اقتصاد ترامب يتصدع ... خسائر للأسهم وبيتكوين وسط الهلع من الركود

منذ ٥ أيام ١٩

تبدل مزاج المستثمرين في الولايات المتحدة الأميركية سريعاً في غضون أسابيع قليلة بعد عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في العشرين من يناير/ كانون الثاني الماضي، فبينما كان هناك إجماع على أن "وول ستريت" ستكون من بين أكبر الفائزين هذا العام، دخلت السوق في موجة هبوط لتمحو المكاسب المحققة منذ انتخاب ترامب، إذ يسيطر الخوف على المتعاملين من تداعيات سياساته على الاقتصاد الأميركي الذي بات مهدداً بالركود بشكل كبير.

وتعرضت سوق الأسهم لضربة جديدة يوم الاثنين، حيث فقد مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" ما يعادل 155.21 نقطة، أو 2.69%، ليغلق عند 5614.99 نقطة، كما خسر مؤشر ناسداك المجمع 726.01 نقطة، أو 3.99%، وهو أكبر انخفاض له منذ عام 2022، ليغلق عند 17470.21 نقطة، وانخفض مؤشر "داو جونز الصناعي" 890.63 نقطة، أو 2.08%، ليغلق عند 41911.09 نقطة. أصبحت المؤشرات الثلاثة الآن أقل من مستوياتها المسجلة في يوم الانتخابات في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

كما انخفض مؤشر "الكبريات السبع" للشركات العملاقة (أبل، ألفابت، إنفيديا، أمازون، ميتا، مايكروسوفت، تسلا)، بنسبة 5.4%. وامتدت حالة الخوف إلى المتعاملين في العملات المشفرة، لتهبط عملة بيتكوين الأشهر عالمياً إلى ما دون 80 ألف دولار، بينما كان يجري تداولها بقيمة 106 آلاف دولار للوحدة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لتخسر نحو 25% منذ ذلك الحين. ولطالما كان يُنظر إلى سوقي الأسهم والعملات المشفرة باعتبارهما من أبرز القطاعات المستفيدة من فوز ترامب وعودته إلى البيت الأبيض بجانب قطاعات أخرى عُرفت بـ"تجارة ترامب".

لكن مخاوف المستثمرين تتعاظم من حالة الإرباك الشديدة التي تتسبب بها إجراءات ترامب السريعة والمتلاحقة، لا سيما ما يتعلق بالرسوم الجمركية الواسعة التي يفرضها والتي تطاول حلفاء واشنطن وخصومها على حد سواء ما يهدد بردود انتقامية تنال من القطاعات الأميركية الإنتاجية والتجارية والخدمية، ما يدفع الاقتصاد لركود محقق. وما زاد من قلق المستثمرين هو تصاعد التكهنات بأن ترامب مستعد لتحمل المصاعب الاقتصادية وتقلبات الأسواق سعياً وراء أهداف طويلة الأجل تتعلق بالرسوم الجمركية وتقليص حجم الحكومة.

ترامب لا يكترث للركود الاقتصادي

وأشار الرئيس الأميركي وكبار مستشاريه في الأيام الأخيرة إلى عدم الاكتراث بالمخاطر المتزايدة المتمثلة في أن يؤدي عدم اليقين التجاري إلى تثبيط الاستثمار في القطاع الخاص، وزعموا أن "إزالة السموم" ربما تكون ضرورية، وأن انخفاض قيم الأسهم ليس مصدر قلق كبير، وأن التضخم قد يرتفع في الأمد القريب. ويوم الاثنين الماضي، دخلت الرسوم الجمركية الانتقامية التي فرضتها الصين على المنتجات الزراعية الأميركية حيز التنفيذ. واليوم الأربعاء، من المقرر أن تفرض إدارة ترامب رسوماً جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الولايات المتحدة من الصلب والألمنيوم. كما هدد ترامب بفرض "رسوم متبادلة" في إبريل/ نيسان المقبل على جميع الواردات الأميركية لتتناسب مع الرسوم وسياسات التجارة في البلدان الأخرى. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض كوش ديساي في بيان، يوم الاثنين، إن "ترامب حقق نمواً تاريخياً في الوظائف والأجور والاستثمار في ولايته الأولى (2017 ـ 2021)، ومن المقرر أن يفعل ذلك مرة أخرى في ولايته الثانية".

ولا يستبعد ترامب حدوث ركود اقتصادي. وعندما سُئل في برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز" على قناة "فوكس نيوز" عمّا إذا كان يتوقع حدوث ركود، قال: "أكره التنبؤ بأمور مثل هذه.. هناك فترة انتقالية، لأن ما نقوم به كبير جداً".

وقالت جينا بولفين، رئيسة مجموعة "بولفين" لإدارة الثروات، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، أمس الثلاثاء: "لقد انتقلنا من التفاؤل الجامح إلى التساؤل عن احتمالات الركود". وأضافت: "هذه سوق تتحرك بفعل العناوين الإخبارية، ويمكن أن تتغير في غضون ساعة".

ومع الهبوط الحاد للأسهم، راقب المتداولون عن كثب أمراً لم يحدث مع مؤشر "إس آند بي 500"، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وهو إغلاقه دون متوسطه المتحرك لـ200 يوم. وقالت كالي كوكس، من شركة الاستثمار "ريثولتز ويلث مانجمنت": "هناك مقولة في وول ستريت مفادها أن لا شيء جيداً يحدث عندما يكون المؤشر دون متوسط 200 يوم". وأضافت: "بصراحة، من بين كل العبارات الغريبة التي تخرج من هذه الصناعة، يجب أخذ هذه العبارة على محمل الجد.. عندما تكون السوق في المنطقة الخطرة أو دون متوسط 200 يوم تتسارع عمليات البيع وتصبح التقلبات أكثر حدة".

وفي قطاع الشركات العملاقة، هبطت أسهم "تسلا" لصناعة السيارات الكهربائية التي أسسها الملياردير إيلون ماسك بنسبة 15%. يواجه أغنى رجل في العالم مرحلة عصيبة مع تصاعد الأزمات في إمبراطوريته الاقتصادية، في وقت تجتمع فيه الضغوط المالية والتقنية لتضع شركاته تحت المجهر، وسط انتقادات حادة لدوره في تقليص عدد الموظفين الفيدراليين والإنفاق الحكومي من خلال وزارة الكفاءة الحكومية التي يتولى إدارتها.

وشهدت شركة تسلا، أيقونة صناعة السيارات الكهربائية، تراجعات حادة في أسهمها، لتخسر نحو نصف قيمتها السوقية، وتفقد ما يعادل 130 مليار دولار في يوم واحد، وسط مخاوف متزايدة بشأن استراتيجيات ماسك الإدارية وعلاقاته المتشابكة مع إدارة ترامب. كما تكبد ماسك خسارة قدرها 22.8 مليار دولار في يوم واحد، ما أدى إلى تقليص صافي ثروته إلى حوالي 319.6 مليار دولار، وفق بيانات فوربس. الأزمة لم تتوقف عند حدود تسلا، بل امتدت إلى منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي، التي تعرضت لعدة انقطاعات متتالية، الاثنين، وهو ما زاد حدة الانتقادات لماسك. كذلك في ميدان الفضاء، لم تكن SpaceX بمنأى عن الاضطرابات، إذ تحقق الشركة حالياً في انفجارين متتاليين وقعا خلال الرحلات التجريبية لصاروخ "ستارشيب"، الذي يمثل رهان ماسك الجريء على المستقبل الفضائي.

في هذه الأثناء، انخفض العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات بمقدار ثماني نقاط أساس ليصل إلى 4.22%. وارتفع الدولار بنسبة 0.2%. كما أجلت نحو عشر شركات ذات تصنيف ائتماني مرتفع مبيعاتها من السندات الأميركية، يوم الاثنين. وتراجع النفط إلى أدنى مستوى له في ستة أشهر.

مخاطر ممتدة بسبب الحروب التجارية

وتمثل التحركات الأخيرة تحولاً حاداً في الأسواق. وقال دان وانتروبسكي، من شركة إدارة الأصول "جاني مونتغومري سكوت": "نحن نمر بفترة من عدم اليقين الشديد على نطاق الاقتصاد الكلي العالمي، ونتيجة لذلك، نواصل رؤية عمليات تقليل المخاطر في الأسهم الأميركية". وأضاف: "إلى جانب العوامل الجيوسياسية المحتملة التي قد تعطل الأسواق، هناك أيضاً السرديات المستمرة حول التضخم والنمو، والآن احتمال الركود الذي تفاقم بسبب الحروب التجارية".

بدوره، قال ديفيد بانسن، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة "بانسن" لإدارة الثروات، إن الحديث عن التعرفات الجمركية قد يكون في كثير من النواحي أسوأ من تطبيقها الفعلي. وأضاف متحدثاً لوكالة بلومبيرغ: "لا أعتقد أن الإدارة تعرف كيف ستنتهي مسألة الرسوم الجمركية، ولكن إذا كنت سأراهن، فسأقول إنها ستستمر لفترة كافية لإلحاق الضرر بالنشاط الاقتصادي لمدة ربع أو اثنين على الأقل، وفي النهاية ستؤدي إلى صفقة مع دول مختلفة تجعل الجميع يتساءلون لماذا خضنا كل هذا الجدل".

ويحذر عدد متزايد من استراتيجيي وول ستريت من ارتفاع تقلبات الأسهم، حيث أصبح مايكل ويلسون، من "مورغان ستانلي"، أحدث من يطلق الإنذار بشأن مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي. كما خفف محللون آخرون في السوق، بمن فيهم خبراء من "جي بي مورغان" و"آر بي سي كابيتال ماركتس"، من توقعاتهم المتفائلة لعام 2025، حيث أثارت رسوم ترامب الجمركية مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي.

وقال كريس لاركين، من "إي تريد" التابعة لـ"مورغان ستانلي": "هناك دائماً قوى متعددة تعمل في السوق، لكن في الوقت الحالي، يكاد يكون كل شيء في المرتبة الثانية بعد الرسوم الجمركية". وأضاف: "إلى أن تتضح الرؤية بشأن السياسة التجارية، يجب على المتداولين والمستثمرين توقع استمرار التقلبات".

وبداية من المتداولين المبتدئين في تجارة التجزئة إلى محترفي صناديق التحوط، فإنه لا أحد يعرف الكلفة الحقيقية لسياسات ترامب الشاملة حتى الآن. كانت خططه المؤيدة للنمو تعتمد على التخفيضات الضريبية، وإلغاء القيود التنظيمية، وتعزيز الطاقة. وكان الهدف من الرسوم الجمركية إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة وخلق وظائف. لكن حتى الآن، لا يوجد دليل قوي على تحقق ذلك. وأثار كل هذا قلق المستثمرين الأفراد. ووفقاً لاستطلاع أجرته "الجمعية الأميركية للمستثمرين الأفراد"، فإن غالبية المستثمرين الأفراد يعتقدون لأول مرة منذ عام 2022 أن أسعار الأسهم ستنخفض خلال الأشهر الستة المقبلة، وأقل من 20% فقط يتوقعون ارتفاع الأسعار خلال هذه الفترة. وقال خبراء الاقتصاد في بنك الاستثمار "جيه بي مورغان تشيس"، يوم الاثنين، إن خطر الركود ارتفع إلى 40% من 30% بسبب "السياسات الأميركية المتطرفة".

أضرار للقطاعات الاستهلاكية بفعل مخاوف الأسر

ولم تعد تداعيات القلق من سياسات ترامب تقتصر على أسواق المال وإنما طاولت إنفاق المستهلكين الأميركيين. فقد كشفت شركة "دلتا إيرلاينز" للطيران عن تراجع الطلب المحلي على السفر. وقال إد باستيان، الرئيس التنفيذي للشركة، لقناة "سي إن بي سي"، إن الشركة شهدت "تحولاً كبيراً جداً" في المشاعر في فبراير/ شباط، و"بدأ إنفاق المستهلك في التوقف"، كما تراجعت رحلات العمل.

وفي السياق، قال مايكل سترين، رئيس دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أميركان إنتربرايز، لصحيفة وول ستريت جورنال، أمس الثلاثاء، إن صعوبة التنبؤ بالتغيرات المحتملة في أسعار السلع المستوردة تعني أن الإنفاق الاستثماري قد "يتوقف تماماً في الربع الأول". وأضاف أنه قلق بشأن التأثيرات على إنفاق المستهلك من العمال القلقين، الذين يعملون مباشرة لدى الحكومة الفيدرالية وملايين آخرين تعتمد أعمالهم على التمويل الفيدرالي أو العقود، الذين يتراجعون عن المشتريات. وأعلنت جامعة هارفارد عن تجميد التوظيف يوم الاثنين.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وصلت حصة الأسر التي توقعت تحسن وضعها المالي خلال عام 2025 إلى أعلى مستوى لها في أربع سنوات ونصف، وفقاً لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك للمستهلكين. لكن الاستطلاع نفسه، الذي صدر يوم الاثنين الماضي، أظهر أكبر انخفاض شهري في المشاعر المالية للأسر الشهر الماضي منذ عام 2023، وارتفعت التوقعات بشأن الاحتمال المتصور لعدم سداد الديون إلى أعلى مستوى منذ إبريل/ نيسان 2020.

قراءة المقال بالكامل