أفضت المفاوضات الماراثونية في ألمانيا بين الاتحاد المسيحي والاشتراكي من جهة، والخضر من جهة أخرى، نهاية الأسبوع الماضي، إلى انتزاع موافقة حزب الخضر في البوندستاغ الحالي، وقبل بدء دورة البرلمان الاتحادي المنتخب حديثًا للتصويت على حزمة الأصول الخاصة ولتعديل قواعد كبح الديون التي تُقيِّد بشدة قدرة الحكومة على الاقتراض، وهي حزمة يحتاجها التحالف الحكومي المستقبلي الذي سيضم الاتحاد المسيحي والاشتراكي، لخدمة مستقبل ألمانيا.
وتُعدّ هذه الخطوة حاسمة للتحالف الحكومي المستقبلي الذي سيضم الاتحاد المسيحي والاشتراكي بهدف ضمان ثلثي أصوات البوندستاغ على حزمتين من الديون الضخمة بقيمة إجمالية تبلغ تريليون يورو على الأقل، تخصص للدفاع والبنية الأساسية، بما يشمل البنية التحتية والمدارس والمستشفيات والطرقات والجسور وغيرها.
ومع قبول الخضر التصويت لصالح حزمة الإنفاق على الاستثمارات في مجالات الدفاع والبنية التحتية، أصبح الطريق مفتوحًا أمام الحكومة للتمويل، حيث سيُعفى الإنفاق الدفاعي الذي يتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي من نظام كبح الديون الذي يحدد حاليًا العجز الهيكلي عند حد أقصى قدره 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي. كما ستُتاح للولايات الألمانية الفرصة لتخفيف قواعد الاقتراض، ما يسمح لها بالاستفادة بما يعادل 16 مليار يورو سنويًا.
وكان الأهم بالنسبة لحزب الخضر انتزاع التزامات بقيمة 100 مليار يورو لحماية المناخ وإعادة هيكلة الاقتصاد بطريقة صديقة للبيئة، من أصل صندوق خاص بقيمة 500 مليار يورو للاستثمارات الإضافية في البنية التحتية. ومن المقرر استخدام هذه الأموال بمجرد أن يتجاوز الإنفاق الاستثماري 10% من الميزانية الفيدرالية.
واستطاع الخضر أيضًا توسيع تعريف الإنفاق الدفاعي ليشمل الأموال المخصصة للحماية المدنية والسكانية وخدمات الاستخبارات والأمن السيبراني، بالإضافة إلى دعم الدول التي تتعرض لهجمات تنتهك القانون الدولي، مثل أوكرانيا، وهو ما سيترجم بتقديم مساعدات إضافية بقيمة ثلاثة مليارات يورو لكييف.
وقالت الشريكة في المفاوضات باسم الخضر كاترينا دروغي، في حديث للقناة الثانية الألمانية نهاية الأسبوع الماضي، إن حزبها نجح في ضمان توجيه الأموال في الاتجاه الصحيح، مشيرة إلى أن الاستثمارات ستكون متوافقة مع الحياد المناخي بحلول العام 2045. واعتبرت دروغي أن هذا يشكل نجاحًا حقيقيًا لحزبها، خاصة أن الخطة مصممة لتستمر مدة 12 عامًا، وهو ما سيحدث فرقًا حقيقيًا، على حد تعبيرها. وأضافت أن حزب الخضر سيحاول أن يكون جزءًا من الحكومات الفيدرالية المقبلة، ولا يزعجهم أن تكون الأموال في أيدي الائتلاف الأسود والأحمر اللذين سيكونان شريكين في الحكومة الفيدرالية المستقبلية، رغم أن من يقرر كيفية استخدام الأموال هم من يتولون السلطة.
ومن المرتقب أن يُصوَّت على الحزمة المالية من البرلمان الحالي في جلسته الأخيرة المقررة يوم غد الثلاثاء، إذ يحتاج الاتحاد المسيحي والاشتراكي إلى أغلبية الثلثين لتمرير التعديلات الدستورية اللازمة. وسيُحال الملف لاحقًا إلى مجلس الولايات (البوندسرات) للمصادقة عليه بنفس الأغلبية. الجدير بالذكر أن الائتلاف الحكومي المستقبلي، وبحكم افتقاره إلى ثلثي أصوات البرلمان الاتحادي، ضغط خلال الأيام الماضية واسترضى الخضر لتمرير الحزمة المالية.
وفي هذا السياق، أكد المستشار المستقبلي فريدريش ميرز، في مقابلة مع صحيفة "بيلد" أمس الأحد، أنه لن يكون من حزب الخضر، لكنه سيكون مستشارًا يلتزم بالمسؤولية البيئية. وأعرب عن سعادته بنجاحه، بعد مفاوضات شاقة، في ضمان استخدام مليارات الديون لتمويل استثمارات مستقبلية إضافية، مشيرًا إلى أن الجميع يدركون مسؤوليتهم تجاه البلاد.
وفي المقابل، اعتبرت الباحثة في المجال الضريبي والاقتصادي كارولا كوين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التوافق على الحزمة المالية الضخمة، مع تخفيف كبير لكبح جماح الديون لأغراض الدفاع والاستثمار، سيجعل ميرز قادرًا على العمل بتوجهات واضحة وأريحية أكبر تسمح له بتحقيق إصلاحات وخلق آفاق اقتصادية مشرقة لألمانيا التي تعيش حاليًا في حالة من الركود الاقتصادي. كما توقعت كوين أن تعزز هذه الخطوة حضور برلين أوروبيًا، في ظل ما تعانيه القارة من أزمات جيوسياسية. وأضافت أن ما حققه الخضر من تمرير سلسلة من التغييرات، باعتماد صندوق المناخ والتحول، سيسمح لوزير الاقتصاد والطاقة المستقبلي باتخاذ خطوات عملية لاستنهاض القطاعات الصناعية وتحريك عجلة الإنتاج والتصدير.
وفي المقابل، برزت انتقادات من أطراف معارضة، إذ اعتبر حزب اليسار أن ما حصل غيّب التوازن الاجتماعي ويخدم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي. ووصف تحالف سارة فاغنكنشت الحزمة المالية بأنها "إعادة تسليح هائلة وإعداد للحرب"، مشيرًا إلى أن مئات المليارات ستُستخدم لسداد فوائد الدين فقط، محذرًا من أن التخفيضات المقبلة على معاشات التقاعد والصحة والتعليم ليست سوى مسألة وقت.
أما رئيس معهد إيفو كليمنس فوست، فقد صرّح لصحيفة "دي فيلت" بأن الاتفاق لم يُلغِ خطر إساءة استخدام أموال القروض، لكنه ساهم في تقليص المخاطر. من جهتها، رأت فيرونيكا غريم، من المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين، أن الشركاء المحتملين في الائتلاف الحكومي المقبل يتعرضون لضغوط كبيرة لتبني إصلاحات هيكلية تعزز النمو الاقتصادي.
