إغلاق "أونروا" في القدس... عشرات الآلاف دون طبابة وتعليم

منذ ٢ شهور ٤٤

تنتهي اليوم الخميس، المهلة التي حددتها دولة الاحتلال الإسرائيلي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، قبل دخول قرار حظر الوكالة الأممية حيّز التنفيذ في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما يشمل القدس، ما يعني حرمان عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين من خدمات بينها التعليم والرعاية الصحية، لا سيما مع إغلاق مقار "أونروا" في القدس المحتلة.

في سياق حملة شنتها على الوكالة منذ العام الماضي، بعد ادعائها الذي لم تثبت صحته بأن موظفين في "أونروا" شاركوا في عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 (خلص تقرير المراجعة المستقلة لأونروا، في إبريل/ نيسان الماضي، برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا وبتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إلى أن الوكالة تتبع نهجاً حيادياً)، اعتمدت تل أبيب، قانوناً صادق عليه الكنيست (البرلمان)، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ينهي الوجود القانوني لـ"أونروا" في إسرائيل، على أن يدخل حيّز التنفيذ في 30 يناير/ كانون الثاني الحالي. وبموجب القانون يتم إيقاف جميع أنشطة الوكالة الأممية ضمن ما يسمى بحدود الإقليم السيادي لإسرائيل، وحظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفيها، وإنهاء كل اتصالات التعاون والتواصل مع الوكالة أو أي جهة تنوب عنها. فيما أمهلت حكومة الاحتلال، أول من أمس الثلاثاء، 48 ساعة لإخلاء منشآت "أونروا" في القدس المحتلة، وإنهاء نشاطها.

في بيان لها، يوم الأحد الماضي، بشأن عملها في القدس المحتلة، ذكرت "أونروا"، أنها تعمل في جميع أنحاء القدس الشرقية المحتلة منذ خمسينيات القرن الماضي، وتوفر الرعاية الصحية الأولية لـما مجموعه 70 ألف مريض إلى جانب 1150 تلميذا وتلميذة، في مدارس وعيادات "أونروا". وأضافت أن المقر الرئيسي لـ"أونروا" في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، حيث توجد الوكالة منذ أكثر من 70 عاماً، هو مركز عمليات الوكالة في الضفة الغربية المحتلة التي تشمل القدس الشرقية، وأن مجمع قلنديا هو مركز تدريب مهني لما مجموعه 350 طالبا وطالبة (تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة)، ويقع على أرض أتاحتها الحكومة الأردنية لـ"أونروا".  ولفتت إلى أنه "على مر السنين، كانت هناك محاولات متكررة لإجبار أونروا على إخلاء المبنى في الشيخ جراح، بما في ذلك من خلال هجمات الحرق المتعمد والاحتجاجات من قبل المتطرفين ورسائل الإخلاء. وقد تعرض موظفو أونروا للعنف والاعتقالات"، مشيرة إلى أن الوكالة "احتجت مراراً وتكراراً على هذه المحاولات لدى وزارة الخارجية الإسرائيلية".

من جهته قال المستشار الإعلامي لوكالة أونروا عدنان أبو حسنة، في تصريحات صحافية السبت الماضي، إن إغلاق المقر الرئيسي للوكالة في حي الشيخ جراح ستكون له انعكاسات كبيرة على الخدمات والوضع الإنساني. وأضاف أن قرار وقف أنشطة "أونروا" في القدس المحتلة "وإخلاء كل المباني التي تشغلها بحلول نهاية الشهر الحالي، تكملة لمجموعة من القرارات التي اتخذتها إسرائيل من منع إعطاء تأشيرات للموظفين الدوليين ومنعهم من زيارة الضفة الغربية المحتلة والقدس".

خطر يواجه الصحة والتعليم 

تركز الحملة الإسرائيلية في إطار الحظر، على عمل مؤسسات "أونروا" في القدس المحتلة، حيث توجد مراكز صحية وتعليمية من بينها سبع مدارس، ومعهد جامعي، ستتوقف جميع أنشطتها، التي يستفيد من خدماتها أكثر من 110 آلاف لاجئ فلسطيني يتركز وجودهم في مخيم شعفاط، إلى الشمال من مدينة القدس، وفي البلدة القديمة ومحيطها. ويقول عاملون في عيادة الوكالة الرئيسية بالبلدة القديمة والمعروفة بزاوية الهنود عند مدخل باب الساهرة، إن القرار الإسرائيلي سيمس بالخدمات الصحية المقدمة للاجئين في القدس، التي يستفيد من خدماتها الطبية والدوائية أكثر من 30 ألف لاجئ. وتتحدث إحدى الممرضات في العيادة عن أنها هي وزملاءها من الطاقم الطبي والتمريضي والعاملين الآخرين، وعددهم 17 موظفاً، أُبلغوا أخيراً، شفهياً من قبل "أونروا" بالقرار الإسرائيلي، وأن عليهم الاستعداد للتوقف عن العمل مع انتهاء المهلة التي تدخل حيز التنفيذ اليوم الخميس. وحول مصير هذا الطاقم الطبي والتمريضي تقول الممرضة، التي امتنعت عن ذكر اسمها، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنها توقعت "أن يتم توزيعهم على مؤسسات الوكالة الدولية في الضفة الغربية، سواء في رام الله أو بلدة العيزرية (شرق مدينة القدس)".

أما في قطاع التعليم، فسيكون للقرار الإسرائيلي بإغلاق مقار "أونروا" في القدس المحتلة، انعكاسات خطيرة على مستقبل آلاف التلاميذ في مدارس "أونروا" بمخيم شعفاط وبلدة سلوان، وكذلك في معهد التدريب المهني في قلنديا، حال إغلاق تلك المراكز التعليمية، وانتقالهم الى مدارس ومؤسسات تعليمية تابعة لبلدية الاحتلال. سيضاعف ذلك بالتالي من هيمنة السلطات الإسرائيلية على مدارس القدس، خصوصاً تلك التي تديرها البلدية والتي يزيد عدد تلامذتها عن 65 ألف تلميذ من أصل نحو 110 آلاف يتلقون تعليمهم في مدارس الوكالة وأخرى تابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ومدارس أهلية وخاصة يدير بعضها أديرة وكنائس.

عادل محيسن: في مخيم شعفاط سينتهي مئات التلاميذ في مدرستين لـ"أونروا" إلى مصير مجهول

قرار سياسي لإغلاق مقار "أونروا" في القدس

يرفض اللاجئون، خصوصاً في مخيم شعفاط الذي يقطنه نحو 70 ألف لاجئ، قرار الحكومة الإسرائيلية ويعتبرونه قراراً سياسياً بامتياز، كما يقول عادل محيسن، من اللجنة الشعبية للدفاع عن مخيم شعفاط. ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن انعكاسات خطيرة للقرار ستترتب على مخيم شعفاط "على الصعد التعليمية والصحية والخدمات العامة من نظافة وغيرها، بينما سينتهي مئات التلاميذ في مدرستين لـ"أونروا" إلى مصير مجهول، بعد أن يتعذر قبولهم في مدارس بلدية الاحتلال أو المدارس الخاصة". ويحذر محيسن من أن "الخطورة الكبرى تتمثل في محاولة الاحتلال إلغاء الصفة الرمزية للمخيم واللاجئين فيه باعتبار أن قضيتهم هي قضية حقوق سياسية وإنسانية بالدرجة الأولى، وأن حلها الوحيد هو عودة اللاجئين في المخيم إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هُجروا ونزحوا منها في العامين 1948 و1967".

زياد الحموري: الحملة الإسرائيلية الشرسة على أونروا بدأت منذ أكثر من عقدين، لكنها تصاعدت بعد السابع من أكتوبر 2023

حقبة من التحريض الإسرائيلي

يشير زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحملة الإسرائيلية الشرسة على أونروا بدأت منذ أكثر من عقدين، لكنها تصاعدت بعد السابع من أكتوبر 2023، بادعاء مشاركة موظفين بالوكالة الأممية في عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية على غلاف قطاع غزة، وادعاء الاحتلال أنّ المقاومة تستخدم منشآت الوكالة لأغراضٍ عسكرية". ويرى أن "القرار الاسرائيلي الأخير يتعارض مع التزامات القانون الدولي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك إسرائيل، التي تلتزم بالاتفاقية العامة لامتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها التي تتمتع بها أونروا بموجب ميثاق الأمم المتحدة". وبالتالي فإسرائيل ملزمة، وفق الحموري، "باحترام امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها، بما في ذلك احترام مباني الأمم المتحدة"، فيما "تتمتع ممتلكات أونروا وأصولها، بما في ذلك في القدس الشرقية، بالحصانة من التفتيش والاستيلاء والمصادرة ونزع الملكية وأي شكل آخر من أشكال التدخل".

أما القيادي في حركة فتح، حاتم عبد القادر، فيرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف الإسرائيلي من وراء الحملة ضد الوكالة، بما في ذلك إخلاء مباني "أونروا" في القدس ومقرها في حي الشيخ جراح "هو سياسي بامتياز تطمح حكومة الاحتلال من ورائه إلى توسيع مستوطناتها غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة". ويقول عبد القادر: "نحن نرفض هذا التوجه وندعو مؤسسات الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة إلى تحمل مسؤولياتها حيال هذه الخطوة الأخيرة الخطيرة والمتمادية في تعديها على حقوق اللاجئين في العودة".

تحريض اليمين الإسرائيلي

يُعتبر أرييه كينغ، نائب رئيس بلدية الاحتلال أحد أبرز المحرضين على وكالة أونروا وموظفيها ومقرها بالقدس. وبمجرد المصادقة النهائية على قانون حظرها دعا متابعيه عبر صفحته على منصة فيسبوك إلى تجمع احتفالي أمام مقر الوكالة بحي الشيخ جراح. وكتب: "دون الكثير من الكلام والبيانات، ما عليك سوى التقاط كأس من النبيذ وقل شكراً لجميع من ساعدوا". ووصف كينغ في وقت سابق المقر بـ"قنبلة موقوتة في القدس"، كما دعا مراراً لتنظيم التظاهرات أمامه، والتي تخللها اعتداءات وإشعال حرائق، وإطلاق هتافات ورفع لافتات تحريضية.

‎أما رئيس بلدية الاحتلال السابق نير بركات، فأعلن خلال ولايته (2008-2018) أيضاً عن خطة لتصفية مؤسسات "أونروا" بالقدس، إذ قال حينها إن البلدية تعتزم بناء مدارس تابعة لها لاستيعاب الطلبة الذين يتلقون تعليمهم في مدارس الوكالة بمخيم شعفاط، بادعاء أنه المخيم الوحيد في الضفة الغربية الذي يقع ضمن نفوذ البلدية. وكانت إذاعة الجيش الإسرائيلي قد قالت إن هناك أمراً بمصادرة الأراضي المقام عليها مقر الوكالة وتخصيصها لبناء وحدات استيطانية، بينما أوردت صحيفة إسرائيل اليوم، في أكتوبر الماضي، أنه ستتم مصادرة منطقة مقر أونروا بالقدس لبناء 1440 وحدة سكنية، وأن المشروع في مراحل الإعداد.

قراءة المقال بالكامل