فقدت الجزائر صدارة إمدادات الغاز الطبيعي إلى إسبانيا للشهر الثاني على التوالي، بعدما هيمنت عليها لفترة طويلة، مع تراجع حصتها في هذه السوق، مقابل عودة قوية ومفاجئة للغاز الطبيعي المسال الأميركي (أل.أن.جي) لتموين البلد الأوروبي، بالتزامن مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية بنهاية يناير الماضي. وتعتبر إسبانيا ثاني وجهة لصادرات الغاز الجزائرية بعد إيطاليا، بكميات سنوية تتراوح من 5 إلى 10 مليارات مكعب سنوياً.
وجاء الكشف عن هذه البيانات من خلال وثيقة لشركة إيناغاس، المسؤولة عن إدارة وتسيير الشبكة الداخلية للغاز في إسبانيا، اطلعت عليها "العربي الجديد"، وصدّرت في 10 مارس/ آذار الحالي، حول واردات وصادرات الدولة الأوروبية من الغاز الطبيعي خلال شهر فبراير/ شباط 2025. وتظهر البيانات ذاتها أن إمدادات شركة المحروقات الحكومية (سوناطراك) من الغاز للسوق الإسبانية بلغت 9188 غيغاواط/ ساعة، ما يمثل 34% من واردات البلد الأوروبي من الغاز خلال الشهر الماضي.
واللافت في بيانات "إيناغاس" هو الصعود القوي والمفاجئ لواردات الغاز الإسبانية من الولايات المتحدة، وتحديداً الغاز الطبيعي المسال "أل.أن.جي"، حيث أصبحت المصدّر الأول لمدريد بهذا المورد الطاقوي، بعد هيمنة لـ"سوناطراك" الجزائرية منذ فترة طويلة. وحسب الأرقام الحديثة، فقد بلغت صادرات أميركا 9258 غيغاواط/ ساعة، ما يمثل 35.2% من واردات إسبانيا في فبراير 2025، فيما جاءت روسيا ثالث مصدّر لإسبانيا بالغاز بمجموع كميات وصلت إلى 2190 غيغاواط/ ساعة، ما يمثل 8.3%.
وبالعودة إلى شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024، أي قبل شهر من تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية، فقد كانت إمدادات الغاز الجزائرية تفوق نظيرتها الأميركية بفارق كبير جداً، وحتى أن واشنطن كانت بمثابة ثالث مصدّر للغاز إلى مدريد بعد كل من الجزائر وروسيا.
وتظهر بيانات "إيناغاس" بشهر ديسمبر، أن "سوناطراك" زودت إسبانيا بكميات من الغاز بلغت 9764 غيغاواط/ ساعة (37.1%)، مقابل 2519 غيغاواط/ ساعة (9.6%) للغاز المسال الأميركي. كما أن إمدادات "سوناطراك" من الغاز الطبيعي المسال "أل.ن.جي" إلى إسبانيا- كما تظهره البيانات ذاتها- قد توقفت تماماً خلال شهري فبراير ويناير 2025.
في هذا السياق، يرى الخبير بشؤون الطاقة بغداد مندوش، الذي شغل مناصب مهمة سابقاً في شركة سوناطراك، أن هذا الوضع ظرفي مرتبط بعمليات صيانة دورية مخطط لها شهر يناير الماضي في أكبر مصنعين للغاز الطبيعي المسال "أل.أن.جي" في البلاد الموجودين في كل من أرزيو بولاية وهران الساحلية (غرب) وسكيكدة (شرق).
وأوضح مندوش في حديث لـ "العربي الجديد"، أن كميات الغاز المسال التي تصدّرها الجزائر تقلصت كثيراً مقارنة بالفترات السابقة، مشيراً إلى أن العمل عاد تدريجياً إلى هاتين المنشأتين اعتباراً من فبراير الماضي. وبخصوص تصريحات ترامب التي دعا فيها دول أوروبا إلى شراء كميات أكبر من الغاز المسال الأميركي، استبعد الخبير الجزائري علاقة ذلك بتراجع إمدادات "سوناطراك" إلى إسبانيا، مشيراً إلى أن الأمر ظرفي فقط تزامن مع عمليات صيانة بمنشآت إنتاج الغاز المسال.
ولفت مندوش إلى أن الغاز الأميركي يصل بأسعار أعلى إلى أوروبا مقارنة بنظيره الجزائري بالنظر لبعد المسافة، بسبب تكاليف نقله المرتفعة، مبيناً أن الزبائن التقليديين للغاز الجزائري، وخصوصاً إيطاليا وإسبانيا، يتمتعون بمزايا لا يمكن منافستها ولا تتوفر عند منتجين آخرين، وهي السعر والقرب الجغرافي والوفرة وضمان الإمدادات عبر خط أنابيب مباشر.
وترتبط الجزائر بإسبانيا بخط أنابيب غاز "ميدغاز"، الذي يمتد من حقل حاسي الرمل الذي يوجد على بعد 500 كيلومتر جنوب العاصمة، وهو الأكبر في القارة الأفريقية، مرورا ببلدة بني صاف الساحلية شمال غربي البلاد، ويقطع البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى ألميرية جنوبي مملكة إسبانيا.
