منذ إطاحة نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، يشكو المواطنون السوريون ووسائل الإعلام المختلفة من كثرة الأخبار المتضاربة والمنسوبة أحياناً إلى جهات رسمية، قبل أن يتضح أنها غير صحيحة، وسط تحرك محدود من جانب السلطات المعنية في تبديد هذا التضارب، ما جعل البعض يعتقد أن الأمر قد يكون أحياناً سلوكاً مقصوداً من جانب السلطات بغية تمرير أخبار معينة لقياس ردود الفعل عليها، ومن ثم التراجع عنها في حال لم تلق استحساناً لدى الشارع السوري.
في انتظار ردود الفعل
من الأمثلة على هذه الأخبار ما أشيع يوم الجمعة الماضي عن عودة ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السابق إلى الساحل السوري، ما تسبب في "انتعاش" الموالين للنظام السابق، ومبادرتهم إلى مهاجمة مواقع لإدارة العمليات العسكرية، ما دفع الأخيرة إلى إعادة تسيير حملات أمنية ضدهم يوم السبت، تسببت في وقوع قتلى واعتقالات.
وقبل ذلك بيوم أعلن عن إعادة تعيين وزيرة الثقافة السابقة ديالا بركات في منصبها، ونشر الخبر نقلاً عن مديرية العلاقات العامة في وزارة الإعلام. لكن، في اليوم التالي، وبعد رصد ردود فعل سلبية على وسائل التواصل الاجتماعي، نفى مسؤول العلاقات العامة في الحكومة محمد الأسمر، وجود قرار رسمي بهذا الخصوص.
وكتب الصحافي عبد العزيز العذاب في منشور له على "فيسبوك" أن هناك جملة من الأخبار التي نشرت مؤخراً كانت صحيحة، لكن جرى نفيها لاحقاً بعد رصد ردود سلبية عليها في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تعيين مدير عام للإذاعة والتلفزيون وتعيين وزيرة للثقافة من الحزب القومي.
وفي حديث مع "العربي الجديد"، قال العذاب إن ما يعزز الاعتقاد بأن تسريب الأخبار قبل إصدارها بشكل رسمي، هو عمل مقصود أن مسؤولي الاعلام في الإدارة الجديدة لديهم العديد من غرف المحادثات على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل غرفة يوجد شخص من وزارة الإعلام، ويشاهدون ما يتم تداوله دون تدخل منهم بالنفي أو التأكيد.
أما الصحافي مصعب السعود، الذي عاد مجدداً للعمل في وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) بعد 12 عاماً على رحيله بسبب موقفه من النظام السابق، فقد قال في حديث مع "العربي الجديد" إن موقع الوكالة قد أعيد تفعيله خلال الأيام الماضية، لتكون هي المنبر الرسمي للمعلومة الصحيحة، مؤكداً أن "سانا" معنية فقط بمتابعة الأخبار من مصادرها الحكومية، فضلاً عن الأخبار الأخرى غير الحكومية.
وحاولت "العربي الجديد" التواصل مع وزير الإعلام في حكومة تسيير الاعمال في دمشق، محمد العمر، لسؤاله عن خطط الوزارة للتعامل مع هذا التضارب في الأخبار، لكنها لم تحصل على أي رد من جانبه.
من جهته، قال مكتب العلاقات الصحافية في وزارة الإعلام السورية إنه منذ سقوط نظام الأسد، ظهرت "صفحات وهمية وذباب إلكتروني" على مواقع التواصل الاجتماعي، "تعمل على إثارة النعرات الطائفية ونشر الشائعات، بهدف خلق الفوضى والتشويش الإعلامي".
وأضاف المكتب: "بعد متابعة دقيقة تبين أن هذه الحملات تقودها جهات مرتبطة بمرتكبي الجرائم ضد الشعب السوري من رموز النظام السابق، بالتعاون مع بعض الإعلاميين الحربيين".
فوضى الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل
أشار الصحافي محسن العلي في حديثه مع "العربي الجديد" إلى حالة "الفوضى" في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يسعى الكثير من الناشطين على هذه الوسائل إلى جمع المتابعين والمشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة ودقة المعلومة، فيسارعون الى الترويج لأخبار غير دقيقة ومنقولة عن مصادر مبهمة في غياب القوانين التي تحاسب على هذا السلوك.
ولفت الى وجود صفحات مزيفة وحسابات وهمية، تروج لأخبار صحيحة جزئياً أو مفبركة كلياً، أو إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة أو غير دقيقة، من أجل نشر الفتنة وإثارة الرأي العام، أو لتحريض مناطق معينة على خلفية طائفية ضد الإدارة الحالية، مشدداً على ضرورة إعادة تفعيل المحطات الإخبارية والمنصات الرسمية لتكون هي المصدر الصحيح للمعلومات، مؤكداً أنه لا يمكن الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي مصدرا موثوقا للمعلومات الصحيحة.
وكانت قيادة العمليات العسكرية قد نبهت مراراً إلى ضرورة تجاهل أي معلومات لا تصدر عن حساباتها الرسمية في منصات التواصل الاجتماعي، لكن قرارات عديدة منسوبة إلى الإدارة ووزارة الإعلام، انتشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام المختلفة، دون أن يجري تكذيبها كلها.
بيانات مزورة
من البيانات المزورة المنسوبة إلى إدارة العمليات العسكرية تعميم نص على أنه "يمنع منعاً باتاً التعرض للإعلاميين العاملين في التلفزيون السوري والإذاعة السورية وصفحات التواصل الاجتماعي" وهو ما نقضه قرار آخر صادر عن الادارة أكد ان "جميع الإعلاميين الحربيين الذين كانوا جزءاً من آلة الحرب والدعاية لنظام الأسد الساقط، وساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج لجرائمه ومجازره ضد الشعب السوري، سيخضعون للمحاكمة العادلة".
وأشارت جهات مختلفة إلى أن انتشار الأخبار المضللة ليس عشوائياً، ووفق تحليل رقمي صادر عن منصة إيكاد المتخصصة في تحقيقات المصادر المفتوحة في 26 ديسمبر الماضي، كانت هناك حملة منظمة واسعة النطاق استهدفت تشويه صورة المعارضة السورية، بدأت قبل سقوط نظام الأسد خلال الشهر الماضي، وامتدت لتطاول منصات ومواقع في دول عدة معنية بالشأن السوري، مصدرها حسابات إسرائيلية وروسية وإيرانية.
وأوردت المنصة نماذج للأخبار المضللة التي تتفشى في سورية هذه الأيام، ومنها تسجيل مصور للقائد في العمليات العسكرية حسن عبد الغني انتشر في 22 يناير/ كانون الثاني الحالي، يحذر فيه "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ويطلب منها تسليم السلاح. لكن في الواقع يعود هذا التسجيل إلى بداية العملية العسكرية التي انتهت بسقوط نظام الأسد، وكان موجهاً لجنود وعناصر النظام السابق، وليس إلى عناصر "قسد".
مخاوف من تعزيز الانقسامات
رأى محسن العلي أن مجمل الأخبار والشائعات التي ينشرها أنصار النظام السابق هدفها الاختباء وراء الرأي العام لحماية أنفسهم، وهي تركز على قضايا الأقليات الدينية والطائفية، وتسعى إلى خلق حالة من الخوف والقلق حول مصير سورية. لكنه أعرب عن اعتقاده بأن مثل هذه الأخبار لن تنجح في إحداث تغييرات مهمة على أرض الواقع، لكنها ستزيد فقط من حالة الانقسام داخل المجتمع السوري.
وأشار إلى أنه من الضروري تفعيل القنوات الإعلامية الرسمية تحت إدارة واعية ومهنية، من أجل الحد من خطر الأخبار المضللة وحماية المجتمع من آثارها السلبية.
وكانت "لجنة دعم الصحافيين" في سورية قد قالت في بيان صدر في الثامن من يناير الحالي إن غياب القنوات الرسمية وتضارب الأخبار المتناقلة عبر وسائل الإعلام الأخرى، قد يؤدي إلى بلبلة تهدد السلم الأهلي، خاصةً في ظل اعتماد الكثيرين على الإعلام الرسمي مرجعيةً للأخبار والقرارات. ويؤكد هذا الوضع على ضرورة التزام الجهات المسؤولة بالإفصاح عن أسباب الانقطاع وضمان عودة البث في أسرع وقت.
