التغيّرات المناخية تفاقم الهجرة الجماعية الداخلية في تونس

منذ ٢ شهور ٣٨

رحل التونسي حسان بن صالح مع أفراد عائلته من منطقة جدليان بمحافظة القصرين قبل سنتين إلى مدينة سوسة الساحلية بعدما يئس من العمل في الزراعة. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم تُحقق أعمال الفلاحة التي نفذتها في قريتي أرباحاً مناسبة لي نتيجة الجفاف الذي شهدته تونس على غرار العديد من الدول خلال السنوات الأخيرة".
ويوضح أنه يعمل في زراعة الخضار منذ أكثر من عشر سنوات، باعتبار أن "غالبية سكان المنطقة التي أقطنها تعتمد على أعمال الفلاحة، لكن الإنتاج تراجع كثيراً بسبب تواصل الجفاف وعدم وجود آبار، كما ارتفعت أسعار البذور وتكلفة الإنتاج. وحتى تربية الماشية باتت تواجه مشاكل كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف. وهكذا لم يتوفر إلا حلّ الهجرة للبحث عن مورد رزق جديد في المدينة".
ويعمل حسان اليوم في البناء وزوجته مساعدةً في منزل، ويؤكد أن الهجرة من الريف إلى المدينة لم تكن قراراً سهلاً بالنسبة إليه، بل الخيار الأخير الذي توفر له بعدما تضررت مزروعاته بسبب التغيّرات المناخية، وانعدام أيّ فرص عمل أخرى في منطقته النائية.
وتعمّق اللامساواة المتعاظمة بين المناطق الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين محافظات الشمال والساحل، خصوصاً مع انعدام فرص العمل في القرى والأرياف، وغياب أي حوافز للتشجيع على الاستثمار في أي مجال. ويترافق ذلك مع ارتفاع معدلات البطالة إلى نحو 15% في عموم البلاد، ووصولها إلى 26% في الشمال الغربي و21% في الجنوب. 
وعموماً، كانت غالبية الدراسات الرسمية وتلك للجمعيات تُفسّر الهجرة الداخلية على مدى سنوات بأسباب اقتصادية أو اجتماعية، لكن التركيز زاد على تداعيات التغيّرات المناخية على السكان نتيجة شحّ المياه والجفاف بسبب نقص الأمطار الذي أثرّ بشكل كبير على الإنتاج الزراعي. 
وإذ يُعتبر القطاع الفلاحي أبرز مصدر للرزق في المناطق الريفية، دفعت التغيّرات المناخية العديد من الأسر إلى الهجرة للبحث عن موارد رزق جديدة. وأظهرت دراسة أجراها البنك الدولي وأصدرها في يوليو/ حزيران الماضي أنّ "تغيّر كميات إمدادات المياه باتت الدافع الرئيسي للهجرة الداخلية بسبب المناخ، وهي ستجبر الناس على ترك المناطق الساحلية والداخلية وتبطئ النمو السكاني على امتداد الساحل الشمالي الشرقي لتونس، وهي البؤر الساخنة للهجرة الخارجية، كما قد تجعل أماكن عدة ذات وضع أفضل على صعيد إمدادات المياه المتاحة بدورها بؤراً ساخنة للهجرة الداخلية على غرار العاصمة". 

ووضعت وزارات في تونس برامج لتشجيع الفئات الهشة على إنشاء مشاريع خاصة في مناطقها، ووضعت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن تصوّراً جديداً لريادة الأعمال النسائية على مستوى نوعية الاستثمار، وتيسير نفاذ النساء إلى المجالات الاقتصادية، وتعزيز القدرات التنافسية خصوصاً في المناطق الداخلية. وأطلق برنامج "رائدات" الوطني للأعمال النسائية والاستثمار الذي يراعي النوع الاجتماعي بهدف دفع المبادرة الاقتصادية النسائية في كل المحافظات والمناطق ذات الأولوية والأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية، وأيضاً دعم مشاريع تستهدف نساءً يعيشون في أوضاع هشّة. ويمتد تنفيذ برنامج "رائدات" حتى عام 2026، وسيسمح بإنشاء 3000 مشروع نسائي، بمعدل 600 مشروع سنوياً، باعتمادات تقدر بـ50 مليون دينار (15 مليون دولار) من ميزانية الدولة.
وأكدت وزارة المرأة أنّ برنامج "رائدات" يستهدف نساء تتراوح أعمارهن بين 18 و59 سنة من مستويات علمية مختلفة، من الأمية وصولاً إلى صاحبة شهادة الدكتوراه، كما يشمل النساء والفتيات في المناطق الريفية والحضرية على السواء. وقد انتفعت أكثر من 1900 امرأة وفتاة من مختلف المحافظات بموارد رزق في إطار برامج التمكين الاقتصادي والدعم الذي شمل 34 مجمعاً تنموياً فلاحياّ نسائياً في 13 محافظة، وأيضاً عبر برنامج التمكين الاقتصادي لأمهات التلاميذ المهددين بالانقطاع المدرسي الذي أنقذ نحو 4438 تلميذاً من الانقطاع المدرسي باعتمادات جرى تقديرها لـ1.5 مليون دولار.

وكانت وزارة التشغيل أكدت خلال مناقشة ميزانية الدولة لعام 2025 أن مشروع القانون ارتكز على تعزيز السياسات الاجتماعية والتوجّه إلى دعم الفئات الهشة من خلال توفير خطوط تمويل لدعم كافة الشرائح، وبينها العاملات الفلاحيات والأشخاص ذوو الإعاقة.
وخلال المنتدى السنوي لدراسة أسباب الهجرة الذي عقد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أشار وزير الشؤون الاجتماعية عصام الأحمر إلى أنّ الحدّ من الهجرة السرّية والتنقل البشري في ظل المتغيّرات المناخية يتطلب المزيد من العناية بالاقتصاد الأخضر، وتشجيع الأشخاص على البقاء والصمود في مناطقهم الأصلية من خلال وضع برامج محفزة للمشاريع التنموية. وأكد أنّ عامل تغيّر المناخ وعلاقته بحركة الهجرة يحتّم التيقظ ومحاولة استباق السيناريوهات المحتملة لتحديد أنماط الهجرة الداخلية والخارجية، وذلك من خلال توفير آليات تدعم المرونة والقدرة على التكيّف ووضع خطط وبرامج على المدى القريب والمتوسط والبعيد.

قراءة المقال بالكامل