تُرجم الارتياح الاقتصادي في سورية من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيوقف العقوبات المفروضة على هذا البلد، قفزةً فوريةً لقيمة الليرة السورية بنسبة 30% أمام الدولار، إذ بلغ سعر الصرف 8,500 ليرة لكل دولار في السوق الموازية، وهو أفضل مستوى تسجله العملة الوطنية منذ عام 2023.
لكن هذا التحسن، رغم أهميته، لا يزال موضع جدل اقتصادي واسع، حيث يعتبره بعض الخبراء ظاهرة غير مستدامة ما لم يُرافقه تحسن فعلي في الاقتصاد المحلي.
فالأسواق شهدت حالة من الارتباك، حيث تراجع الدولار إلى أقل من 8,000 ليرة لفترة وجيزة، مما دفع بعض التجار إلى تجميد عمليات بيع الدولار، انتظارًا لاستقرار السوق ومعرفة ما إذا كانت هذه المكاسب ستستمر أم أنها مجرد ارتفاع مؤقت مدفوع بالتفاؤل السياسي من دون أساس اقتصادي متين.
وقد أكد الخبير الاقتصادي أنس الفيومي في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" أن انخفاض سعر الدولار لا يزال هشًّا، حيث يعتمد بشكل كبير على التطورات السياسية، مما يفرض على الحكومة السورية التحرك سريعًا لتحويل هذه الفرصة إلى مكاسب ملموسة قبل أي انتكاسة محتملة.
وأوضح الفيومي أن الانخفاض بدأ مع إعلان رفع بعض العقوبات الاقتصادية، حيث شهدت الأسواق حالة من الارتباك، تزامنًا مع تزايد التحويلات المالية الخارجية وزيادة الثقة لدى المستثمرين. وأضاف أن استمرار هذا الاتجاه مرتبط بمدى تحسن الثقة وزيادة التدفقات المالية والاستثمارات الأجنبية، إذ إن رفع العقوبات بالكامل سيؤدي إلى تحسن كبير في سعر الصرف، مع تدفق العملة الأجنبية ودخول مساعدات دولية، مما يساهم في انتعاش جزئي للاقتصاد، لكن بشكل محدود نظرًا إلى دمار البنية التحتية وغياب الإصلاحات المؤسسية.
ربط العقوبات بالليرة
من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور فادي عياش لـ"العربي الجديد" إن تحسن سعر صرف الليرة السورية إيجابي، لكنه قد يكون غير مستدام إذا اعتمد فقط على عوامل سياسية مؤقتة من دون محفزات اقتصادية حقيقية. وأضاف عياش أن رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية كان له تأثير مباشر على سعر الصرف، حيث شهدت الليرة السورية تحسنًا ملحوظًا فور إعلان القرار، إذ ارتفعت قيمتها بنسبة تجاوزت 30% خلال ساعات قليلة، نتيجة تدفق العملة الأجنبية وزيادة التحويلات المالية الخارجية.
لكن الخبير الاقتصادي حذر من أن هذا التحسن قد يكون هشًّا وغير مستدام، حيث يعتمد بشكل كبير على تصريحات سياسية وليس على تحسن فعلي في الإنتاج أو زيادة الاحتياطي النقدي، مما يجعله عرضة للانتكاس إذا لم يتم دعم الليرة بإصلاحات اقتصادية حقيقية.
وأضاف أن المصرف المركزي السوري قام بتخفيض سعر صرف الدولار رسميًّا إلى 11 ألف ليرة خلال الفترة الماضية، لكن هذا الإجراء لم يكن مدعومًا بتحسن في الإنتاج أو زيادة في الاحتياطي النقدي، مما يزيد المخاوف من احتمال عودة ارتفاع الدولار مجددًا، وأوضح أن هناك مخاطر مرتبطة بدولرة الأسعار والمعاملات التجارية، حيث يعتمد التجار على الدولار مؤشرًا رئيسيًّا، مما قد يخلق حالة من عدم الثقة في السياسات النقدية مما يؤكد أن السعر وهمي خلال الفترة الراهنة.
ورغم التفاؤل الحذر الذي يسود الأسواق، يؤكد الخبراء أن رفع العقوبات لا يكفي وحده لتحقيق استقرار طويل الأمد، ما لم تتخذ الحكومة خطوات فعلية لتعزيز النمو الاقتصادي.
ويرى الفيومي أن على الحكومة اتخاذ إجراءات عاجلة لاستثمار الموقف بالشكل الأمثل، عبر الإصلاح المصرفي وتشديد الرقابة على الصرافات وضبط المضاربات، إلى جانب تقديم حوافز للمغتربين السوريين لإيداع دولاراتهم عبر القنوات الرسمية، وتعزيز الإنتاج المحلي بدعم الزراعة والصناعات الخفيفة لتقليل الاعتماد على الاستيراد. أما عياش، فقد شدد على أن هناك العديد من الاقتصاديين ينتظرون هذه الخطوة لتحويل أموالهم إلى سورية والبدء بأنشطة تجارية وصناعية متنوعة، مما سينعكس إيجابيًّا على الوضع المعيشي للسوريين من خلال تحسين أوضاعهم المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية.
كما أكد أن رفع العقوبات سيمكن المؤسسات التجارية والأفراد من العمل والتبادل التجاري مع سورية، مما سيؤدي إلى نشاط تجاري أكبر في الصادرات والواردات، ومن ثم دعم الاقتصاد السوري وتسريع عجلة النمو الاقتصادي. ومرت الليرة السورية برحلة طويلة من التقلبات والانهيارات منذ عام 2011، حيث كان سعر الصرف قبل الأزمة مستقرًّا عند 46 ليرة لكل دولار، لكنه بدأ بالتراجع تدريجيًّا مع تصاعد الأحداث السياسية والاقتصادية في البلاد.
رحلة هبوط الليرة
وفي العام 2011 بلغ سعر الصرف 59 ليرة لكل دولار، مسجلًا أول انخفاض كبير بنسبة 19% مقارنة بعام 2010. واستمر الانخفاض في العام التالي ليصل إلى 70 ليرة لكل دولار، مع تراجع الثقة بالاقتصاد السوري. وفي 2013 شهدت الليرة انهيارًا كبيرًا، حيث تجاوز الدولار حاجز 300 ليرة سورية، وسط تهديدات أميركية بالتدخل العسكري. وفي 2016 وصلت الليرة إلى 700 ليرة لكل دولار، وهو مستوى غير مسبوق، مما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة.
وفي 2020 تجاوز سعر الصرف 3,000 ليرة لكل دولار، متأثرًا بالعقوبات الأميركية المشددة ضمن قانون قيصر. وفي 2023 سجل الدولار أكثر من 12,000 ليرة، وسط أزمة اقتصادية خانقة وتراجع الاحتياطي النقدي. بينما يترقب المواطنون والتجار خطوات حكومية لدعم التحسن الحالي، تبقى الحاجة ملحة إلى إصلاحات مصرفية وتشديد الرقابة على الصرافات وضبط المضاربات، إضافة إلى تقديم حوافز للمغتربين السوريين لإيداع دولاراتهم عبر القنوات الرسمية، وتعزيز الإنتاج المحلي لدعم الاقتصاد الوطني.
ورغم التفاؤل الحذر، يؤكد الخبراء أن رفع العقوبات عن سورية يشكل فرصة اقتصادية، لكن استغلالها يحتاج إلى استراتيجية اقتصادية واضحة تضمن استقرار سعر الصرف وتحقيق نمو اقتصادي حقيقي ومستدام.
