بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في استخدام أساليب تشمل دعم اعتداءات المستوطنين، وتوسيع الاستيطان الرعوي لإجبار أهالي مسافر يطا على المغادرة، وذلك بعد فشل سياسات التهجير عبر الضغط العسكري.
تواجه منطقة مسافر يطا جنوب محافظة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، إجراءات حثيثة لتهجير الفلسطينيين تشمل تكثيف الاستيطان، ودعمه من المستوى السياسي، وذلك بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي في الخامس والعشرين من مارس/آذار الماضي، على ميزانية العام الحالي، والتي ارتفعت فيها نسبة الأموال المخصصة لدعم الاستيطان 320%، من 123 مليوناً إلى 391 مليون شيكل إسرائيلي.
ومنذ اعتماد الميزانية الجديدة، وسّعت حكومة الاحتلال إجراءات الاستيطان عملياً بقيادة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، وبمشاركة وزيرة الاستيطان، أوريت ستروك، اللذين اقتحما يوم الجمعة الماضية منطقة مسافر يطا، وأقاما فيها حفلاً وزّعا خلاله قرابة 30 مركبة دفع رباعي ومعدّات أمنية على المستوطنين الذي ينشطون في ممارسة الاستيطان الرعوي.
ويقول مدير عام التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داوود في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "منذ رفع قيمة تمويل الاستيطان في الموازنة الإسرائيلية، بدأ تحرك ملحوظ على الصعيد اللوجستي، لا سيما في شراء مركبات الدفع الرباعي، وتوفير تجهيزات أمنية إضافية للمستوطنين، وكان لافتاً الطابع الاستعراضي الذي يرافق تسليم هذه المعدات للمستوطنين، فرغم أنهم اعتادوا في السابق الحصول على هذه الأشياء، ومن بينها طائرات مسيّرة ومركبات ومعدات أمنية، إلا أن المختلف حالياً يتمثل في التسليم العلني، وتنظيم حفلات التسليم، الأمر الذي يعكس حرص قادة اليمين الإسرائيلي على إيصال رسائل واضحة للمجتمع الإسرائيلي مفادها أن اليمين المتطرف يعمل بقوة، وأنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية".
تزايد عدد البؤر الرعوية في منطقة مسافر يطا من 12 إلى 20 بؤرة
وتواجه منطقة مسافر يطا توسعاً ملحوظاً للاستيطان الرعوي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إذ تزايد عدد البؤر الرعوية في المنطقة من 12 إلى 20 بؤرة، وزاد عدد البؤر الرعوية في مناطق جبل الخليل إجمالاً عن 25 بؤرة ينشط فيها المستوطنون المسلّحون بحماية من قوّات الاحتلال.
ويقول رئيس مجلس قروي مسافر يطا نضال أبو عرام في حديث مع "العربي الجديد"، إن "كل بؤرة رعوية تسيطر على مساحة لا تقل عن 5 كيلومترات مربعة من الأراضي الفلسطينية في المسافر، وقد تصل إلى أكثر من 10 كيلومترات، علماً أن كل بؤرة فيها عدد قليل من المستوطنين أحياناً، لكنهم جميعاً مسلّحون، ويحميهم جنود الاحتلال".
وشارك في الحفل الاستيطاني لوزير المالية ووزيرة الاستيطان، رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات جنوب الخليل، إضافة إلى مستوطن شهير يُدعى بتسلئيل طاليا، والذي يعتبر نفسه المسؤول عن المستوطنين في المنطقة، وخلال الحفل، قال سموتريتش من على أرض مسافر يطا، وتحديداً من منطقة "أم الخوص" المحاذية لقرية "جنبا" التي أقيمت عليها البؤرة الرعوية الاستيطانية "نوف نيشر"، إن الحكومة الإسرائيلية "زودت هذه المزارع بسيارات وكاميرات مراقبة ليلية، فهؤلاء المستوطنون بحاجة إلى الأمن، وإلى مزيد من الأمن، وكل ما يلزم لضمان حمايتهم".
ويشار إلى أن هذه البؤرة الرعوية كانت الأولى في مسافر يطا، وبدأ المستوطنون المكوث فيها منذ عام 1996، ثم جرت توسعتها في يونيو/حزيران 2023، وهي مقامة على أراضٍ فلسطينية خاصّة.
ويوضح أبو عرام أن "الاستيطان الرعوي هو أبرز أسلوبٍ يعتمده الاحتلال في مسافر يطا، لما له من تأثير مباشر على مصادر رزق السكّان الفلسطينيين الذين يعتمدون بالأساس على الرعي والزراعة، لا سيّما بعد فشل محاولات الاحتلال في تهجير قرى وتجمّعات المسافر عبر إجراءات الهدم المتكرر، وإصدار المحكمة الإسرائيلية قراراً باعتبار أراضي المسافر (مناطق إطلاق نار) في عام 2022. لذا يعمد الاحتلال إلى محاربة الأهالي في أرزاقهم ومناطق عيشهم عبر مستوطنيه من خلال نشر الاستيطان الرعوي الذي يعتمد على احتلال الأرض وسرقة المواشي الفلسطينية".
ويلفت إلى أنه "خلال العامين الماضيين، كان سكّان مسافر يطا يملكون نحو 24 ألفاً من رؤوس الأغنام والمواشي، والتي يعتمدون عليها بوصفها مصدر رزق، أما في العام الحالي، فلا يتجاوز عدد ما يملكونه 8 آلاف رأس فقط، وهذا الانخفاض الكبير في الأعداد جاء بفعل سرقات المستوطنين للمواشي، أو قيامهم باستهدافها بالرصاص، أو قتلها عبر التسميم. في المقابل، يتزايد عدد المستوطنين الذين يمارسون الاستيطان الرعوي في المنطقة، ومعهم أغنام وأبقار وجِمال تُقدّر أعدادها حالياً بأكثر من أربعة آلاف رأس، ومعظمها مسروقة من الفلسطينيين".
ويعتمد المستوطنون على مركبات الدفع الرباعي التي وزّعها عليهم سموتريتش، وهي مركبات حديثة يمكنها السير في الطرق الوعرة، ما يسمح لهم باقتحام المناطق الزراعية والرعوية الفلسطينية البعيدة عن الشوارع والطرقات، خاصّة أن كل مركبة تتّسع لأربعة مستوطنين، ما يسهل تنفيذ الهجمات ضد المزارعين والرعاة الفلسطينيين.
ويؤكد أبو عرام أن البؤر الاستيطانية الرعوية الثماني الجديدة تشهد إجراءات لتمديد خطوط المياه والكهرباء، وشق طرق جديدة لربطها ببعضها؛ بهدف عرقلة حركة الفلسطينيين أو منعهم من الوصول إلى أراضيهم.
ويعزو مدير التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أمير داوود، أسباب التحول الإسرائيلي المكثّف نحو الاستيطان الرعوي في مسافر يطا إلى "طبيعة الحكومة الإسرائيلي الحالية، والتي تضم في صفوفها قيادات من المليشيات الاستيطانية التي مارست في السابق الاستيطان على الأرض بشتى أشكاله، خاصّة وأن بعضهم متهمون بقضايا جنائية بحسب قوانين الاحتلال نفسه، وقد شهد الخطاب الرسمي الإسرائيلي بدوره تحولاً لافتاً، من محاولة التماهي الشكلي مع القانون الدولي، إلى خطاب غير معني أصلاً بالمجتمع الدولي، ولا يخفي طموحاته الاستيطانية".
ويتابع: "يمكن القول إن فشل سياسات ترحيل أو تهجير سكّان المسافر السابقة عبر الضغط العسكري، دفع سلطات الاحتلال إلى استخدام نوع جديد من العدوان، يتمثل في اعتداءات المستوطنين المباشرة، وتوسيع الاستيطان الرعوي بهدف خلق بيئة طاردة للسكان، وتكمن خطورة هذا الوضع في مسافر يطا في موقعها الحدودي مع أراضي الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وهي مناطق يعتبرها الاحتلال جزءا من مشروعه لإلغاء الحدود القائمة، ودمج مناطق جنوب الضفة مع أراضي الداخل، وهو ما يكشف عن هدف استراتيجي أوسع لضم هذه المناطق، وفرض واقع جديد على الأرض التي ينظر إليها اليمين الإسرائيلي المتطرف باعتبار أنها (أرض الميعاد)، وما يجري في الخليل لا يعدو كونه نموذجاً لمشاريع استيطانية أكبر تُرسم في مختلف مناطق الضفة الغربية".
وتُقدّر مساحة المناطق المُعلنة مناطق "إطلاق نار" في مسافر يطا بنحو 35 ألف دونم، إضافة إلى نحو 30 ألف دونم من الأراضي غير المصنفة، ليبلغ المجموع نحو 65 ألف دونم، جميعها ضمن المناطق المصنفة "ج" بحسب اتفاق أوسلو، إضافة إلى منطقة البادية المجاورة التي تُقدّر مساحتها أيضاً بنحو 65 ألف دونم، وبالتالي فإن مجموع الأراضي المعرّضة لخطر الاستيلاء من قبل الاحتلال يبلغ نحو 130 ألف دونم.
وبحسب رئيس مجلس قروي مسافر يطا، نضال أبو عرام، فقد ساهمت المخططات الإسرائيلية منذ ثمانينيات القرن الماضي، والمعروفة بـ"مخطط آلون"، في عزل قرى وتجمعات المسافر عن بعضها من خلال إقامة أربع مستوطنات رئيسية هي "حافات ماعون"، و"كرمئيل"، و"سوسيا"، و"بيت يتير"، إلى جانب الشارع الالتفافي 317، والذي يشكّل حاجزاً ديموغرافياً يفصل بين مسافر يطا ومدينة يطا، كما يُمنع البناء الفلسطيني في هذه المناطق، وتُمارس سياسة هدم ممنهجة ضد المنازل، ما يبقي القرى معزولة ومهددة بالتهجير القسري.
ورداً على سؤال حول مطالب سكّان مسافر يطا من الجهات الرسمية الفلسطينية، يجيب أبو عرام: "لا تملك السلطة الفلسطينية ما تقدمه للأهالي في مواجهة هذه الوحشية الاستيطانية. في 28 مارس الماضي، وثّق الأهالي اعتداءً وحشياً نفذه مستوطنون على سكان قرية جنبا، ولم تتواصل أي جهة رسمية فلسطينية معهم حتى الآن، والسبيل الوحيد المتاح أمام الناس هو الصمود في أرضهم، والدفاع عن مصادر رزقهم".
