اختتمت في الدوحة، اليوم الاثنين، الدورة الثالثة للمنتدى السنوي لفلسطين بمحاضرة عامة عنوانها "العدوان الإسرائيلي على غزة: سيناريوهات ما بعد حرب". ناقش المحاضرون مستقبل غزة والخيارات السياسية وأبعاد الحرب وتأثيراتها الإقليمية، والاستراتيجيات المطلوبة لتعزيز الصمود الفلسطيني لمواجهة المخططات الإسرائيلية لمنع الهجرة الطوعية، والمشاريع الأميركية ـ الإسرائيلية لليوم التالي، واليوم التالي لغزة ومستقبل حركة حماس.
وناقش المنتدى في يومه الثالث والأخير سلسلة موضوعات مثل "الذاكرة الجماعية بين النكبة وحرب الإبادة الجماعي"، و"الإبادة الجماعية ونظام الاستعمار الاستيطاني والأبارتهايد"، و"التحولات في المجتمع والدولة في إسرائيل في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة"، و"الآثار الاقتصادية للاستيطان في الضفة"، و"غزة ما بعد العدوان: نظرة مستقبلية"، و"في الاقتصاد الفلسطيني وتداعياته، الإبادة"، كما أقيمت ورشة عملٍ مغلقة، امتدت طوال اليوم، عنوانها "غزة تحت حكم حماس 2007 ـ 2023".
المنتدى السنوي لفلسطين والتحوّلات في إسرائيل
وكانت جلسة التحوّلات والدولة في إسرائيل في ظل حرب الإبادة على قطاع غزة قد كشفت عن تراجع مفهوم الدولة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى ما يمكن وصفه بـ"النظام المليشياوي"، على حد وصف الباحث مهند مصطفى، الذي قدّم سلسلة من الأدلة والنماذج على هذا التحوّل. ووصف مصطفى المجتمع الإسرائيلي بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أو ما يعرف بـ"معركة طوفان الأقصى"، بـ"المجتمع الذي تحوّل إلى قبيلة مليشياوية تطالب بالانتقام"، خصوصاً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب.
مهند مصطفى: المجتمع الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر تحوّل إلى قبيلة مليشياوية تطالب بالانتقام
وعرض الباحثان علاء محاجنة ومازن المصري، في ورقة عمل مشتركة، واقع فلسطينيي الداخل في إسرائيل في ظل حرب الإبادة وتعميق الإزالة الاستعمارية، لافتَين إلى أن حقوق فلسطينيي الداخل قبل أحداث السابع من أكتوبر كانت حقوقاً مشروطة، وتحوّلت بعدها إلى لاحقوق. وعدد محاجنة والمصري التعديلات القانونية التي حصلت بعد 7 أكتوبر 2023 في إسرائيل، كمصادرة حق الاحتجاج السياسي والتظاهر، وتراجع حرية التعبير، واعتقال عدد من فلسطينيي الداخل على خلفية منشورات منددة بحرب الإبادة في قطاع غزة على مواقع التواصل الاجتماعي. ولفتا إلى تشريع قانوني يعمل عليه الكنيست الإسرائيلي بمنع المواطنين العرب من المشاركة السياسية والترشح للكنيست، فضلاً عن قوانين أخرى مثل إعطاء صلاحيات واسعة للشرطة الإسرائيلية في ملاحقة واعتقال الفلسطينيين.
نحو اليمين المتطرف
من جهته، لفت الباحث والكاتب امطانس شحادة إلى تحوّل المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين واليمين المتطرف، حتى قبل أحداث 7 أكتوبر. وقال إن 65% من الإسرائيليين يصوّتون لليمين واليمين المتطرف. وأشار إلى أن اليمين الإسرائيلي يعتبر الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، الذي حصل عام 2007، إنجازاً استراتيجياً يجب الحفاظ عليه وتعزيزه. وبشأن أحداث 7 أكتوبر، لفت إلى أنها المرة الأولى التي تشهد فيها الأراضي الفلسطينية معارك منذ عام 1948.
امطانس شحادة: تعاملت إسرائيل مع الضفة الغربية في الأيام الأولى للحرب على غزة بوصفها جبهة داخلية
وقال شحادة إن اليمين الإسرائيلي سعى بعد أحداث 7 أكتوبر إلى ترميم صورة إسرائيل، ونقل المعارك إلى قطاع غزة، وضرورة تلقين حركة حماس والمقاومة الفلسطينية درساً قاسياً، كما تعاملت إسرائيل مع الضفة الغربية في الأيام الأولى للحرب على غزة بوصفها جبهة داخلية. وتابع: "سعت إسرائيل إلى الحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع الإسرائيلي الذي انهارت معنوياته ومحاولة ترميم التصدع الكبير الذي تسببت به أحداث أكتوبر، وتصوير إسرائيل ضحيةً في الإعلام الخارجي، والحفاظ على الحكومة الإسرائيلية واستمرار عملها، وطرح استراتيجية جديدة للتعامل مع القضية الفلسطينية، تتمثل بتوسيع الاستيطان وتشجيع القمع والقتل وحرب الإبادة وإعادة احتلال غزة، والانتقام من كل من هو فلسطيني، وعلى اعتبار أن إسرائيل تواجه حرباً وجودية فأعلنت للمرة الأولى منذ عام 1973 حالة الحرب واصفة ما يجري بأنه حرب استقلال ثانية".
من جهته، لفت الصحافي والباحث جاكي خوري إلى انعكاسات الحرب على غزة على المشهد الإسرائيلي، وقال إن المجتمع الإسرائيلي توجّه إلى اليمين منذ أحداث أكتوبر/تشرين الأول 2000، لافتاً إلى أن صاحب مبادرة اتفاق أوسلو الذي وُقّع عام 1994 هو اليسار الإسرائيلي. وقال إنه منذ حكومة أريئيل شارون (2003-2006)، لم يصل إلى سدة الحكومة في إسرائيل رئيس وزراء وسطي، حتى عاد بنيامين نتنياهو عام 2009، مضيفاً أن المشروع الأساسي لليمين الإسرائيلي يتمثل بالسيطرة على الدولة بكافة مؤسساتها.
ولفت خوري إلى أنه منذ وصول اليمين الإسرائيلي إلى مراكز صنع القرار في إسرائيل، بدأ الحديث عن توسيع الاستيطان والتهجير، وكانت أحداث 7 أكتوبر 2023 فرصة لبدء تطبيق هذا المشروع على الأرض، فالانسحاب الإسرائيلي عن قطاع غزة مرفوض من قبل اليمين الإسرائيلي الذي يطالب بإعادة الانتشار وليس الانسحاب، ويتساوق مع مشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تهجير الشعب الفلسطيني. وقال إن إعادة إعمار غزة قد تستغرق 20 إلى 30 سنة، وسيكون على الدول العربية أن تضخ أموالاً إلى شركات المقاولات التي تقوم بإعادة الإعمار، فيما ستستمر الضغوط على الفلسطينيين لتهجيرهم تنفيذاً لمخطط اليمين الإسرائيلي. وأشار إلى أن المشروع الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني يتمثل بمحاولة تحويل المجتمع العربي هناك إلى مجتمع مهدد ومروض يأكل ويشرب ويعيش بلا حقوق.
