يبدو الارتباك في خطاب للحكومة الانتقالية في سورية واحداً من أبرز التحديات التي تواجهها خلال محاولتها تقديم نفسها للمجتمع الدولي، بعيداً عن الصورة النمطية التي ارتبطت بالفصائل العسكرية طيلة سنوات الحرب. كما تواجه الحكومة سيلاً من الاتهامات بمحاولة "أسلمة الدولة" منذ وصولها إلى الحكم بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما يجعلها تقع من وقت إلى آخر، في مطبات إعلامية حرجة أمام الرأي العام المحلي والدولي.
مجازر الساحل... نقطة تحول في أداء الحكومة الانتقالية
يسخر أحد الصحافيين من تعامل الحكومة الانتقالية مع مجازر الساحل السوري، معتبراً أن ردّها جاء نسخة طبق الأصل من تعاطي نظام الأسد مع مجازر درعا عام 2011. فعلى الفور، أعلنت الحكومة تشكيل لجنة تحقيق، وظهر مسؤولو محافظة اللاذقية وهم يلتقون السيدة زرقة سباهية، التي ظهرت في فيديو تحاول حماية جثث أبنائها الذين قتلوا أمامها، ما أعاد إلى الأذهان مشهد استقبال بشار الأسد لوالد الشهيد حمزة الخطيب.
ويشير الصحافي إلى أن الحكومة الانتقالية وضعت نفسها في موقع الدفاع، في حين كان يفترض بها أن تتحرك بوصفها مؤسسة مسؤولة، تبادر إلى كشف الحقائق ومحاسبة المتورطين، لا أن تكتفي بإلقاء اللوم على "فلول النظام"، كما وصفها الإعلام الرسمي، في محاولة بدت وكأنها تبرير لما جرى، بينما كان الجمهور ينتظر تحقيق العدالة فقط.
من "الخطاب الوطني الجامع" إلى التخبّط
المذيعة في قناة "روسيا اليوم"، ريما نعيسة، تشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى وجود مرحلتين من الخطاب الإعلامي الرسمي. الأولى كانت، بحسب وصفها، مرحلة خطاب وطني جامع ومتزن، مبني على نشوة النصر والتطلع إلى التغيير. وقد بدت حكومة تصريف الأعمال، التي تحوّلت لاحقاً إلى حكومة انتقالية، وكأنها تمتلك رؤية وطنية وخطة إصلاح طموحة.
لكن كل ذلك تغيّر بعد مجازر الساحل، إذ بدا الخطاب الإعلامي هشّاً ومرتبكاً. وتشير نعيسة إلى كلمة زير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني في مؤتمر بروكسل حين تحدث عن "حكم الأقلية"، وكأنه في موقع تبرير لمجازر الساحل. كما سبقه تصريح لأحمد الشرع وصف فيه ما جرى بأنه "تحديات متوقعة"، ما يكشف عن غياب النضج السياسي، برأيها.
تلفت نعيسة أيضاً إلى أن المرحلة الأولى لم تخلُ من زلات إعلامية، مثل تصريح الشيباني الذي قال: "المخطوف لا يحق له أن يسأل محرره إلى أين سيأخذه بعد أن حرره"، في إشارة إلى سورية عموماً. تصريحات كهذه وضعت الحكومة في موقع الاتهام دولياً، ما يفتح الباب أمام مزيد من السقطات في المستقبل إن لم يُعالج الخلل.
من جهته، يرى الصحافي بديع صنيج أنه لا يمكن الحكم على الخطاب الإعلامي للحكومة الانتقالية بشكل متكامل، لأنه لا يمتلك بعد الأسس اللازمة ليكون خطاباً مؤثراً أو متماسكاً. ويقول، في حديث لـ"العربي الجديد": "بعد مرور مائة يوم على سقوط النظام، لا توجد قناة تلفزيونية رسمية واحدة، وهناك فقط إذاعة أو اثنتان. أما المواقع الإلكترونية فما زالت تكرر خطّ وكالة الأنباء الرسمية القديمة، مع بعض التنويعات الطفيفة. ويُعتمد بشكل رئيسي على وسائل التواصل الاجتماعي، التي رغم أهميتها، تظل غير كافية لصياغة خطاب وطني جامع".
يشير صنيج إلى ضعف الأداء الإعلامي، مرجحاً أن سببه إقصاء الخبرات الإعلامية التي عملت سابقاً في مؤسسات الدولة، نتيجة فقدان الثقة بها، والاعتماد بدلاً من ذلك على إعلاميي حكومة إدلب، الذين لا يستطيعون بمفردهم تحمّل عبء خطاب حكومي موجه لكل سورية. ويضيف أن الرغبة في إعادة بناء البنية الإعلامية من جديد قد تكون مشروعة، لكنها تحتاج إلى موارد بشرية وتقنية ضخمة.
ويشدد صنيج على أهمية ترميم البنية السابقة بدلاً من هدمها كلياً، مع إدخال دماء إعلامية وطنية جديدة، وعدم اقتصار الخطاب على نغمة واحدة. فالمطلوب خطاب جامع، مرن، قادر على التكيف مع الواقع المتغير، ومنفتح على كل السوريين، بمختلف انتماءاتهم وآرائهم، على أن ينبع من معرفة عميقة بالجمهور، وقدرة على التأثير فيه.
عدم الرضا عن الخطاب الإعلامي للحكومة الانتقالية يعود إلى أنه ما زال يدور في فلك التأسيس لـ"حكم ما بعد الأسد". وبينما تتهم أطراف معارضة الحكومة بمحاولة ترسيخ وجودها بعد المرحلة الانتقالية، تصطدم الوعود التي تطلقها بواقع يوصف من قبل المعارضين بأنه "مخيّب للآمال". فعلى سبيل المثال، وعدت الحكومة بأن يكون "مؤتمر الحوار الوطني" شاملاً وغير إقصائي، لكنه غاب عنه فاعلون مثل "قوات سورية الديمقراطية". كما تعهّدت بتحقيق التعددية السياسية وفصل السلطات، إلا أن الإعلان الدستوري أقرّ نظاماً رئاسياً مطلقاً، ما اعتبرته المعارضة فجوة كبيرة بين ما يُقال في الخطاب وما يُمارس على الأرض.