كشفت دراسة جديدة عن فجوة مقلقة في الأبحاث العالمية حول الأنهار التي تعبر الحدود الدولية، والمعروفة باسم الأنهار العابرة للحدود. هذه الأنهار ضرورية لحياة مليارات الأشخاص حول العالم، إذ توفر مياه الشرب، وتدعم الزراعة، وتضمن سبل العيش. ومع ذلك، وجدت الدراسة أن احتياجات المياه في دول الجنوب العالمي، التي تشمل أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، مهملة، ما يجعلها أكثر عرضة لنقص المياه والتلوث وتغير المناخ.
في الدراسة التي نشرت يوم 21 يناير/كانون الثاني الحالي، في مجلة "كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرومنت" Communications Earth & Environment، حلل الباحثون 4713 دراسة حالة، عبر 286 حوضاً نهرياً.
ووجدت الدراسة أن الأنهار الكبيرة في دول الشمال العالمي، مثل تلك الموجودة في أوروبا وأميركا الشمالية، تحظى باهتمام الباحثين، في حين تتعرض العديد من الأنهار المهمة بالقدر نفسه في دول الجنوب العالمي للإهمال. يعني هذا الخلل أن التحديات الخاصة التي تواجهها مجتمعات الجنوب العالمي، مثل نقص المياه، وعدم الوصول إلى المياه النظيفة، والصراعات على الموارد، لا تُدرس أو تُعالج كفاية.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة، محبوب ساهانا، باحث ما بعد الدكتوراه في الجغرافيا الطبيعية في جامعة مانشستر البريطانية، إن الدراسة تسلط الضوء على "تناقض صارخ" في كيفية دراسة الأنهار العابرة للحدود في أجزاء مختلفة من العالم. يضيف: "في دول الشمال العالمي، يركز البحث عادة على الجوانب الفنية لإدارة الأنهار والحوكمة، مثل تحسين جودة المياه أو إدارة مخاطر الفيضانات. في المقابل، غالباً ما تدرس الأنهار في دول الجنوب العالمي فقط في سياق الصراعات والمنافسة على الموارد، بدلاً من البحث عن حلول لتحسين أمن المياه".
يوضح الباحث في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه في آسيا، مثلاً، يتركز البحث على أحواض الأنهار الكبيرة ذات الأهمية الجيوسياسية، مثل نهر ميكونغ ونهر السند. بينما تهمل الأحواض النهرية الصغيرة، حيث تكون أزمات المياه غالباً أكثر حدة.
وبالمثل، في أفريقيا، تركز الدراسات بتكرار على تأثيرات تغير المناخ، والنزاعات حول تقاسم المياه، ولكن هناك نقص في البنية التحتية اللازمة لدعم أبحاث أكثر شمولاً.
تُهمل الأحواض النهرية الصغيرة ومتوسطة الحجم، التي تعتبر بالغة الأهمية للمجتمعات المحلية في دول الجنوب العالمي. غالباً ما تواجه هذه الأحواض أكبر التحديات المتعلقة بأمن المياه، ومع ذلك تحظى باهتمام أقل من الباحثين. هذا الإهمال له عواقب على أرض الواقع، إذ يُترك ملايين الأشخاص عرضة للخطر، فيعانون نقص المياه والتلوث، وتأثيرات تغير المناخ المتزايدة، وفقاً للدراسة.
تحذر الدراسة من أن فجوة البحث الحالية تقوض قدرة مجتمعات الجنوب العالمي على إدارة مواردها المائية؛ فمن دون أبحاث كافية، يصعب تطوير سياسات وحلول تعالج التحديات الفريدة التي تواجهها هذه المناطق. على سبيل المثال، قد تفتقر المجتمعات التي تعتمد على الأحواض النهرية الصغيرة إلى البيانات اللازمة للتنبؤ بالجفاف، أو إدارة إمدادات المياه، أو حل النزاعات حول الموارد المشتركة.
يشدد ساهانا على الحاجة الملحة لمعالجة هذه الفجوات. يضيف: "يظهر تحليلنا الحاجة الواضحة إلى تغيير طريقة إجراء الأبحاث حول الأنهار العابرة للحدود. نحن بحاجة إلى تمكين الباحثين المحليين، وتعزيز الدبلوماسية العلمية، وزيادة التمويل للمناطق المهمشة".
يدعو المؤلفون إلى اتباع نهج أكثر تعاوناً وشمولية لمعالجة هذه القضايا، مع التركيز على الأحواض النهرية والمتوسطة الحجم، التي تعتبر بالغة الأهمية للمجتمعات المحلية، فضلاً عن ضرورة أن تشمل الأبحاث مشاركة المجتمعات المحلية لضمان أن تعكس الحلول احتياجاتهم ورؤيتهم.
وفقاً لساهانا، يمكن أن تساعد هذه التغيرات في تعزيز الإدارة المستدامة والعادلة للأنهار العابرة للحدود، مضيفاً: "يجب أن تركز الشراكات بين الشمال والجنوب على معالجة التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجيوسياسية، مع سد الفجوات المعرفية الحرجة في هذه المجالات الحيوية لضمان إدارة فعالة وعادلة لموارد المياه".
