تُعرف محافظة إدلب بأراضيها الزراعية الخصبة منذ القدم ويمتهن قسم كبير من سكانها الزراعة ولأجل ذلك تسمى "الخضراء"، تأثرت الزراعة والمهن المتعلقة بها سلباً في المحافظة طوال سنوات الثورة السورية وتراجعت في السنوات الأخيرة نتيجة حملات النظام المخلوع على أراضي شاسعة أهمها أرياف مناطق معرة النعمان وخان شيخون وسراقب.
وبعد سقوط النظام عاد المزارعون واستردوا أراضيهم المنهوبة وزرعوها، ما يجدّد الآمال بعودة الإنتاج الزراعي إلى سابق عهده.
النظام المخلوع هجّر المزارعين
بدأ النظام السابق هجوماً في إبريل/ نيسان 2019 على منطقة شمال غربي سورية، أدى حينها إلى سيطرته تباعاً على مناطق شاسعة في محافظة إدلب المشهورة بالزراعة وتهجير سكانها وترك مشاريعهم الزراعية، لكن مع سقوط النظام استعاد المزارعون أراضيهم المهجورة والمتضررة أو المنهوبة وحرثوها وزرعوها.
طوال فترة النزوح تعرض مزارعو إدلب لخسائر فادحة بسبب فقدانهم أراضيهم الزراعية لسنوات وكذلك المعدات التي تركوها قبل مغادرتهم المفاجئة وتعرضها للنهب. واضطر المزارعون بفترة نزوحهم إلى استئجار أراض بكلفة عالية في شمال ووسط المحافظة في خضم منافسة شديدة لقلة الأراضي وكثرة المزارعين النازحين، ما دفع قسماً كبيراً منهم إلى اعتزال الزراعة أو الانتقال إلى مهن أخرى.
يقول المزارع من ريف معرة النعمان مرهف أبو بركات لـ"العربي الجديد": "لدي مشروع زراعي مساحته 150 دونماً ورثته عن أبي، ذات صباح استيقظنا على وقع هجوم للسيطرة على المدينة، وكنت والعائلة بمزرعتي في الريف، لم يكن معنا الكثير من الوقت للهروب والتوجه نحو شمال المحافظة، أنا متعلق بأرضي والعمل بها، كما أنني لا أجيد مهنة أخرى، بعد نزوحي أقمت في قرية زردنا باحثاً عن مزرعة لاستئجارها وهو ما لم يحصل، فقد ارتفع إيجارها لكثرة الطلب، حتى أن الأراضي بعدها صارت تؤجر عن طريق المزاد".
وأضاف: "حينها اضطررت بغصة إلى العمل على جراري في حراثة أراضي الآخرين، أحمد الله على سقوط النظام وعودتي منذ شهر إلى أرضي الزراعية التي أملكها، ورغم مشاهدتي الخراب والنهب فيها لكن لا بأس فقد بدأت بالإصلاح وسأزرعها هذه السنة".
تخريب الأراضي في إدلب
في فترة سيطرة النظام المخلوع على الأرياف الزراعية استثمر محسوبون عليه ولا علاقة لهم بالزراعة جزءاً من الأراضي بدون مراعاة للقواعد والأعراف الزراعية الخاصة بالمنطقة، ما تسبب بأضرار مؤقتة في تربة بعض الأراضي، منها الاستخدام الخاطئ للأسمدة أو عدم استخدامها، وعدم اتباع التراتبية لأنواع المحاصيل في كل سنة وشح السقاية.
تسببت إدارة القسم المزروع من الأراضي المنهوبة الأشبه بسياسة الإقطاع بتغيير ملامحها، حيث كانت تتم زراعتها بدون العودة لأي حدود أو مخططات، وهو ما يجعل من إعادة رسم حدودها إجراءً مُربكاً للمزارعين العائدين عدا عن سرقة المعدات الزراعية وأنظمة الطاقة الشمسية وملحقات الآبار.
يقول المزارع من ريف سراقب محسن عبد الإله لـ"العربي الجديد": "بعد تهجيرنا من مناطقنا بدأنا محاولات معرفة مصير أراضينا الزراعية، خاصة أنني اضطررت لترك معظم معدات وآليات مشروعي الزراعي، بعد فترة استطعنا التوصل لمعلومات بخصوص ممتلكاتنا الزراعية عبر أقرباء لنا أقاموا في مناطق سيطرة النظام المخلوع أو عبر منشورات استفزازية تعمد النظام نشرها وإرسالها".
ويضيف: "أكثر ما أثر بي حينها هو تركي محصول بطاطا كاملاً كان قد أوشك على الحصاد والذي كلفني عشرين ألف دولار، خسرتها جميعاً عند هيمنة النظام على مزرعتي وكذلك نهبها وأخيراً العبث بحدودها وردم البئر، الآن وبعد سقوط النظام استعدنا الأراضي وأصلحناها بسرعة تداركاً لوقت البذار لكننا ما زلنا نكمل عمليات ترسيم الحدود الزراعية".
توقعات بزيادة الإنتاج
أدت عودة المزارعين ومواكبة زراعة الأراضي بعد سقوط النظام إلى زيادة الإنتاج الزراعي للمحافظة بما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي على المستوى المحلي وباقي المحافظات لكون إدلب تعتبر منطقة زراعية خصبة.
يمكن معرفة مستوى الإنتاج الزراعي عبر "أسواق الهال"، وهو اسم لمراكز تجارية لجَمع المنتجات الزراعية وبيعها بالجملة والمفرق أو تصديرها. يقول الدلّال (تاجر وسيط) في سوق هال مدينة إدلب فيصل حامد الشيخ لـ"العربي الجديد": "تراجع السوق الزراعي في فترة سيطرة النظام المخلوع، لكن منذ سقوطه وعودة المزارعين بدأنا نحن التجار بتوسعة محالّنا ومراكزنا استعداداً لاستقبال منتجات الخُضار التي عاود المزارعون زراعتها، فهي محاصيل قصيرة الأمد وسيبدأ وصولها إلى الأسواق بعد شهرين من الآن وقد قمت بإجراء عدة اتفاقات وعقود مع مزارعين من سراقب والطلحية، ومرديخ، وكذلك بقية التجار الذين أعرفهم".
ويتابع: "اضطررنا في الفترة الماضية إلى استيراد بعض الأصناف من تركيا، وهي سابقة بتاريخ المحافظة الزراعية التي كانت على مر تاريخها تُصدّر مختلف أنواع المحاصيل والخضروات". يترافق مع عودة النشاط الزراعي انتعاش في مهن ومجالات أخرى مرتبطة بها، مثل الصيدليات الزراعية والأسمدة والمبيدات.
وفي هذا الإطار، يقول رامي مسّاك، وهو سائق آلية لرش المبيدات، لـ"العربي الجديد": "قبل قيام الثورة في فترة العمل كنا نصل الليل بالنهار لتلبية الطلبات، لكن عندما سيطر النظام على مناطق زراعية في المحافظة انخفض عملي حتى توقف تماماً قبل سنتين، الآن وبعد سقوط النظام جهّزت جرّاري مجدداً وعاد زبائني للتواصل معي بكثافة، ومنذ نصف شهر لم أتوقف عن العمل، خاصة في الأراضي المهملة أو المُساءة الاستعمال نتيجة السيطرة السابقة للنظام المخلوع فهي تحتاج أضعاف كميات المبيدات لتستمر بالعمل بشكل ممتاز".
تؤثر معاودة الزراعة إيجاباً على زيادة فرص العمل. ويقول ظُهري العزّاز، وهو مسؤول فريق عُمالي في مجال الزراعة، لـ"العربي الجديد": "تدنت الأجور كثيراً في السنوات الماضية وقت سيطرة النظام المخلوع وتوقفت الكثير من الورش، ومنذ سقوط النظام عادت كل الورش إلى العمل وتشكلت ورش جديدة، كما تضاعفت الأجور نتيجة انفتاح المجال الزراعي وحاجته للعمال".
يمتد التأثير الإيجابي لمواكبة الزراعة وعودة المزارعين إلى مناح شتى في سوق المحافظة كاللحوم والمواشي والدواجن والأعلاف ومنشآت تصنيف الحبوب وتجفيفها وتغليفها.
