بعد 53 عاماً على عملية ميونخ في عام 1972، تكشّف اليوم الأربعاء أن ائتلافاً سريّاً مكوّناً من 18 دولة غربية مد جهاز "الموساد" الإسرائيلي بمعلومات مهمة مكّنت طواقمه من اغتيال قادة منظمة "أيلول الأسود" في إطار العملية المعروفة إسرائيلياً باسم "غضب الرّب"، والتي انتقمت فيها إسرائيل من مقتل 11 من رياضييها خلال الألعاب الأولومبية بميونخ الألمانية.
أمّا الائتلاف الاستخباري، فقد ضم، وفقاً لما كشفته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، كلاً من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا وإيطاليا وألمانيا الغربية، وغيرها؛ حسبما ظهر في وثائق جديدة من الأرشيف السويسري استندت إليها المؤرخة أفيفا غوتمان، العاملة في جامعة آبريستويث البريطانية.
ونقلت المعلومات عبر منظومة سريّة، لم يُكشف عنها حتّى اللحظة، تحت كود اسمه "كيلو واط"؛ حيث تأسست المنظومة في عام 1971، أي قبل سنة من عملية ميونخ، وكان الهدف من إنشائها السماح لمخابرات 18 دولة بتبادل المعلومات الاستخبارية ومشاركتها. وتبين أن هذه المنظومة تبادلت آلاف البرقيات التي كُشفت فيها تفاصيل عن بيوت، سيارات، تحركات شخصيات قيادية، وأيضاً تكتيكات اتبعتها المنظمات الفلسطينية.
وفي الإطار، أوضحت غوتمان أن "الكثير من هذه المعلومات تفصيلي جداً، فقد ربطت بين أشخاص وعمليات معينة، ووفرت معلومات ساهمت بشكل كبير في المساعدة. وربما في البداية لم يعرفوا (في الغرب) عن الاغتيالات (التي نفذتها إسرائيل ضد منظمة أيلول الأسود)، وذلك على الرغم من أن تقارير في وسائل الإعلام ألمحت إلى ما فعله الإسرائيليون". وبحسبها، فإن "الاستخبارات الغربية شاركت نتائج تحقيقاتها بشأن الاغتيالات مع الموساد، الذي على ما يبدو نفذها".
وكان الفلسطيني الأوّل الذي اغتيل في إطار عملية "غضب الرّب" هو وائل زعيتر الذي يُعد أحد قادة منظمة "أيلول الأسود" في أوروبا، وكان مسؤولاً كذلك عن عملية استهدفت طائرة تابعة لخطوط "العال" الإسرائيلية. زعيتر، الذي عمل موظفاً في السفارة الليبية في روما، اغتاله الموساد عام 1972، عند مدخل مبنى سكني كان يقيم فيه، بعد أسابيع قليلة من عملية ميونخ. وبحسب برقيات "كيلو واط"، تلقت إسرائيل تحيينات أكثر من مرّة من أجهزة استخبارات غربية مفادها بأن "زعيتر وفر أسلحة ومساعدة لوجستية لمنظمة أيلول الأسود".
أمّا الرجل الثاني الذي اغتالته إسرائيل فكان الدكتور محمد الهمشري، الممثل الرسمي لمنظمة التحرير في فرنسا. في ديسمبر/ كانون الأول 1972، اغتيل بقنبلة زرعت في مكتبه؛ حيث انفجرت لحظة تلقيه مكالمة هاتفية. وقد ظهر اسمه هو الآخر في برقيات "كيلو واط"؛ حيث اتُّهم "في العمل الدبلوماسي وتجنيد الأموال، وكذلك تجنيد خلية إرهابية".
وتعليقاً على ما تقدم، استنتجت غوتمان خلال بحثها في الأرشيف السويسري أن "العملية الإسرائيلية لم تكن لتُنفذ لولا المعلومات التكتيكية التي قدمتها أجهزة الاستخبارات الغربية"، معتبرةً أن هذه المعلومات كانت "ميزة هائلة. وكان مهماً للموساد أن يعرف أنه يوجد له كل هذا الدعم التكتيكي". وبحسبها، فإنه "حتّى بعد العملية واصلت أجهزة الأمن الغربية مشاركة معلومات حساسة مع الموساد الإسرائيلي".
مثال آخر كشفته البرقيات يتعلق بعلي حسن سلامة، رئيس منظمة "أيلول الأسود"؛ حيث مدّت الاستخبارات البريطانية (MI5) "الموساد" الإسرائيلي بالصورة الوحيدة المتوفرة له. وفي يوليو/ تموز 1973، اعتقد "الموساد" أنه نجح في تشخيص سلامة والتعرف إليه في مدينة التزلج النرويجية ليلهامير، حيث استخدم الصورة التي وفرتها الاستخبارات البريطانية للتعرف إليه. وإثر ذلك، أطلق عملاء "الموساد" النار على الشخص الذي اتضح أنه نادل مغربي يدعي أحمد بوشيكي، وهو ما تسبب في اعتقال سلطات النرويج للعملاء وسجنهم.
إلى جانب ما تقدم، ظهر في البرقيات المذكورة اسم محمد بودية، الذي اغتيل في فرنسا؛ حيث كان قائداً في "الجبهة الوطنية لتحرير الجزائر" ضد الجيش الفرنسي. وقد ظهر في أعلى قائمة أهداف الموساد، حيث اتهم في البرقيات بـ"تنفيذ عدد من العمليات ضد أهداف إسرائيلية، بينها زرع عبوات ناسفة في فنادق في إسرائيل، وتنفيذ عمليات استهدفت لاجئين يهوداً فروا من دول الاتحاد السوفييتي". كما أشارت البرقيات إلى أنه "عمل ضد منصة نفط في إيطاليا، وكذلك ضد السفير الأردني في لندن". وفي النهاية اغتيل في الحي اللاتيني في باريس بعد تلقي "الموساد" معلومات من الاستخبارات السويدية، بينها معلومات حول نوع سيارته وموقع بيته في جنيف.
وعلى الرغم من آلاف البرقيات، قال عضو سابق في "الموساد" لـ"ذا غارديان" إن "أعضاء الفريق لم يكونوا على علم بمصادر المعلومات التي عملوا استناداً إليها، ولكن كانت لديهم ثقة كبيرة فيها". وعلقت د. روتمان على ذلك قائلةً إنه "اليوم أيضاً، يمكن الافتراض أن المعلومات تنقل، وأننا نحن الجمهور لا نعرف عن ذلك. العلاقات الدولية بين أجهزة المخابرات محفوظة بالمطلق تحت الرادار، وحتّى إن البرلمانات والسياسيين لا يعرفون عن ذلك".
