات الموجهة إلى صناديق السوق النقدية المقوّمة بالليرة، والتي تجاوزت 600 مليار ليرة تركية. ويعكس هذا التحول رغبة متزايدة لدى المواطنين في أدوات مالية أكثر مرونة ومرتبطة بشكل مباشر بأسعار الفائدة المرتفعة، بعيدًا عن أدوات الحماية من تراجع الليرة التي فقدت جزءًا من جاذبيتها في ظل الظروف الحالية.
وفي حين تلمّح السلطات النقدية في تركيا إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة مستقبلًا في حال تراجع التضخم والمخاطر الجيوسياسية، يرى مراقبون أن نجاح هذه الاستراتيجية يبقى مرهونًا بمدى الاستقرار السياسي وقدرة صانعي القرار على الحفاظ على استقلالية المؤسسات الاقتصادية. إذ إن أي ارتباك في القيادة النقدية، أو تراجع عن مسار التشديد الحالي، قد يهدد الثقة التي بدأت تتكون من جديد، ويعيد الليرة إلى دائرة الخطر.
