الجزائر تستهدف تحجيم الاقتصاد الموازي بكبح "الكاش"

منذ ١ شهر ٣٨

تستهدف الحكومة أحد أهم الأساسات التي يقوم عليها القطاع الموازي في الجزائر، بإجراءات طاولت العصب الذي يموله، وهو السوق السوداء للعملة الصعبة، في إطار مساعٍ من السلطات لكبح انتشاره.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، صرّح أخيراً بأن الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية تتجاوز 90 مليار دولار. ووفق بيانات رسمية لسنة 2019 للديوان الوطني الحكومي للإحصائيات، فإن نحو 41% من سكان البلاد غير منتسبين إلى الضمان الاجتماعي من إجمالي العمالة. أما في القطاع الخاص، فإن نحو 67% من العمالة غير مشمول بالضمان الاجتماعي.

وينتشر الاقتصاد الموازي في الجزائر على نطاق واسع، سواء في القطاعات التجارية التي لا تصرّح بنشاطها للسلطات ولا بموظفيها، أو الشركات وبدرجة أولى في القطاعات الخاصة التي توظف عمالة دون تغطية (ضمان) اجتماعي.

وجراء الاقتصاد غير الرسمي، تنتشر في الجزائر ظاهرة اكتناز الأموال في البيوت، أو ما يعرف محلياً بـ"الشكارة" أو الأكياس المملوءة بالأموال، التي تتأتى خصوصاً من نشاطات تجارية واقتصادية غير مصرَّح بها، معظمها يُحوَّل إلى نقد أجنبي، باعتباره من الملاذات الآمنة. وبالنظر إلى اتساع رقعة الاقتصاد الموازي، انتشر الدفع نقداً "كاش" بعيداً عن الفواتير أو الدفع الإلكتروني أو المعاملات البنكية. ولسنوات عدة نص قانون الموازنة العامة للبلاد على إلزامية اعتماد الدفع الإلكتروني من طرف التجار بهدف كبح السوق الموازية، لكن الإجراء أُجِّل أكثر من مرة، بسبب رفض الأغلبية منهم الانخراط فيه.

ونتيجة لهذا الانتشار، ارتفع حجم الكتلة النقدية المتداولة في الأوساط الموازية، التي غذاها بشكل رئيسي انتشار السوق الموازية للنقد الأجنبي، لتُقدم الحكومة على إجراءات من شأنها الحد من الأنشطة غير الرسمية، منها تقييد المبالغ التي يمكن للمسافرين المقيمين وغير المقيمين إخراجها من البلاد، من خلال قرار لبنك الجزائر (المركزي) صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

ونص القرار على تقييد مبلغ النقد الأجنبي المسموح بإخراجه من طرف المسافرين المقيمين وغير المقيمين عند 7500 يورو مرة واحدة في السنة شرط إظهار وثيقة سحبه من البنك. وسابقاً كانت التشريعات الجزائرية تسمح بإخراج 7500 يورو في كل مرة، شرط أن يظهر المسافر وثيقة سحب المبلغ من البنك.

وكما هو معلوم، فإن ضخ أرصدة مالية بالنقد الأجنبي في حسابات المواطنين بالعملة الصعبة في بنوك الجزائر، يجري في الغالب عبر شراء المبالغ من السوق الموازية. ويمنع النظام المصرفي الجزائري حصول الأفراد على النقد الأجنبي من البنوك (وفق السعر الرسمي لصرف الدينار)، إلا في حالات معينة تتعلق بالاستيراد (وفق شروط)، أو حجاج بيت الله الحرام، أو المتوجهين إلى الخارج في إطار مهمات رسمية معينة. 

استهداف تجار الشنطة في الجزائر

وقال مصدر مسؤول في القطاع المالي لـ"العربي الجديد"، إن هذا الإجراء يستهدف خصوصاً ما يعرف بـ "تجار الشنطة" المعروفة محلياً بـ "الكابة" الذين يستنزفون سنوياً مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي التي تُحوَّل إلى الخارج عبر مسافرين يدفعون لهم كامل تكاليف السفرية.

وأوضح المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنه إضافة إلى النقد الأجنبي الذي يخرج من البلاد من طرف تجار الشنطة، فإن هؤلاء يغرقون السوق الموازية بمنتجات مجهولة المصدر من جهة، كذلك فإن خزينة الدولة لا تستفيد منها، لا من طرف الجمارك ولا من إدارة الضرائب. ولوحظ وفق المسؤول الجزائري، تزايد نشاط هذا النوع من التجارة التي تغذي السوق الموازية وتستنزف مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي، منذ إقرار السلطات إجراءات حمائية لتحجيم الواردات قبل عدة سنوات.

وتنشد السلطات وفق المتحدث تقليص الطلب على النقد الأجنبي في السوق الموازية التي تعتبر المقصد الأول لتجارة الشنطة، وبالتالي كبح "التراجع المخيف" للدينار الجزائري مقابل عملات أجنبية، وخصوصاً اليورو والدولار.

بدوره، أكد وزير التجارة الأسبق، مصطفى بن بادة، أن الجزائر كباقي الدول تسعى لمعالجة الاقتصاد الموازي الذي له تأثير سلبي في المنظومة الاقتصادية الوطنية. وأوضح بن بادة الذي تولى حقيبة التجارة ما بين 2010 إلى 2014، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن الاقتصاد الموازي يفوّت الفرصة على التقييم العام للاقتصاد الجزائري من خلال عدم احتساب مساهمته في الناتج الداخلي الإجمالي، وأيضاً يفوت الفرصة على الخزينة العمومية لأنها تفقد ملايين الدينارات من خلال التهرب الضريبي.

وقال: "لذلك، يسعى البلد منذ زمن ليس بالقصير لمعالجة هذه الظاهرة، وقد اتخذت عدة إجراءات في إطار هذه المساعي". وفي إطار هذه الإجراءات، قال بن بادة، إن الانتساب إلى قوائم السجل التجاري لم يعد مشروطاً بالتوافر على مقر (محل) للنشاط، حيث يمكن أن يكون متنقلاً، فضلاً عن تسهيلات في ما يتعلق بالإجراءات الجبائية في إطار محاولات لامتصاص هذه الظاهرة وإدماجها في الاقتصاد الوطني.

وأشار وزير التجارة الأسبق إلى أن الحكومة اتخذت أخيراً قرارين مهمين يستهدفان شريان تمويل هذا الاقتصاد، وهو العملة الصعبة، وهو قيمة المبلغ الذي يمكن للمسافر حمله، وكذلك رفع قيمة منحة السياحة. وأوضح أن "الحكومة لم تمنع استعمال العملة الصعبة من طرف مالكيها، ولكن عبر هذا الإجراء سيضطر المسافر إلى أن يستهلك 7500 يورو في رحلة واحدة أو متقطعة طوال العام، لكن المبلغ يبقى ثابتاً كقيمة نقدية كاش".

وأضاف: "الذين يحتاجون لمبالغ أكبر سيضطرون إلى فتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة والحصول على بطاقات بنكية دولية من البطاقات الائتمانية المعروفة واستعمالها عند الحاجة في الخارج والجزائر لا تمنع استعمال الموطن لأمواله في الخارج، لكن يجب أن تكون موجودة في المسلك الطبيعي الرسمي، وهو البنك، وهو أمر مهم جداً"، لافتاً إلى أن هذا الأمر سيجعل المسافر يقلل من تهريب العملة الصعبة نقداً "كاش".

وبخصوص الإجراء الثاني الذي استهدفت به الحكومة شريان تمويل القطاع الموازي، وهو رفع منحة السياحة إلى 750 يورو، قال بن بادة إن هذا الإجراء سيسمح للكثير من المواطنين بتقليص لجوئهم إلى سوق العملة السوداء، وبالتالي سيكون انخفاض وضغط على العملة الصعبة وفقاً لقانون السوق، حيث إنه عندما يقل الطلب يزيد العرض، وبالتالي ستنخفض قيمة اليورو بشكل مؤكد في الأشهر القليلة المقبلة. وأضاف: "هذا إجراء مهم، وسيساهم في اقتراب سعر العملات الأجنبية في السوق السوداء من قيمتها لدى البنوك".

لكن الوزير الأسبق رأى أن هذين الإجراءين غير كافيين، ومن المؤكد أن على الحكومة أن تواصل طرح المزيد من الإصلاحات، ولا سيما ما يتعلق بتعميم استعمال البطاقات الائتمانية والصكوك في مختلف التعاملات التجارية لامتصاص الكاش من الأسواق.

وأشار إلى أن قانون الموازنة العامة اعتمد إلزامية التعامل عبر الدفع الإلكتروني لبعض القطاعات مثل العقارات والسيارات، ولكن هذا لا يكفي، ويجب تعميم استعمال الصكوك والدفع الإلكتروني والبطاقات والدفع من طريق الهاتف، وكل ما هو دفع غير نقدي في مختلف التعاملات التجارية، وذلك للتقليل من حلقة دوران النقود على المستوى الموازي.

وبهذا الشكل، يؤكد بن بادة، أنه سيجري تقليص السوق الموازية ودمجها تدريجياً في الاقتصاد الرسمي. وقال: "أكيد أن الرقم الذي ذكره رئيس الجمهورية بالوصول إلى إجمالي ناتج داخلي بقيمة 400 مليار دولار صعوداً من 266 مليار دولار حالياً سنصل إليه بإجراءات من هذا القبيل"، وبالتالي سيكون هناك اقتصاد حقيقي يساهم بشكل فعلي في عملية التنمية الوطنية.

قراءة المقال بالكامل