الاقتصاد المصري في الحرب: أعباء تثقل الأسواق وتؤخر التعافي

منذ ٢ ساعات ١٢

ألقت الحرب المشتعلة بين إسرائيل وإيران بثقلها على مفاصل الاقتصاد المصري، الذي بالكاد بدأ يتلمّس طريقه نحو استقرار هش بعد سنوات من الأزمات المتراكمة. وفيما يتبادل الطرفان الضربات العسكرية، تتوالى التداعيات على أسواق المنطقة، وتُفتح صفحة جديدة من المخاطر الاقتصادية أمام مصر، التي تجد نفسها مرة أخرى رهينة حسابات إقليمية لا تملك أدوات التأثير فيها، مع ذلك، تتحمل تبعاتها.

القلق لا يقتصر على الدوائر السياسية، بل يمتد بعمقه الكامل إلى قاعات التداول في البورصة، ورفوف السلع في الأسواق، وغرف الفنادق في المدن السياحية، وحتى أنابيب الغاز التي فقدت صلابتها تحت ضغط الجغرافيا المشتعلة. وبينما تتجه الأنظار نحو جبهات المواجهة، فإن الجبهة الاقتصادية المصرية يُعاد رسم معالمها بصمت، ولكن بأثر عميق.

يرى الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب في حديث مع "العربي الجديد" أن الأزمة الراهنة قد تحمل في طياتها فرصة، إذ يمكن أن تشكّل دافعًا لإعادة النظر في الاتفاقيات الحالية مع إسرائيل بشأن الغاز، وربما إلغائها لصالح تنشيط الاستثمارات المحلية في التنقيب والإنتاج، خصوصًا في حقول مثل "ظهر"، الذي يواجه تحديات تشغيلية متكررة.

لم يسلم قطاع السياحة بدوره من الارتباك، إذ سُجلت إلغاءات ملحوظة في الحجوزات إلى مناطق مثل شرم الشيخ ودهب وطابا، خاصة من قبل الأسواق الأوروبية. وقد عبّر أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة رشاد عبده لـ "العربي الجديد" عن قلقه من أن تؤدي الحرب إلى توقف التعافي الذي بدأ القطاع يشهده بعد سنوات من الاضطرابات.

تأثر القطاعات في الاقتصاد المصري

في المقابل، يرى عبد المطلب أن تداعيات الحرب على السياحة لا تزال محدودة، مستدلًا بعدم صدور أي تحذيرات أو حظر سفر رسمي تجاه مصر حتى الآن، مشيرًا في حديثه للعربي الجديد إلى أن إيرادات القطاع تجاوزت 18 مليار دولار. لكن، وكما يتوقع خبراء، فالحذر واجب، حيث التاريخ علّمنا أن السياحة أول من يتلقى الصدمة وآخر من يتعافى".

على مستوى أوسع، قفزت أسعار النفط بنسبة 9% لتصل إلى نحو 76 دولارًا للبرميل، ما ينذر بزيادة جديدة في فاتورة الواردات المصرية، ويثقل كاهل الموازنة العامة التي ترزح أصلاً تحت ضغط الدعم والعجز. رشاد عبده يحذر من أن تجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار، كما توقع بنك "جي بي مورغان"، سيشكل عبئًا غير مسبوق، مشيرًا إلى أن مصر تستورد جزءًا كبيرًا من احتياجاتها البترولية والغذائية، وكلاهما سيُصيب التضخم في مقتل.

إلا أن بعض التقارير أشارت إلى أن الحكومة استفادت جزئيًا من عقود مسبقة لاستيراد الغاز بأسعار منخفضة، وهو ما وفر نحو نصف مليار دولار من الفاتورة الكلية، غير أن هذه الوفرة تبدو محدودة في ظل توقعات استمرار الحرب أو توسعها. كل هذه الضغوط مجتمعة تُنذر بموجة جديدة من التضخم، مصحوبة بارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، ما يؤثر على الواردات ويضغط على الطبقة المتوسطة والفقيرة على حد سواء. "ارتفاع أسعار التأمين وحده كفيل برفع أسعار السلع بنسبة قد تتجاوز 15% في بعض القطاعات"، يقول محمد عبد الهادي، خبير الأسواق المالية.

وأعرب عبد الهادي لـ"العربي الجديد" عن تخوفه من سيناريو شبيه بأزمة الأموال الساخنة التي شهدتها مصر بعد الحرب الأوكرانية، والتي أسفرت عن خروج نحو 20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين، مع اضطراب سوق الصرف وتراجع الاحتياطيات. في مواجهة هذا المشهد الضبابي، أعلنت الحكومة المصرية تشكيل لجنة أزمة تضم وزراء المالية والاقتصاد والطاقة، إضافة إلى الأجهزة الأمنية، لمتابعة التطورات أولًا بأول.

وتركز اللجنة على ثلاث أولويات رئيسية: تأمين المخزون الاستراتيجي للسلع، تثبيت الوضع النقدي، وضمان استمرارية إمدادات الطاقة.

ومع ذلك، لم تسلم الحكومة من النقد، إذ اعتبر رشاد عبده أن غياب الدراسات الاستشرافية و"التخطيط لما بعد الكارثة" هو أحد أبرز مظاهر العجز. فـ "اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل لم يكن مفاجئًا بالكامل، وكان ينبغي إعداد سيناريوهات مسبقة"، كما يقول، داعيًا إلى إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية. من جهته، يدعو محمد عبد الهادي إلى إعلان ما سماه "اقتصاد الحرب"، عبر إجراءات تقشفية فورية، تتضمن تقليص الاستهلاك، وتعظيم الاعتماد على المنتج المحلي، وتحفيز التصنيع الوطني، فـ"لن يكون هناك مفر من شعار 'صُنع في مصر'، ليس فقط للكرامة الوطنية، بل للاستدامة الاقتصادية" بتعبيره.

ورغم غلبة نبرة التحذير، يلمح بعض المحللين إلى بصيص أمل قد يلوح من قلب العاصفة. فالاضطرابات في الخليج، لا سيما بعد تهديد إيران الإمارات بسبب دعمها اإسرائيل، قد تدفع مستثمرين خليجيين إلى إعادة توجيه أموالهم إلى مصر بحثًا عن ملاذ أكثر استقرارًا. عبد الهادي يرى في ذلك فرصة لا يجب تفويتها، مقترحًا أن تعقد الحكومة مؤتمرًا استثماريًا دوليًا يُظهر استعداد مصر لتكون البديل الآمن في المنطقة. "العالم يبحث عن استقرار، ومصر قادرة على تقديمه، بشرط أن تُمسك بزمام المبادرة".

قراءة المقال بالكامل