"الثقافة السياسية" في المنطقة العربية.. أحد عشر باحثاً

منذ ٢ أيام ١٧

صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة كتابُ "الثقافة السياسية: دراسات عن المنطقة العربية ومنها". وهو مؤلّف جماعي حرّره محمد حمشي، ويضمّ مقدّمة وعشرة فصول، ويقع في ‏‏423 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرساً عامّاً.‏ يسعى الكتاب إلى إعادة إحياء مبحث الثقافة السياسية في سياق المنطقة العربية بما هو مبحثٌ علمي، يَبني على تقليد واسع من الأدبيات، المفهومية والنظرية والإمبريقية، ويشتبك مع جملة من الأسئلة التي تلحّ السياقاتُ العربية في طرحها على الباحثين في العلوم الاجتماعية عامةً.

يقدّم المفكّر العربي عزمي بشارة في الفصل الأول، "الثقافة السياسية: ملاحظات عامة"، مساهمةً نقديةً وتأمّليةً في تأطير النقاش بشأن الثقافة السياسية، مفهوماً ونظريةً، سواء في فصول الكتاب أو خارجها؛ وهي تمثّل مداخلة عربية في النقاش من خارج السياق الجيوثقافي الذي تطوّر فيه مفهوم الثقافة السياسية ونظريتُها. وهذه الملاحظات هي: مسألة الثقافة المدنية، والثقافة والانتقال من المواقف إلى السلوك السياسي، ومسألة الأخلاق العمومية، و"النظريات" الثقافية في الديمقراطية التي تولّدت من التحالف مع الدكتاتوريات، والثقافة السياسية والعبودية بين ألكسيس دو توكفيل وبارينغتون مور، والثقافة السياسية والانتقال إلى الديمقراطية، ونقّاد الثقافة والنضال من أجل الديمقراطية.

وفي الفصل الثاني، "التوجّهات الانفعالية والثقافة السياسية الديمقراطية"، ينطلق رجا بهلول من تعريف غابرييل ألموند وسيدني فيربا للثقافة السياسية وتمييزهما بين مكوّناتها الإدراكية والانفعالية والتقييمية، ثم يُقدّم مناقشة نقدية في مفهوم الثقافة السياسية التقليدي مبيِّناً إخفاقه في التمييز بين الانفعالي والتقييمي، وتجاهله عناصر الرغبة والسلوك في الثقافة السياسية. ثم يتصدّى الفصل لإعادة فحص مفهوم الثقافة السياسية الديمقراطية، والتوجهات الانفعالية الكامنة فيها. 

يقدّم المفكّر العربي عزمي بشارة مساهمةً في تأطير النقاش بشأن الثقافة السياسية مفهوماً ونظريةً

أما في الفصل الثالث، "تحديات الشبكات الاجتماعية الرقمية لنظرية الثقافة السياسية الكلاسيكية"، فيتصدى حسن احجيج للتحديات التي تفرضها تحوّلات الثقافة السياسية في المجتمع الرقمي على نظرية الثقافة السياسية الكلاسيكية. وفي السياق نفسه، تتناول مروة فكري وعمرو عثمان في الفصل الرابع، "الثقافة السياسية والإنترنت ومفارقة الذاكرة الجمعيّة: دروس من ثورة 25 يناير 2011 في مصر"، أثر الاستخدام المتزايد لشبكة الإنترنت في الثقافة السياسية، والحدود التي تفرضها على دور الدولة والنخبة في تشكيل الثقافة السياسية والذاكرة الجمعية. ومن خلال دراسة حالة ثورة 25 يناير في مصر، يناقش الفصل الكيفية التي يتذكّر الأفراد من خلالها الحدث والقيم والرموز والمعاني التي ينطوي عليها ذلك التذكّر، ومدى الاتفاق أو الاختلاف على رواية (أو روايات) السلطة للحدث، ودلالة كلّ ذلك فيما يخصّ ثقافة المجتمع السياسية عموماً، وفرص "نموّ ثقافة المصالحة فيه خصوصاً".

ليس بعيداً عن حالة مصر، يناقش عبد الوهاب الأفندي في الفصل الخامس، "الثقافة سلاحاً: حروب الثقافة وثقافات الحروب في الولايات المتحدة ومصر"، التقاطعات بين الثقافة والثقافة السياسية من خلال المقارنة بين حالتَي الولايات المتحدة الأميركية ومصر. وبعد مناقشة مستفيضة لمفهوم "حروب الثقافة"، تتخلّلها مقارنة بين مظاهر حروب الثقافة في الحالتَين الأميركية والمصرية، يخلص الأفندي، من بين استنتاجات أُخرى، إلى أن الثقافة الواحدة ليست ضماناً للانسجام، بل قد تشكّل إطاراً لخصومات عنيفة بسبب المنافسة وشعور بعض المكونات بالتهديد، خاصة في سياق التغيرات المتسارعة. وفي الحالتَين الأميركية والمصرية، كانت التحولات الكبرى في المنظومات الثقافية نفسها عاملاً مهمّاً في المشهد السياسي، وبعض أدوات تشكيله.

في الفصل السادس، "الديمقراطية واتجاهات الثقافة السياسية: نتائج جديدة من أبحاث استطلاعات الرأي العام في ستة بلدان عربية" (هي الجزائر ومصر والأردن والمغرب وفلسطين وتونس)، واستناداً إلى بيانات مستقاة من الباروميتر العربي ومن نتائجَ نشرتها الدورية الدولية للعلوم الاجتماعية في عام 2009، يحاول مارك تسلر ردم فجوة واسعة في الأدبيات التي تتناول العلاقة بين توجهات المواطنين والديمقراطية في البلدان العربية، التي عانت قصوراً في توافر البيانات الخاصة بالاتجاهات والقيم والسلوك. 

الثقافة السياسية بما هي مبحثٌ علمي، يبني على تقليد واسع من النظريات

وفي سياق التمييز بين ثقافة المجتمع أو ثقافة الشعب السياسية وثقافة النُّخب السياسية (للدقة، الثقافة السياسية لدى النخب السياسية)، يتناول الفصل السابع، "ثقافة النخب السياسية والاستجابة لتراجع الديمقراطية في تونس"، الذي ألّفته هيفاء سويلمي، والفصل الثامن، "ثقافة النخب السياسية وإعادة إنتاج السلطوية في المغرب"، الذي كتبه عبد الإله سطي، حالتَي النخب السياسية في تونس والمغرب، على التوالي، مع التركيز على دور ثقافتها السياسية في تراجع الديمقراطية في الحالة الأولى، وفي إعادة إنتاج السلطوية في الثانية.

وفي الفصل التاسع، "الثقافة السياسية والتصدعات الاجتماعية والديمقراطية: دراسة حالة الجزائر"، يناقش الباحث سؤالَيْ تأثّر الثقافة السياسية بأبنية التصدّع الاجتماعي، وأثر تراكم التصدّعات وقوّتها في تأييد الديمقراطية وتبلور قيم ثقافية مشجّعة على الديمقراطية، معتمداً في ذلك على التحليل الإحصائي لمجموعة من البيانات المستقاة من معطيات المسح العالمي للقيم، وعلى مؤشّرات الديمقراطية لدى وحدة تحليل مجلّة ذي إيكونوميست. وعودةً إلى حالة تونس، يوظف عبد الله جنوف أداة تحليل الخطاب في الفصل العاشر، "النبز خطاباً للثقافة السياسية: دروس من تونس"، ويتناول بالتحليل خطاب الإهانة وظاهرة النبز في الفضاء العام، الواقعي والافتراضي منه، في تونس، ويحاجّ بأن النبز في فترة ما بعد ثورة عام 2011 يمكن أن يشكّل مدخلاً مفيداً لدراسة الثقافة السياسية.

تتوزّع فصول الكتاب بين دراسات نظرية تناقش المفهوم وتحولاته، ودراسات عينية تتناول حالات عربية محددة، لكنّ جلَّها يساهم في النقاش المفهومي والنظري أيضاً. وتكمن ميزته في أن المساهمين فيه، باستثناء مارك تسلر الذي ألَّف الفصل السادس، كلّهم باحثون عرب يأتون من خلفيات معرفية متباينة، من الفلسفة وعلم السياسة وعلم الاجتماع والتاريخ، وغيرها، ومنهم من يشتغل بالموضوع من منظور عابر للحقول المعرفية. وفضلاً عن ذلك، يوظّف المساهمون في الكتاب مقاربات منهجية متنوعة، من النقدية إلى التأويلية إلى التفسيرية.

قراءة المقال بالكامل