تحقق، فجر اليوم الثلاثاء، شرط إضافي من شروط إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل مع حزبه، للعودة إلى الحكومة. فبعدما فتح الائتلاف الحاكم مسار إقالة المستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، وقبلها أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عزمه إقالة رئيس "الشاباك" رونين بار، استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي، إبادة الفلسطينيين في قطاع غزة.
التطورات الآنفة تسارعت في وقتٍ تنفذ فيه ساعة الرمل السياسية للمصادقة على قانون الميزانية، الذي يفصل عن الشروع بالتصويت عليه في الكنيست أسبوع واحد، ففي حال عدم تمرير القانون بالأغلبية، يُحلّ الكنيست تلقائياً، وتذهب إسرائيل إلى انتخابات برلمانية مبكرة، قد يُحكم فيها على نتنياهو وائتلافه بالانتقال إلى الأقلية المعارضة، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
سبق أن طالب بن غفير نتنياهو بتطبيق واحد من ثلاثة شروط للعودة إلى الحكومة التي استقال منها احتجاجاً على توصل إسرائيل وحركة حماس إلى اتفاق تبادل أسرى، أوّلها: تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؛ ثانيها: إطباق الحصار الكامل ومنع دخول المساعدات الإنسانية؛ وثالثها: العودة إلى الحرب.
ولئن كان استئناف الحرب، الذي مهدت له إسرائيل والإدارة الأميركية بالتهديد والوعيد المكرور بفتح "أبواب جهنم" تحصيلاً حاصلاً في ظل الظروف الراهنة، أتت الهجمات الجوية الواسعة النطاق مباغتة، لتحصد أرواح مئات الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء والأطفال الذين يعانون قساوة العيش في خيامٍ باردة، ومبانٍ متداعية غير صالحة للسكن.
استئناف الحرب في غزة يُصوَّر كنتيجة لوصول مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة إلى طريق مسدود، في حين أنه في الواقع نتيجة جهد نتنياهو للبلوغ بهذه المباحثات آخر النفق، حيث الضوء في آخره ليس ضوء الأمل، وإنما ضوء قطار الحرب المقبل من الجهة الأخرى. والتوقيت اتسق تماماً مع المهلة المتبقية لتمرير قانون الميزانية الذي يحتاجه بشدّة للحفاظ على استقرار ائتلافه المُهتز. فمن دون بن غفير، سيكون من الصعب طرح القانون للتصويت، في ظل حقيقة أن الأصوات ستقسم 60-50 لصالح الائتلاف الذي يبقى بحاجة إلى صوتٍ لتحقيق شروط الغالبية (61 عضواً من أصل 120).
وفي ظل هذه الوقائع، لم يكن نتنياهو سيخاطر بتفكك ائتلافه، ففي مثل هذا الوضع، من المرجح وفقاً لما أورده موقع واينت، اليوم الثلاثاء، ألا يُصادق على الميزانية، بسبب الخوف من أن يكشف التصويت عن المنشقين الذين قد يسقطون الحكومة ويتسببون بحل الكنيست. وعدا استئناف الحرب، طالب بن غفير نتنياهو بشروط بدت صعبة التحقيق طوال الفترة الماضية، بينها إقالة المستشارة القضائية ورئيس الشاباك، ولكن هذه الشروط استوفاها نتنياهو بالكامل، قبل أن يتحقق شرط استئناف الحرب الذي من المتوقع أن يُفضي إلى عودة بن غفير، وتوسيع القاعدة التي يستند عليها الائتلاف مرة أخرى.
في غضون ذلك، اتهمت المعارضة الصهيونية نتنياهو بأنه استأنف الحرب لدوافع سياسية، مخاطراً بحياة المحتجزين، غير أنّ بن غفير، الذي يخطط بالفعل للعودة إلى الحكومة، رحب بهذه الخطوة. ولفت في بيان لحزبه صباح اليوم، إلى أنه "كما قلنا في الأشهر الأخيرة، عند انسحابنا (من الحكومة): على إسرائيل العودة إلى القتال في غزة"، واصفاً الأمر بأنه "الخطوة الصحيحة، والأخلاقية، والمعنوية، والأكثر مصداقية، فمن أجل القضاء على حماس وإعادة محتجزينا، يجب علينا أن لا نقبل بوجود الحركة وينبغي علينا تدميرها".
كواليس انهيار وقف إطلاق النار
على المقلب الآخر صوّرت صحيفة معاريف العودة إلى الحرب كنتيجة لانهيار وقف إطلاق النار، مع العلم أن إسرائيل هي من تنصلت من خوض مباحثات المرحلة الثانية منذ اليوم الـ16 للمرحلة الأولى، كما نص الاتفاق الموقع بين الجانبين. وبحسب الصحيفة، فإن جولة المباحثات الأخيرة في القاهرة كانت بمثابة خط النهاية للجهود الدبلوماسية المشتركة لكل تل أبيب وواشنطن، لمواصلة الإفراج عن المحتجزين بناءً على مقترح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وهو في الواقع مقترح "يستغبي" حركة حماس، إذ ينص على إطلاق سراح نصف المحتجزين لدى الأخيرة في اليوم الأول، وخلال شهرين من الهدنة، إذا اتُفق على وقف إطلاق نار دائم، تفرج الحركة عمن تبقى من المحتجزين، ومعظمهم من الأموات، دون أي ضمانة بأنه سيتم التوصل إلى ذلك، خصوصاً في ظل الشروط التعجيزية التي وضعتها إسرائيل أمام "حماس".
بالتوازي لمقترح ويتكوف، أرسلت الإدارة الأميركية مبعوثها الذي أقصته فيما بعد، آدم بولر، لخوض مباحثات مباشرة مع "حماس"، وتمخضت هذه المباحثات عن اقتراح للإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكسندر الذي يحمل جنسية مزدوجة (أميركية وإسرائيلية) وعدد آخر من المحتجزين القتلى، بشرط استمرار وقف إطلاق النار للتباحث على إنهاء الحرب، وانحساب الجيش الإسرائيلي.
إسرائيل من جهتها، اعتبرت ذلك "مناورة" من حماس، وكما نقلت "معاريف" عن مصادر إسرائيلية كانت على اتصال دائم بمسؤولي إدارة دونالد ترامب، فقد أعلنت الأخيرة استنفاذ الجهود الدبلوماسية، غير أن الصحيفة أقرّت بأن "خطة العودة إلى القتال المكثف كانت جاهزة، وقد فوّض الكابينت رئيس الحكومة ووزير الأمن (يسرائيل كاتس) باتخاذ قرار حول ساعة الصفر".
قرار استئناف الحرب أُقر أمس الاثنين نهائياً، في جلسة عقدها نتنياهو في وزارة الأمن (الكرياه) في تل أبيب. وكما نقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية، فإن كل ما سبق "منسق بالكامل مع الولايات المتحدة"، مشيرةً إلى أن "واشنطن تدعم القرار الإسرائيلي بممارسة ضغط عسكري مكثّف على حماس، وسط وقف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع منذ 2 مارس/ آذار الحالي".
وخلافاً لإدارة الرئيس السابق جو بايدن، فإن إدارة ترامب لا تطلب من إسرائيل مواصلة تزويد القطاع بالمساعدات، فبينما اقترح الأول قتل الفلسطينيين وبطونهم ملأى، لا يجد الثاني أهمية لقتلهم وهم جوعى. وكما تشير الصحيفة، فإن هذا الوضع عملياً يُحرر إسرائيل من الضغوط، ويسمح للضغط العسكري بأن يحقق نتائجه.
من جهة ثانية، فإنه بخلاف أسلوب التوغلات والغزوات الذي انتهجه رئيس أركان جيش الاحتلال السابق هرتسي هليفي، تستند خطة القتال الجديدة لخلفه إيال زامير على تقدّم القوات في داخل القطاع، و"تطهير منطقة معينة"، بموازاة نقل السكان المدنيين منها إلى المناطق الإنسانية، إلى جانب تفعيل "خطة المساعدة في الهجرة الطوعية"، وبعد ذلك يحتل الجيش المنطقة "المطهرة"، ويبقى فيها دون أن ينسحب. وبحسب الصحيفة، فإن الخطة هذه المرّة ستستهدف أيضاً المسؤولين في القطاع المدني، كجزء من مخطط القضاء على "حماس" سلطوياً، وهو ما بدأ فجر اليوم، حيث قتلت إسرائيل خمسة مسؤولين كباراً في الجناح المدني للحركة.
