رمت السلطات الجزائرية الكرة في ملعب نظيرتها الفرنسية بعدما تحدت باريس بتنفيذ تهديدات بحجز وتجميد أموال وممتلكات مسؤولين جزائريين في فرنسا. وكشفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، في مقال اليوم الخميس، أن باريس سبق ورفضت التعاون مع الجزائر في مجال ملاحقة تهريب الأموال واسترجاعها. وجاء في مقال وكالة الأنباء التي تديرها الرئاسة: "في هذه القضية بالذات، تقول الجزائر، شعباً وحكومةً ومؤسسات، لهؤلاء: "تفضلوا ونفذوا ما تتحدثون عنه!"، مشيراً إلى أن "الجزائر هي التي طلبت من فرنسا تفعيل آليات التعاون القضائي في إطار قضايا "الممتلكات المكتسبة بطرق غير مشروعة"، دون أن تلقى أي استجابة تذكر".
وتابع المقال: "الجزائر التي وجهت إلى العدالة الفرنسية واحداً وخمسين إنابة قضائية دولية، لم تحظ بأي رد يذكر. وهي الجزائر التي طلبت كذلك من فرنسا تسليم العديد من الأشخاص المُدانين بالفساد وسرقة وتبديد ونهب الأموال العامة، دون أن تجد أي تجاوب يذكر". وجاء الرد الجزائري في أعقاب نشر صحيفة "ليكسبرس" الفرنسية تسريبات عن تحضير وزارتي الاقتصاد والمالية والداخلية قراراً يقضي بـ"تجميد أصول مسؤولين جزائريين رداً على رفض الجزائر استقبال رعاياها الصادر بحقهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية"، وكذلك سعي السلطات الفرنسية لـ"تجميد ممتلكات مسؤولين جزائريين في فرنسا من خلال منعهم من الوصول إلى عقاراتهم أو ممتلكاتهم الأخرى"، قد تشمل تجميد أصول لا يقل عن 801 منهم ممن تصفهم باريس بأفراد النخبة الجزائرية بين مسؤولين وأفراد عائلاتهم لديهم مصالح مالية في فرنسا.
ويوجد بين هؤلاء نحو 20 شخصية بارزة من السلطة الجزائرية، في إطار ما تصفه باريس بـ"التدابير التصعيدية المتدرجة" ضد مسؤولين جزائريين في خضم الأزمة السياسية الحادة بين البلدين. واعتبر الجانب الجزائري أن عدم تعاون باريس مع المطالب الجزائرية المتكررة بشأن ملاحقة واسترجاع الأموال المنهوبة وتسليم مطلوبين، بينهم وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب، وقائد الدرك الأسبق عبد العالي بلقصير، وغيرهم، يعد "تواطئاً". وأفاد المقال بأنه "بمثل هذا التقصير، تضع السلطات الفرنسية المعنية نفسها موضع المتواطئ في كل هذه الممارسات الخارجة عن القانون. وإن كان الأمر يتعلق بتنظيف إسطبلات أوجياس (كناية عن الإهمال والفوضى)، فلتبدأ فرنسا بتنظيف إسطبلاتها أولاً، عسى أن يكفل لها ذلك كسب قسط من المصداقية والجدية، وهي أحوج ما تكون إلى ذلك في هذا الظرف بالذات".
واعتبر التقرير الجزائري المسؤولين الفرنسيين، الذين يقفون وراء هذه التهديدات، يجهلون حقائق ومتغيرات في الجزائر تختلف عن التصورات التي لديهم، مشيراً إلى أن هذه التهديدات ذات الصلة بتجميد أموال وممتلكات مسؤولين جزائريين "لا تثير من جانب الجزائر سوى الازدراء واللامبالاة، فعليهم أن يدركوا الحقيقة: حقيقة أنهم لا يخاطبون الجزائر الحقيقية، بل جزائر أخرى لا توجد إلا في مخيلتهم، أي تلك الجزائر التي لا يستطيعون وصفها إلا بمصطلحات مثل "النظام"، "السلطة"، "كبار النافذين"، أو "النخبة الحاكمة". فهذه الجزائر لا وجود لها إلا في أوهامهم وتصوراتهم الجنونية".
وفي سياق آخر، استهجن مقال وكالة الأنباء الجزائرية استمرار باريس في إدارة الأزمة مع الجزائر والعلاقات الثنائية "عبر تسريباتٍ منظّمة بمنتهى الارتجال وسوء الحنكة، دون إظهار أدنى ما يقتضيه المقام من تدارك وتصحيح للمسار"، معتبراً أن "فرنسا لم تنحدر في تسيير علاقتها مع الجزائر يوماً إلى هذا الدرك السحيق. ولم يسبق لها أن لامست هذا الحد من الهواية والارتجال. ولم تبلغ قط من قبل هذه القمة في انعدام الجدية". وأفاد بأن "هذه الممارسات صارت بصمة مميزة لمسؤولين فرنسيين لا يجدون في الجزائر سوى الزاد لمسيرتهم السياسية"، في إشارة إلى عدد من الوزراء، وعلى رأسهم وزير الداخلية برونو روتايو، الذي تتهمه الجزائر بالوقوف وراء تغذية الأزمة والتصعيد.
