"إمرتة" الاقتصاد المصري تجري على قدمٍ وساق

منذ ٥ ساعات ١٥

في أعقاب إعلان صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة المصرية، التي جرى التعاقد فيها مع صندوق أبوظبي السيادي الإماراتي ADQ وساهمت في إنقاذ الاقتصاد المصري وقتها، نشرت مجلة "ذي إيكونوميست" تقريراً كان عنوانه "صندوق الثروة السيادي الإماراتي يسعى لتعزيز النفوذ الخارجي". وقالت المجلة العريقة في تقريرها إن صناديق الثروة السيادية نادراً ما تشغل نفسها بالسياسة الخارجية، لكونها تسعى لتحقيق عوائد مستقرة أو لتنويع أصولها، إلا أنها اعتبرت أن صندوق أبوظبي السيادي، وهو أحد صناديق الثروة السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة، يسلك مساراً مغايراً.

قالت المجلة إن الصندوق يمتلك أصولاً تحت الإدارة بقيمة 199 مليار دولار (وقتها)، أي ما يعادل نحو خُمسي الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، وإنه قرر اتباع نهج جديد. فعلى الرغم من أن أكثر من 80% من رأسماله مستثمر في البنية التحتية المحلية وشركات ذات صلة مثل "الاتحاد للطيران" و"موانئ أبوظبي"، إلا أن ذلك يعكس إنفاق السنوات التي أعقبت تأسيس الصندوق في عام 2018. وأكدت المجلة البريطانية أن الطموح الجديد للصندوق، توسيع نفوذ الإمارات في الخارج، وهو هدف رأت أن الصندوق سيكون مستعداً لإنفاق مبالغ كبيرة لتحقيقه.

أوضحت "ذي إيكونوميست" أن استثمارات "الاتحاد للطيران" و"موانئ أبوظبي"، في مشاريع مثل مشغل شحن وميناء في الكونغو، جعلت الصندوق الإماراتي واحداً من أكثر صناديق الثروة نشاطاً في أفريقيا. وفي 2023، وقع الصندوق صفقات بقيمة 11.5 مليار دولار مع تركيا، شملت تمويل الصادرات وإعادة الإعمار بعد الزلزال؛ وانخرط في مباحثات بشأن تمويل سكة حديدية تمر عبر مضيق البوسفور، سعياً لخلق مسار تجاري يربط آسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

الاقتصاد المصري في دائرة اهتمام الإماراتيين

وقالت المجلة إن الصفقة الأضخم للصندوق وُقعت في فبراير/شباط من العام الماضي، حينما قدم الصندوق 24 مليار دولار من أصل حزمة إنقاذ بقيمة 35 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد المصري وتفادي التخلف عن سداد الالتزامات. لكن الأمر لم يتوقف عند توفير التمويل لإنقاذ الاقتصاد المصري فقط، إذ إن أموال الصندوق اشترت شريطاً من الساحل الشمالي لمصر على البحر المتوسط، لتحوّله إلى وجهة سياحية ومركز مالي ومنطقة تجارة حرة.

ورغم وجود خمسة بنوك إماراتية كبيرة في السوق المصرية، هي بنوك أبوظبي الأول، والمشرق، وأبوظبي الإسلامي، وأبوظبي التجاري، والإمارات دبي الوطني، لا تبدو الإمارات قانعة بما لديها، وما زالت تطمح إلى زيادة حصتها، التي لا تمتلكها أي دولة أخرى، في السوق المصرفية المصرية.

وفور إعلان البنك المركزي المصري تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 15% تقريباً في مارس 2022، أُعلن بيع الحكومة المصرية حصتها في العديد من الشركات المصرية لصندوق أبوظبي السيادي، في صفقة تقدَّر قيمتها بما يقارب مليارَي دولار، وكان أهم جزء في الصفقة، بيع حصة الحكومة المصرية في البنك التجاري الدولي، أكبر بنك خاص في مصر، وكانت تمثل نحو 18%، للصندوق الإماراتي، وبإجمالي قيمة تقدَّر بحوالى مليار دولار. ويستحوذ البنك التجاري الدولي وحده حالياً على أكثر من ربع قيمة مؤشر EGX30 للبورصة المصرية.

وقبل عدة أيام، تداولت وسائل إعلام مصرية خبراً كان مفاده أن بنك الإمارات دبي الوطني يجري حالياً فحصاً نافياً للجهالة لبنك القاهرة، بعد أن حصل على موافقة من البنك المركزي المصري تمهيداً للاستحواذ عليه.

وفي صفقة مارس 2022، اشترى صندوق أبوظبي حصة في أربع شركات مصرية مقيدة في البورصة، منها فوري (4.67% من قيمة مؤشر EGX30) وشركة أبوقير للأسمدة (3.87% من EGX30) وشركة موبكو (2.65% من EGX30) وشركة الإسكندرية للحاويات (1.80% من EGX30). ويضاف ذلك إلى الأراضي والعقارات والمستشفيات والمعامل وشركات الأدوية والتطوير العقاري التي زفت إلينا وسائل الإعلام أخبار استحواذ الشركات الإماراتية عليها، على مدار الأعوام الثلاثة الأخيرة. وتمتلك الإمارات أيضاً واحدة من أربع شركات تقدم خدمات الهاتف المحمول (صوت وبيانات) في مصر.

ويعكس النشاط المحموم للتغلغل في الاقتصاد المصري والاستحواذ على الأصول المصرية المهمة قناعة الإمارات بامتلاكها فرصة لتعزيز نفوذها في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان. وتقول "ذي إيكونوميست" إنه "في الوقت الذي تنكفئ فيه السعودية نحو الداخل لتنفيذ أجندة "رؤية 2030" الهادفة إلى تقليل الاعتماد على النفط، تراجعت حصة المملكة من عمليات الإنقاذ في الشرق الأوسط إلى 39% في العقد المنتهي في 2022، انخفاضاً من 65% خلال العقود الأربعة السابقة. وها هي الإمارات تسارع للإنفاق، حرصاً على الفوز في سباق بسط النفوذ في مصر".

ويقول المحللون إن استثمارات الصندوق الإماراتي عادة ما تكون مغرية بشكل خاص للدول المستقبِلة لأنها تشبه إلى حد كبير استثمارات شركات الأسهم الخاصة، حيث يقوم كبار المستثمرين بشراء أصول غير سائلة، محاولين خلق قيمة مضافة من خلال التركيز على تحسين العمليات. وفي استثمارات السنوات الأخيرة، سعى الصندوق الإماراتي لتوسيع الموانئ والإمبراطوريات العقارية بدلاً من الاكتفاء بالاحتفاظ السلبي بالأصول.

وبسبب سياسة الإمارات في الاستثمار، جرت العادة أن تكون هناك اتفاقية تجارية يُوقَّع عليها بين المستثمرين الإماراتيين والبلد المستقبل للأموال، مثل الاتفاقية التي وُقعت مع كينيا في 24 إبريل/نيسان الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن الصندوق له مشاريع مشتركة مع دول مثل أذربيجان والأردن وعُمان، وجميعها وقعت مثل هذه الاتفاقيات. كذلك يستثمر الصندوق أيضاً إلى جانب حكومتي مصر وتركيا، وشركاتهما. ولا يخفى على أحد أن مثل هذه الاتفاقيات تزيد من نفوذ دولة الإمارات في البلد المستقبل للاستثمارات، كذلك فإنها ترهن، في كثير من الأحيان، القرارات السيادية بالمصالح الإماراتية ومصالح حلفائها الحقيقيين، الذين ظهروا إلى العلن أخيراً.

أكتب هذا بينما تستعد مصر لتسليم بنك القاهرة، أو نسبة غير قليلة منه، للإماراتيين، في أحدث حلقات "إمرتة" الاقتصاد المصري. فهل يدرك المسؤولون المصريون حجم المخاطر التي يتحملونها، أم أن الأمر لا يعنيهم؟!

قراءة المقال بالكامل