رغم توتر علاقة الطرفين الأميركي والدنماركي على خلفية إصرار دونالد ترامب على الاستيلاء على جزيرة غرينلاند فإن ذلك لم يؤثر في مستوى دعم جيش الاحتلال الإسرائيلي بنقل الأسلحة والذخائر ومعدات طائرات "إف 35". وتتهم منظمات حقوقية، بينها منظمة العفو الدولية وأوكسفام، حكومة كوبنهاغن بمواصلة التستر على انتهاك شركة النقل البحري العملاقة "ميرسك" للقوانين بمواصلة نقل الذخائر والأسلحة الأميركية إلى موانئ الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأكدت آخر التقارير الاستقصائية لمؤسسة دان ووتش الإعلامية وحركة الشباب الفلسطيني الناشطة في مقاطعة الاحتلال أن بواخر ميرسك تسلّم عدة آلاف من أطنان الأسلحة من موانئ أميركية للاحتلال الإسرائيلي. وتشير "دان ووتش" إلى أن الحمولات تحتوي من بين أشياء أخرى على أجزاء مركبات عسكرية وناقلات جنود مدرعة، بالإضافة إلى أغلفة وصواريخ وطلقات بمختلف الصنوف. ويشدد خبراء حقوقيون في الدنمارك على أن ميرسك "تساهم بارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً للأمم المتحدة". وفي ضوء ذلك، ذهبت منذ صيف العام الماضي أمانة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى إعلان ضرورة وقف كل التجارة ونقل المعدات العسكرية إلى الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب ما تكشف التقارير، فإن ميرسك التي تدعي تطبيق المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة للأعمال التجارية وحقوق الإنسان، تواصل شحن البضائع إلى إسرائيل. وواجه مقر الشركة في كوبنهاغن احتجاجات من مئات الأشخاص في 24 فبراير/شباط الماضي. وخلال الاجتماع العام للشركة في الثامن عشر من الشهر الحالي، رُفض اقتراح مراجعة نقل شحنات الأسلحة إلى دولة الاحتلال، وما إذا كانت تتوافق مع القوانين الدولية والدنماركية.
وعلى خلفية إصرار الشركة على انتهاج سياسة القفز على اتهامات مساهمتها في جرائم حرب، وتجاهل التقارير بهذا الصدد، ترتفع الأصوات المطالبة بتدخل السياسيين والمشرعين لإلزام ميرسك بمعايير حقوقية. ويطالب حقوقيون ومتخصصون بالقانون الدولي الإنساني، ممن يحذرون من أن كوبنهاغن تخاطر بملاحقتها أمام المحاكم الدولية، بتدخل وزير الخارجية لارس لوكا راسموسن لتطبيق مبادئ التصدير والامتثال للقانون والقواعد الدولية. وأشار راسموسن في 27 يناير/كانون الثاني الماضي حول ميرسك تحديداً إلى أن "الشركات الدنماركية عليها بالطبع الامتثال لجميع القواعد الدولية". ومن جهتهم يطالب بعض أقطاب اليسار الدنماركي بضرورة ضمان التزام المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وكذلك يطالبون باتخاذ مواقف سياسية حكومية أكثر صرامة مع جرائم الاحتلال الإسرائيلي، كما ذهب حزب الشعب الاشتراكي في مؤتمره العام نهاية الأسبوع الفائت.
وتزيد تصرفات ميرسك من اتهامات توجه للدنمارك بشأن انتهاك القوانين الدولية، هذا إلى جانب استمرار تصدير معدات لطائرات إف 35، بعد يوم من عودة قصف قطاع غزة، بحسب ما كشفت صحيفة إنفورماسيون السبت الماضي. وبينما تتهرب الدنمارك من التطبيق الحرفي للقانون الدولي، الذي تنادي باحترامه في مواجهة توتر علاقاتها بالحليف الأميركي وتسعى لإيجاد جبهة متضامنة معها، تبدو دول أخرى أكثر التزاماً بمسؤولياتها بوقف مد الاحتلال بالأسلحة. وكانت السلطات الإسبانية قد رفضت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي السماح لسفن ميرسك بالرسو في ميناء الجزيرة الخضراء، حيث كانت السفن مشتبهاً في نقلها الأسلحة إلى الاحتلال الإسرائيلي. وبالإضافة إلى إسبانيا، أوقفت بلجيكا وكندا وهولندا بالفعل تسليم الأسلحة للاحتلال.
وتتجاهل الحكومة الدنماركية الدعاوى القضائية بحقها، وتمضي في منح موافقات تصدير معدات حساسة لمقاتلات إف 35 من شركة تيرما للتصنيع العسكري. ولا تتجاوب الحكومة مع المبادرات الشعبية والمنظمات الحقوقية مثل منظمة العفو الدولية "أمنستي" وأخرى تطالبها بوقف نقل الأسلحة إلى الاحتلال.
وحذرت المستشارة السياسية في "أمنستي" أنيتا ستوبكيار ريمر من مشاركة الدنمارك في جرائم الحرب. وأكدت في تصريحات صحافية إلى أنه في حادثة واحدة الأسبوع الماضي "قتل أكثر من 130 طفلاً في أثناء نومهم. كثير منهم في خيم على أنقاض منازلهم"، مشددة على أنّ "هناك خطراً واضحاً يتمثل بأن أجزاء الأسلحة الدنماركية تمكنت من ارتكاب الجرائم الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين. لذلك يجب أن تتوقف الصادرات الآن".
وأمام تعنت ساسة الدنمارك تضغط أربع منظمات، هي العفو الدولية (فرع الدنمارك) ومنظمة التعاون الدولي بين الشعوب وأوكسفام الدنمارك ومؤسسة الحق الفلسطينية، لأجل إعادة المحاكم الدنماركية تفعيل دعويين قضائيتين رفعهما ضد دولة الدنمارك طالب فلسطيني فقد أهله في غزة بقصف طائرات "إف 35".
ويشير الأمين العام للتعاون الدولي بين الشعوب، تيم وايت، إلى أن تسليم معدات ثلاث طائرات إف 35 من قبل تيرما الدنماركية في الأيام الأخيرة "يعزز أسباب وأهمية الدعاوى القضائية، ويجب كذلك وقف صادرات الأسلحة في أثناء استمرار الدعاوى". وشدد وايت على أن "تصميم الرئيس الأميركي ترامب والحكومة الإسرائيلية على نية التطهير العرقي سيمثل فشلاً ذريعاً للحكومة الدنماركية، وسيزيد المواقف النقدية تجاه عدم وقفها تصدير الأسلحة".
