تواصل العلاقة بين الدنمارك والولايات المتحدة الأميركية السير نحو المزيد من التوتر، على خلفية إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على السيطرة على جزيرة غرينلاند. ويأتي هذا القلق الدنماركي تزامناً مع ملامح خلخلة في العلاقة بين الجانبين، وهو ما دفع برئيسة الحكومة ميتا فريدركسن إلى البحث عن سياسات أوروبية متضامنة مع بلدها الصغير. ولا يبدو أن توجه الدنمارك نحو تخصيص حوالي 20 مليار كرونة دنماركية (أكثر من 2.6 مليار يورو) للإنفاق الدفاعي في القطب الشمالي، وخصوصاً لإنشاء أسطول متخصص بغرينلاند مع بداية مارس/آذار المقبل، بحسب وزير دفاعها، ترولز لوند بولسن، سيغير شيئاً في تصميم ترامب على التنازل الدنماركي عن الجزيرة.
تصريحات السياسيين الدنماركيين تعبر عن تنامي القلق بشأن سياسات ترامب الراغب في الاستحواذ على الجزيرة القطبية الشمالية. وقامت فريدركسن، اليوم الثلاثاء، بجولة نحو برلين وباريس بحثاً عن دعم من قاطرتي الاتحاد الأوروبي، مشددة على أن "الوضع الذي نعيشه وهو مظلم وخطير للغاية في أوروبا". وأشارت في تصريحات لوسائل الإعلام الدنماركية إلى أنها لا تعتقد بالضرورة أن "الجميع قد أدركوا حجم التحدي الذي نواجهه. وليس أقلها في ما يتصل بسياستنا الأمنية في أوروبا".
واعتبرت فريدركسن في تصريحات للقناة الثانية الدنماركية (تي في 2) أن محادثاتها مع المستشار أولاف شولتز ثم لاحقاً الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمثابة "رسالة واضحة للغاية من دول الشمال الأوروبي والأصدقاء عن أنه يجب بالطبع احترام أراضي الدول وسيادتها كجزء في المجتمع الدولي الذي بنيناه منذ الحرب العالمية الثانية". وعلى عكس أطروحات ترامب في ولايته السابقة بين 2016 و2020 حول غرينلاند، تجد الدنمارك نفسها في حرج كبير مع عودته إلى نغمة الاستحواذ عليها، ولو من خلال عصا اقتصادية وضغوط أخرى على كوبنهاغن.
وتسارع فريدركسن، اليوم الثلاثاء، مسنودة من مختلف الأحزاب البرلمانية في بلدها، نحو تشكيل ما يشبه جبهة أوروبية لرفض فرض ترامب سياساته بقوة التهديد. وأعلنت فريدركسن لوكالة الأنباء الدنماركية ريتزاو، أنها باتت تلقى الدعم الكامل من دول الاتحاد الأوروبي في سياق الحفاظ على احترام الأراضي والحدود. وأوضحت أن "الاجتماعات في برلين وباريس جيدة بشكل لا يصدق، حيث من المهم أن نقف معاً في أوروبا". وتتوقع فريدركسن الدعم ذاته من أمين عام الناتو مارك روته، في لقاء معه في بروكسل اليوم، ذلك مع تزايد القلق في ذهاب ترامب إلى ما هو أبعد من التصريحات حول غرينلاند.
وعبر رئيس البرلمان الدنماركي سورن غاد، اليوم الثلاثاء، عن مشاعر الإحباط من ترامب لدى الدنماركيين، بالقول: "لقد تلقينا طعنة في المعدة بعد سماع تهديداته (ترامب)". ونقلت صحيفة "بوليتيكن" عن غاد، الذي شغل حقيبة الدفاع في السابق، أن ما يجري أمر مؤسف، "خصوصاً في ضوء الدعم الدنماركي المستمر للعمليات العسكرية الأميركية". والدنمارك من الدول القلائل التي شاركت في أغلب العمليات العسكرية الأميركية حول العالم، بما في ذلك أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها. ويشير وزير الدفاع السابق إلى أنه "يؤلمك عندما تقف في البنتاغون وتتلقى الثناء على جهود الجنود والدنمارك التي تفوق وزنها، ثم تشعر بالطعنة".
المراهنة على "وحدة الموقف" في أوروبا تبقى أمراً غير محسوم، في ظل تحالفات ترامب ورجالاته الجدد مع طبقات سياسية بعينها، وأغلبها في أقصى اليمين أو الشعبويين. ويراهن ساسة كوبنهاغن على دعم برلين الرافضة تغيير الحدود، حيث كرر المستشار شولتز، اليوم الثلاثاء، بإنجليزية واضحة لتصل إلى ترامب: "إلى من يهمه الأمر، إننا متفقون على أن الحدود حرمة لا يجوز المساس بها"، مضيفاً: " ليس هناك شك في ذلك، هناك دعم ألماني كامل للدنمارك". موقف باريس يبدو أيضاً ثابتاً في قول وزير خارجيتها، جان نويل بارو، إن "الاتحاد الأوروبي لن يقبل بهجوم على أراضي دول أخرى"، مشدداً على أنه "ليس هناك شك بالطبع في أن الاتحاد الأوروبي لن يسمح لدول أخرى في العالم بمهاجمة حدوده السيادية، بغض النظر عن هوية تلك الدول، ونحن قارة قوية".
مع ذلك، من غير الواضح ما إذا كان ارتفاع النبرة الأوروبية سوف يفرمل اندفاعات ترامب، التي توصف في صحف دنماركية بأنها "إمبريالية توسعية"، كما تفعل على الدوام صحيفة إنفورماسيون. فالدنمارك (نحو 5.6 ملايين نسمة) تعتبر أن "المعركة مع ترامب"، كما تصفها كوبنهاغن، لن تكون سهلة. وتشير الطبقة السياسية الدنماركية في خطابها المباشر لشعبها إلى أنها تنتظر "معركة طويلة وصعبة مع ترامب".
في كل الأحوال، من الواضح أن الدنماركية فريدركسن، مسنودة من مختلف الأحزاب البرلمانية، وتطمح إلى أن لا تترك وحيدة وأن يكون للأوروبيين حزمة ردود إذا ما فرض ترامب تعريفات جمركية قاسية على بلدها، لإخضاعها في مسألة غرينلاند. ذلك طبعاً دون إغفال وجود قوى أوروبية أخرى، على الأقل في إيطاليا والمجر وبولندا، وقوى اليمين المتشدد في دول أخرى، ليست متحفزة للدخول في صراع قاس مع ترامب.
