عاد الهرم التعليمي في لبنان ليستقر على قاعدته بعد أشهر من الفوضى الناتجة من نزوح نحو مليون ونصف المليون من بيوتهم وقراهم بفعل العدوان الإسرائيلي.
منذ البداية، لم ينجح تأجيل بدء العام الدراسي في امتصاص النقمة التي أثارها قرار رفع قيمة التسجيل بالمدارس الحكومية إلى ما يوازي خمسين دولاراً أميركياً، علما أن قيمة التسجيل لغير اللبنانيين توازي مائة دولار، بينما رسوم الدراسة في المدارس الخاصة تبلغ أضعاف ذلك.
وكان آخر ما صدر عن وزير التربية عباس الحلبي قبل العدوان، إعلانه بدء التدريس اعتباراً من التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على أن يسبق ذلك صدور القرار المتعلق بالتعويضات المالية وكيفية صرفها. في القطاع الخاص باشرت مدارس التدريس في نهاية شهر أغسطس/آب أو مطلع سبتمبر/أيلول.
سريعاً، وبفعل مئات الغارات الجوية اليومية والقصف بأنواعه، أقفلت مدارس القطاعين العام والخاص في الجنوب وبيروت والضاحية والبقاع والجبل وغيرها، واستمر هذا الحال حتى إقرار وقف إطلاق النار، ليعود بعده المعلمون والتلاميذ إلى صفوفهم.
تتنوع معضلات المدارس اللبنانية، والرسمية منها تحديداً، في كل موسم دراسي، حتى أن الوزارة اضطرت خلال العام الماضي إلى تسهيل المقررات والأسئلة، وتقليص المواد في امتحانات الثانوية العامة بنسبة 40%، فيما ألغت امتحانات الشهادة المتوسطة (البروفيه).
لا يمكن أيضاً تجاهل الأيام الدراسية الضائعة نتيجة نقص التمويل، ففي السنوات السابقة كانت أيام الدراسة 180 يوماً، لكنها انخفضت إلى 96 في عام 2020، ثم إلى نحو 60 يوماً خلال العامين الماضيين. ما يفسر إصرار لبنانيين على تسجيل أبنائهم بالمدارس الخاصة التي تحصل على حصة توازي الثلثين من عدد التلاميذ رغم تراجع دخل المواطنين.
وتنوعت في غضون السنوات الماضية الأزمات التي عاناها طلاب لبنان، من كورونا، إلى انفجار المرفأ، فإضرابات المعلمين تحت وطأة أجورهم المنهارة التي وصلت إلى أقل من خمسين دولارا شهرياً، فضلاً عن وجود نسبة عالية من أرباب العائلات العاطلين من العمل من جراء الانهيار الاقتصادي.
وأظهر تقرير لمنظمة "يونيسف"، في يونيو/حزيران الماضي، أن 15% من العائلات توقفت عن تعليم أبنائها مقارنة مع 10% قبل عام واحد، كما أن عائلة من أصل عشر عائلات اضطرت إلى إرسال أطفالها، وبينهم من هم في سن السادسة، إلى سوق العمل. ومن شأن هذا الخيار أن يقود هؤلاء الصغار إلى الأمية الكاملة، ويؤثر على أوضاعهم الصحية والاجتماعية، كما يدفع الفتيات منهم إلى الزواج المبكر.
وناشدت المنظمة الأممية حكومة لبنان توفير التمويل للتعليم يضمن رواتب المعلمين والطاقم التعليمي، وزيادة الإنفاق على القطاع، وهو ما لم يتحقق حتى الآن بالنظر إلى تراجع قدرة الحكومة على فرض ضرائب إضافية في ظل حال من البطالة والركود في معظم القطاعات.
(باحث وأكاديمي)
