الجسد المثالي على "إنستغرام": ملك الكبد وبراين جونسون

منذ ٥ ساعات ١٥

ينهش اللحم النيء بيديه، صاخب، ممتلئ الجسد بعضلات مشدودة ومرسومة، وكلما سُئل عن استخدامه للمنشّطات، أنكر بوضوح: "أنا لا أتعاطى المنشّطات". هذا هو ملخص حياة المؤثر براين جونسون، المعروف بلقب "ملك الكبد"، الذي قدّم نموذجاً لما يزعم أنه نظام غذائي "صحي"، تحت ما يسميه بـ"وصايا الأولين".
شهرة "ملك الكبد" جعلته محلّ شكوك واسعة، لعل أبرزها: هل يمكن لرجل أن يحصل على هذا الجسد من دون منشّطات؟ وكلما طُرح عليه هذا السؤال، أنكر، حتى وقعت الفضيحة في عام 2022، حين تسربت رسائل من بريده الإلكتروني كشفت أنه يتعاطى المنشّطات... وبكثافة.
حكاية "ملك الكبد" هي موضوع وثائقي عرضته شبكة نتفليكس ضمن سلسلة Untold، التي تفضح خفايا وفضائح عالم الرياضة. في هذا الوثائقي، يروي "ملك الكبد" بنفسه، مع أسرته والمقرّبين منه، قصة أحد أشهر مؤثري اللياقة البدنية، الذي اختفى بعد الفضيحة، ثم عاد إلى الواجهة بعد بثّ الوثائقي، وظهر راضياً عنه، قائلاً:
"أظن أنني أريد من العالم أن يعرف أنني كنت مخطئاً. فهمت كل شيء بطريقة خاطئة... المقاربة المفرطة لأي شيء ليست ناجحة."
المقاربة التي يقدّمها "ملك الكبد" عبر منصّاته الرقمية هي امتداد لهوس معاصر بالجسد المثالي، خصوصاً "الجسد الرجولي"؛ الجسد الذي يحاول الفرار من التكنولوجيا والمنشّطات ونمط الحياة المعاصرة، نحو حياة "بدائية" و"أولية"، بذريعة أنها الأكثر ملاءمة لنا نحن، المستلبين بأنظمة غذائية مكرّرة، ومهدرجة، ومُصنّعة بكثافة.


وعلى الضفة المقابلة تماماً، يظهر رجل الأعمال والمليونير براين جونسون (يتشابه الرجلان في اسميهما)، المعروف بلقب "الرجل الذي يريد أن يحيا للأبد"، والذي تناولته "نتفليكس" في وثائقي خاص أيضاً. في هذا الوثائقي، يروي جونسون تجربته في محاولة هندسة الخلود، عبر تحويل جسده إلى مختبر حيّ لمواجهة الشيخوخة، مستخدماً التكنولوجيا، والمعادلات الدقيقة، والخوارزميات.
نحن إذاً أمام مقاربتين متناقضتين تماماً للجسد المثالي: الأولى "بدائية"، عضوية تماماً، تعتمد على أكل الطعام النيء (كما في حالة "ملك الكبد")، الثانية علميّة، رقمية، تخضع للحساب والقياس (كما في حالة براين جونسون).
لكن المفارقة أن كليهما يروّجان خطة "غير علميّة"، ومنتجات يدّعيان أنها "صحيّة"، ضمن محتوى مصمَّم للاستهلاك الرقمي عبر منصّات التواصل. الظاهر أننا أمام سعي عبثي للاحتفاء بالجسد؛ ليس فقط "الصحي"، بل "الخارق"، المقاوم للزمن، سواء من خلال التخلّي عن "الطبيعة" أو الغرق الكامل في "التكنولوجيا". نحن أمام صور نمطية يحاول هذا الجيل من المؤثرين تجسيدها والحفاظ عليها، وكلا الطرفين يروّج أسطورة تقول إن الجسد الإنساني قادر على تجاوز حدود الزمن.
وبين هذه السرديات، هناك رسالة ضمنية تقول إن نمط حياتنا الحديث ليس صحياً، ويجب تغييره من جذوره.
هذا الهوس بالجسد – خصوصاً في السياق الأميركي – يكشف فشلاً عميقاً في توفير شروط حياة متوازنة، ويعبّر عن رغبة في التفوّق على الآخرين، لا بالانضباط أو الاتزان، بل بالسعي إلى أقصى الحدود:
أقصى الصحّة، أقصى اللياقة، أقصى التكنولوجيا، أقصى النيّات في أكل اللحم النيء.

ورغم اختلاف الأساليب، يراهن كلا النموذجين على غموض مفهوم "الصحي"، ويقدّمه عبر مزيج من الخطاب التعليمي المتعالي والصورة الاستعراضية، التي تهدف إلى إقناعنا بأن ما نأكله ونشربه ليس كافياً ولا نافعاً، وأننا في حاجة إلى المزيد من الاستهلاك: استهلاك الـReels، والمنتجات التي يروّجها الاثنان.
هي في النهاية رسالة مأساوية، وربما ديستوبية، فحواها أننا نعيش في مستنقع غير صحي، محاطون بكل ما يؤذينا، والحل؟ أن نتّبع أنظمتهم الغذائية، ونشتري منتجاتهم. فالمال والاستهلاك هما المحرّك الأساسي لكل شيء، و"الصحة" هي المنتج النهائي – تلك الخصخصة الأميركية للصحة، التي اعتبر ترامب أن خفض كلفة أدويتها كان أحد أبرز إنجازاته!

قراءة المقال بالكامل