وافق الاتحاد الأوروبي على لوائح جديدة تهدف إلى تخفيض إطلاق حبيبات البلاستيك في البيئة. وبموجب الاتفاق الذي توصّل إليه المفاوضون من البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد، مساء أمس الثلاثاء، سوف يتعيّن على الشركات التي تتعامل مع حبيبات البلاستيك تبنّي إجراءات احترازية معيّنة لمنع الخسائر عبر سلسلة الإمداد.
وحبيبات البلاستيك التي تعَدّ المواد الخام لتصنيع المنتجات البلاستيكة تتناثر في خلال عمليات النقل، في الغالب، الأمر الذي يمثّل تهديداً بيئياً كبيراً. وبحسب الاتحاد الأوروبي، فإنّ ذلك التناثر هو ثالث أكبر مصدر للتلوّث غير المقصود بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة في بيئة التكتّل. وهذه الحبيبات، التي تكون في العادة صغيرة وموحّدة الحجم وتشبه حبّات الأرزّ، تمثّل اللبنات الأساسية لعالم البلاستيك.
وأفاد البرلمان الأوروبي، في بيان أصدره اليوم الأربعاء، بأنّ اللوائح سوف تطبّق على كلّ الشركات التي تتعامل مع أكثر من خمسة أطنان مترية من حبيبات البلاستيك سنوياً في داخل الاتحاد الأوروبي. وسوف تغطّي اللوائح الشركات التي تستخدم الطرقات البرية أو سكك الحديد أو الممرّات المائية الداخلية، وكذلك مشغّلي السفن الذين يدخلون أو يغادرون موانئ الاتحاد الأوروبي. وتستند القواعد إلى مقترح تشريعي من المفوضية الأوروبية، ويجب اعتمادها رسمياً الآن من قبل كلّ من البرلمان والمجلس الأوروبيَّين قبل دخولها حيّز التنفيذ.
As tiny as a lentil, plastic pellets are the second largest cause of microplastic marine pollution.
The Council and @Europarl_EN have agreed on rules to improve the handling of plastic pellets and reduce unintentional releases into the environment.#ZeroPollution
جسيمات البلاستيك الدقيقة تلوّث الأنهر الأوروبية الكبيرة
من جهة أخرى، أظهرت 14 دراسة نُشرت في مجلة "إنفايرنمنتل ساينس إند بوليوشن ريسرتش" المتخصصة في أبحاث علوم البيئة والتلوّث أنّ المواد البلاستيكية الدقيقة، من بينها حبيبات البلاستيك الخام المُشار إليها آنفاً، تنتشر في الأنهر الأوروبية، من نهر إلبه في ألمانيا إلى نهر إيبرو في إسبانيا مروراً بنهر السين في فرنسا ونهر التيمز في المملكة المتحدة. وأشار جان فرنسوا غيغليون، مدير الأبحاث المرتبطة بالسموم البيئية الميكروبية البحرية في المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية الذي تولّى في عام 2019 تنسيق حملة واسعة شملت تسعة أنهر رئيسية في القارة الأوروبية، إلى أنّ ثمّة تلوّثاً في كلّ الأنهر الأوروبية" التي خضعت للدراسة.
وضمّت مهمة "تارا مايكروبلاستيك" العلمية 40 متخصّصاً في الكيمياء وعلوم الأحياء والفيزياء من 19 مختبر أبحاث، إلى جانب عدد كبير من طلاب الدكتوراه وما بعد الدكتوراه، بدعم من مؤسسة "تارا أوسيان". واعُتمدت في أنهر إلبه وإيبرو وغارون واللوار والرون والرين والسين والتيمز والتيبر الطريقة نفسها مع عمل دقيق لجمع العيّنات المأخوذة من مصبّ الأنهر وتحليلها، ثمّ المجاري المائية إلى أوّل مدينة كبيرة عند كلّ نهر.
وقالت العالمة ألكسندرا تير هالي، من المركز الوطني للبحوث العلمية في تولوز الفرنسية، التي شاركت في إجراء التحليلات، لوكالة فرانس برس إنّ "مواد البلاستيك الدقيقة أصغر من حبّة الأرزّ"، شارحةً أنّها جزيئات أصغر من خمسة مليمترات، وأصغرها غير مرئيّ بالعين المجرّدة. ومن بين هذه المواد ألياف نسيجية صناعية ناتجة عن الغسيل، وجزيئات دقيقة تخرج من إطارات السيارات أو عند فتح سدادة عبوات المياه، أو حبيبات خام من قطاع تصنيع البلاستيك.
De nouvelles méthodes permettent de mesurer la concentration en « petits » microplastiques dans les grands fleuves et révèlent une pollution majeure, alertent les scientifiques @TaraOcean_ https://t.co/BHtfQPa11r
— Mathilde Gracia (@MathildeGracia) April 7, 2025وذكر العلماء أنّ التلوّث "المقلق" الذي رُصد هو في المتوسط "ثلاثة جسيمات بلاستيك دقيقة لكلّ متر مكعّب من المياه" في الأنهر التسعة التي خضعت للدراسة. ومن المؤكّد أنّ هذا الرقم بعيد عن معدّل 40 جسيم بلاستيك دقيق لكلّ متر مكعّب التي رُصدت في الأنهر العشرة الأكثر تلوّثاً في العالم (النهر الأصفر، ويانغتسي، وميكونغ، والغانج، والنيل، والنيجر، والهندوس، وأمور، وبيرل، وهاي هي) التي تروي البلدان التي يُصنّع فيها البلاستيك بمعظمه أو تلك التي تعالج النفايات بمعظمها.
وقد اكتشف العلماء أمراً مستجداً "فاجأهم"، بفضل تطوّر أساليب التحليل التي اعتُمدت في خلال الدراسة. وقال غيغليون لوكالة فرانس برس إنّ "كميات جزيئات البلاستيك الصغيرة، أي تلك التي لا نستطيع رؤيتها بالعين المجرّدة، أكبر من تلك التي نراها". أضاف أنّ "المواد البلاستيكية الدقيقة الكبيرة تطفو وتتجمّع على السطح، فيما تتوزّع المواد البلاستيكية غير المرئية في مختلف أنحاء عمود الماء وتبتلعها حيوانات وكائنات حيّة كثيرة".
ورصدت إحدى الدراسات بكتيريا ضارة على مادة بلاستيكية دقيقة في نهر لوار، قادرة على التسبّب بعدوى لدى البشر. وسُجّلت نتيجة أخرى لم تكن متوقّعة، هي أنّ ربع المواد البلاستيكية الدقيقة التي عُثر عليها في الأنهر غير متأتية من نفايات، بل من مواد بلاستيكية أولية من القطاع الصناعي. وهذه الجزيئات التي يُطلَق عليها تسمية "دموع حورية البحر" نجدها أحياناً على الشواطئ الملوَّثة بعد وقوع حادث بحري. وقد جرى التوصّل إلى هذه النتيجة بفضل إجراء علمي تشاركي واسع أُطلق عليه اسمك "البلاستيك تحت المجهر"، شارك فيه 350 تلميذاً من المدارس المتوسطة والثانوية الفرنسية، أي نحو 15 ألف تلميذ سنوياً أخذوا عيّنات من ضفاف الأنهر.
لكنّ العلماء أحجموا عن وضع ترتيب للأنهر الأوروبية من الأكثر إلى الأقل تلوّثاً، لأنّ الأرقام "متكافئة" بصورة عامة والبيانات غير كافية، بحسب غيغليون. والأمر نفسه في ما يتعلق بتأثير المدن. وتابع غيغليون: "لم نتوصّل إلى رابط مباشر ما بين المواد البلاستيكية الدقيقة ووجود مدينة كبيرة، فالنتائج في أعلى المدينة وأسفلها لا تختلف كثيراً". وأكد أنّ "ما نراه هو تلوّث منتشر ومستقرّ يأتي من كلّ مكان" في الأنهر. ولفت إلى أنّ "التحالف العلمي الدولي الذي نمثّل جزءاً منه (في إطار مفاوضات الأمم المتحدة الدولية بشأن الحدّ من التلوّث بالبلاستيك) يدعو إلى تخفيض كبير في إنتاج المواد البلاستيكية الأولية، لأنّنا نعلم أنّ إنتاج البلاستيك مرتبط كلياً بالتلوّث".
(أسوشييتد برس، فرانس برس، العربي الجديد)
