تعرضت الأسواق التركية لهزة، اليوم الأربعاء، إذ هوت الليرة أمام الدولار بنحو 14% دفعة واحدة خلال التعاملات قبل أن تتدخل البنوك لحماية العملة الوطنية وتقلص خسائرها، فيما جرى إيقاف التداولات في البورصة مؤقتاً بعدما سجلت الأسهم خسائر حادة، كما قفزت عوائد السندات الحكومية إلى أعلى مستوياتها هذا العام، بعدما أقدم المستثمرون على بيع الأصول التركية، عقب اعتقال السلطات عمدة إسطنبول والسياسي المعارض أكرم إمام أوغلو الذي يعد منافساً بارزاً للرئيس رجب طيب أردوغان، بتهم تشمل الفساد ومساعدة جماعة إرهابية، مما يزيد من المخاطر السياسية، حيث يتوقع محللون دخول الأسواق في موجة من الاضطرابات ما لم يجرِ التوصل إلى تسوية.
وهوت العملة بأكثر من 10% خلال التعاملات الصباحية أمس، إذ سجلت 42 ليرة للدولار، قبل أن تتقلص الخسائر تدريجياً وصولاً إلى نحو 4% مسجلة 38.17 ليرة للدولار، مقارنة بمستوى إغلاق تعاملات، الثلاثاء البالغ 36.67 ليرة للدولار، كما أعلنت بورصة إسطنبول إيقاف التداول مؤقتاً بعد انخفاض المؤشر الرئيسي بنسبة 6.87% في التعاملات المبكرة. وباعت المصارف التركية نحو 8 مليارات دولار حتى منتصف، اليوم، لدعم الليرة، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ عن مصادر مطلعة، مشيرين إلى أن هذا التدخل جرى عبر عدة مصارف.
وتميل العملة التركية إلى الاستجابة بشكل سلبي للقضايا المحلية، سواء كانت سياسية أم اقتصادية. وأظهرت أحداث سابقة، مثل الانقلاب الفاشل في عام 2016 وبداية الأزمة الاقتصادية في عام 2018، أن الليرة تميل إلى التراجع من القمة إلى القاع بنحو 30% في أوقات الغموض.
وجاءت هذه الخسائر عقب احتجاز إمام أوغلو، بعد يوم من قيام السلطات التركية بإلغاء شهادته الجامعية، في خطوة قد تمنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويُعد إمام أوغلو، البالغ من العمر 54 عاماً، أحد أكثر السياسيين شعبية في تركيا، ويُنظر إليه أنه أبرز المرشحين للرئاسة. وتغلب على المرشح الذي اختاره أردوغان في انتخابات بلدية إسطنبول العام الماضي، وكان من المقرر أن يُعلن، الأحد المقبل، ترشيحه للرئاسة عن حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي.
وعادة ما تُؤثر التطورات السياسية سلباً على الأسهم التركية، حيث يهيمن المستثمرون المحليون على سوق الأسهم في البلاد، وهم أكثر تفاعلاً خلال فترات التقلبات. ويمتلك المستثمرون المحليون حوالي 62.5% من الأسهم التركية، بحسب بيانات على الموقع الإلكتروني لهيئة إيداع الأوراق المالية التركية. كما تؤدي التطورات السياسية إلى زعزعة حالة التفاؤل بين المستثمرين العالميين بشأن الأصول التركية، بشأن التوقعات بأن تركيا ستكون أقل تأثراً بالتقلبات الناجمة عن الحروب التجارية، إذ انعكست موجة البيع، صباح أمس، على أسواق العقود الآجلة. وارتفعت تكلفة اقتراض الليرة التركية خارج تركيا لليلة واحدة بأكثر من 10 نقاط مئوية إلى 48%.
واستبعد المحلل الاقتصادي التركي، طه عودة أوغلو، أن تستقر الأوضاع قريباً في تركيا، متوقعاً أن تستمر تداعيات اعتقال إمام أوغلو لفترة، وتؤثر على سعر الصرف والبورصة وربما الاستثمارات، إن لم يتم التوصل إلى تسوية بين المعارضة وحزب الشعب الجمهوري تحديداً، والدولة والرئيس أردوغان، باعتباره أكبر مستفيد من إبعاد أهم خصومه عن الساحة السياسية. وقال عودة أوغلو لـ"العربي الجديد" إن المعارضة لن تصمت أو تسلم باعتقال عمدة إسطنبول الكبرى، متوقعاً حدوث حالة من الانقسام في الشارع التركي، ما يرتد على مؤشرات الاقتصاد الكلي.
بدوره، قال المحلل التركي، وهبي بايصان، إن اعتقال أكرم إمام أوغلو سيكون له آثار على الأسواق التركية بشكل عام وعلى الليرة التي تراجع سعرها أكثر من 10% فور انتشار الأخبار وبداية حشود تؤيد حزب الشعب في الساحات بالمدن الكبرى، اليوم.
في المقابل، قلل المحلل الاقتصادي التركي، يوسف كاتب أوغلو في تصريح لـ"العربي الجديد"، من امتداد تأثير اعتقال إمام أوغلو على الأسواق، مشيراً إلى أن التأثير سيكون محدود الأجل وستعود الأسواق في رأيه إلى طبيعتها. وقال إن "الاقتصاد التركي قوي وسيمتص ارتدادات متوقعة في الداخل والخارج، وسرعان ما ستعود الأمور إلى طبيعتها ولن تتأثر الاستثمارات أو نرى تقلبات كبرى، كما يروج البعض".
ويُتهم إمام أوغلو وستة آخرون بمساعدة حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية. ويأتي الاعتقال بعد يوم من إلغاء جامعة إسطنبول شهادة إمام أوغلو العلمية، وفي حالة تأييد ذلك سيمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية. ومن المقرر إجراء الانتخابات القادمة في 2028، إلا أنه يجب إجراؤها مبكراً إذا أراد أردوغان الترشح مجدداً.
وينعكس تراجع سعر الليرة التركية على ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف معيشة الأتراك، رغم تراجع نسبة التضخم الشهر الماضي بمعدل 2.27% على أساس شهري، وإلى 39.05% على أساس سنوي، بعدما سجلت 42.12% في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكانت تركيا قد بدأت منذ مطلع العام الجاري بالتراجع قليلاً عن سياسة التشدد النقدي واعتماد نهج التيسير من خلال تخفيض سعر الفائدة لثلاث مرات متتالية، بعد تشدد ورفع سعر الفائدة لعام ونصف العام، من 8% إلى 50%. وخفضت سعر الفائدة بنحو 250 نقطة أساس في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، لتبلغ 47.5%، واستمرت في يناير/ كانون الثاني الماضي في تخفيض سعر الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس من 47.5% إلى 45%، والخميس الماضي بالنسبة نفسها، ليبلغ سعر الفائدة اليوم 42.5%.