احتفالٌ بحكاية فلسطينية وبعض الحكاية سينمائيٌّ

منذ ٤ ساعات ١٦

 

هل يُمكن اعتبار فوز Coexistence, My Ass (إنتاج 2025)، للكندية أمبر فارس، بجائزة "الإسكندر الذهبي"، في المسابقة الدولية للدورة الـ27 (6 ـ 16 مارس/2025) لـ"مهرجان سالونيك الدولي للأفلام الوثائقية"، فوزاً "فلسطينياً" جديداً، بعد أيامٍ من نيل "لا أرض أخرى" (2024)، للفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، "أوسكار" أفضل وثائقي طويل (2 مارس/آذار 2025)؟

رغم أنّ الكندية فارس تروي، في 95 دقيقة، مقتطفات من سيرة الفُكاهيّة الإسرائيلية نوعَم شوستر إلياسي (العربي الجديد، 10 مارس/آذار 2025)، يكشف وثائقيّها هذا واقعاً فلسطينياً بعينيّ شابّة (1987) تناضل، منذ سنين، من أجل حقّ فلسطيني بالوجود في أرضه وتاريخه وثقافته وحياته وبلده. ومع إسرائيليَّين اثنين، هما أبراهام وراحِل تسور، يعملان في إنجازه مع عدرا والفلسطيني حمدان بلال، يُوثِّق "لا أرض أخرى" (95 دقيقة أيضاً) ملامح إبادة إسرائيلية لفلسطينيين وفلسطينيات (مسافر يطا)، قبل زمنٍ على حرب الإبادة الأخيرة في غزة.

الوجود الإسرائيلي في الفيلمين غير مانعٍ إظهار جُرمٍ إسرائيلي مزمن، يُشارك إسرائيلي وإسرائيلية في إظهاره، من دون فذلكة خطابية وانفعالاتٍ متصنّعة، بل بواقعية وشفافية ومصداقية، إذْ إنّ يوفال أبراهام ونوعَم شوستر إلياسي "يتورّطان" بالمسألة الفلسطينية بقناعة واضحة، ويريدان تبيان معالم ذاك الجُرم من دون "جَلَد الذات" أيضاً، وهذا بدوره مهمّ. فالحكايتان فلسطينيتان، مع أنّ أمبر فارس منشغلة بتوثيق سيرة شابّة إسرائيلية، تنشأ في "واحة السلام" (قرية مؤسَّسة عام 1969، يُقيم فيها إسرائيليون وفلسطينيون)، منذ انتقال والديها إليها بعد اتفاقات أوسلو (1993). كما أنّ "لا أرض أخرى" (العربي الجديد، 15 يوليو/تموز 2024) غير مُبتعدٍ عن بعض سيرة أبراهام، الذي يُغادر الجيش بعد معاينته الحسّية أهوالاً يرتكبها ذاك الجيش، ويبدأ نضاله اليومي بكتابة وتحقيق ريبورتاجات مختلفة عن معاناة فلسطينيين وفلسطينيات، تُسبّبها سياسة الفصل العنصري التي تمارسها إسرائيل، ووحشية المؤسّسات العسكرية والأمنية، وعنف المستوطنين.

الحاصل في أيامٍ قليلة امتدادٌ لبعض الحاصل قبله. فـ"لا أرض أخرى" فائزٌ بجائزتي الجمهور وأفضل وثائقي في "بانوراما" الدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، مُثيراً بذلك ضجّة كبيرة، تُترجَم إلى حملات ضد إدارة الـ"برليناله"، وأبراهام نفسه يُهدَّد في إسرائيل. و"تعايش" فارس ـ شوستر إلياسي ينال جائزة لجنة التحكيم الخاصة بحرية التعبير، في عرضه الدولي الأول في الدورة الـ41 (22 يناير/كانون الثاني ـ 2 فبراير/شباط 2025) لـ"مهرجان ساندانس السينمائي".

نيل جوائز في محافل سينمائية دولية مهمّ لأفلامٍ كهذه، تقول شيئاً من وقائع العيش في بلد محتلّ. لكنّ هذا غير مانعٍ تنبّهاً إلى السينمائيّ فيها، إذْ يبقى "لا أرض أخرى"، المُنتَج بتعاون بين جهات إنتاجية فلسطينية ونرويجية، أقرب إلى التحقيق البصري مُتقن الصنعة، مع أن الغلبة فيه للمادة المُصوّرة وما فيها من توثيق لأفعالٍ جُرمية إسرائيلية، ولضغطٍ يعانيه إسرائيليون يرون ما تجهد إسرائيل في تزويره وتغييبه. أمّا وثائقي فارس، المفتوح على تفاصيل جانبية ترتبط بالشخصية الأساسية، فيمتلك حساسية سينمائية، تتمثّل ببناء درامي، وتوليف (رباب حاج يحيى) يلتقط المتواري وراء الظاهر، غالباً.

إذاً، تحضر فلسطين "سينمائياً" في أكثر من مناسبة سينمائية، وهذا ربما "يُفتِّح" عيون غربٍ غارقٍ في الدعاية الصهيونية، والابتزاز الإسرائيلي.

قراءة المقال بالكامل