خصّ الرئيس اللبناني جوزاف عون موقع وصحيفة "العربي الجديد" بمقابلة خاصّة أجراها معه أرنست خوري وريتا الجمّال عشية بدء زيارته إلى دولة قطر التي وصلها أمس الثلاثاء، ويختتمها اليوم بلقاء أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. حوارٌ شامل بدأ باستعراض أوجُه الدعم القطري للبنان، وينتقل إلى مسألة حصر السّلاح بيد الدولة اللبنانية، وبقية الملفات اللبنانية، وتلك المتعلّقة بترسيم الحدود مع سورية.
ومن بين ما قاله الرئيس اللبناني جوزاف عون لـ"العربي الجديد":
ــ حزب الله ليس في وارد الانجرار إلى حربٍ جديدة.
ــ أسعى إلى أنْ يكون 2025 عام حصر السّلاح بيد الدولة.
ــ لن نستنسخ تجربة الحشد الشعبي في استيعاب حزب الله في الجيش، ولا أن يكون وحدةً مستقلة داخل هذا الجيش.
ــ يمكن لعناصر حزب الله الالتحاق بالجيش، والخضوع لدورات استيعاب مثلما حصل في نهاية الحرب (في لبنان) مع أحزاب عديدة.
ــ أنا والرئيس بري متفقان على كل المواضيع خصوصاً حصر السّلاح بيد الدولة.
ــ الأميركيون يعرفون أنّه لا يمكن حالياً حصول تطبيع أو مفاوضات سلام بيننا وبين إسرائيل.
ــ لم أتحدث مع أورتاغوس عن تأليف لجانٍ دبلوماسية لمناقشة الملفات الحساسة مع إسرائيل.
ــ قلتُ لمورغان أورتاغوس إنّ بقاء إسرائيل في النقاط الخمس يعطي عذراً لحزب الله.
ــ قلتُ لأورتاغوس إنّنا نريد سحب سلاح حزب الله، لكنّنا لا نريد تفجير حرب أهلية في لبنان.
ــ أصبحت لدينا بصماتٌ لمطلقي الصواريخ باتجاه إسرائيل، إن كانوا لبنانيين سنعرف هويتهم.
ــ حزب الله برهن على ضبط النفس خلال هذه الفترة والوعي الكبير، وظهر على مستوى المسؤولية في عدم الرد على الانتهاكات الإسرائيلية.
ــ القرار اتُّخذ بحصر السّلاح بيد الدولة، وتبقى كيفية التنفيذ عبر الحوار الذي أراه ثنائياً بين رئاسة الجمهورية وحزب الله.
ــ زيارتي إلى قطر هي لشكر الدوحة والطلب منها الاستمرار في دعم الجيش اللبناني، والاستثمار في لبنان خصوصاً في قطاعَي الكهرباء والنفط.
ــ طلبتُ من أمير قطر الاستمرار بدعم لبنان في موضوع النفط ورواتب العسكريين، فكان جوابه "اعتبر أنّ ذلك تمّ".
ــ نأمل ألّا يكون هناك تأخير في إقرار القوانين الإصلاحية في مجلس النواب.
ــ الأميركيون يطالبون بالإسراع في العمل لحصر السّلاح بيد الدولة، لكنّني قلت لهم إذا أردتم ذلك، فاضغطوا على إسرائيل واتركوا لنا مهمة التعامل مع حزب الله.
ــ الجيش اللبناني يقوم بمهامه من دون أي اعتراض من حزب الله، جنوب الليطاني وشماله وحتى في البقاع، إقفالاً لأنفاق ومصادرة وإتلافاً لمخازن ذخيرة.
ــ أقرَرنا تطويع نحو 4500 جندي لإرسالهم إلى الجنوب والعدد سيرتفع إلى عشرة آلاف.
ــ أسألُ مَن ينتقدني لأنني أريد سحب سلاح حزب الله عبر الحوار: ماذا يفعل لو كان مكاني؟
ــ التغييرات في سورية وموقف إيران المتطوّر تجاه الحوثيين والحشد الشعبي، ظروفٌ تساعد على الحديث مع حزب الله.
ــ التواصل المباشر بين الرئاسة اللبنانية قائم مع حزب الله، والترجمة ظاهرة على الأرض.
ــ ماكرون عرض مساعدة لبنان وسورية في ترسيم الحدود البريّة من خلال تزويدنا بالأرشيف الفرنسي الذي يفيد بأنّ مزارع شبعا لبنانية.
ــ أريد أن أزور واشنطن، لكنّ الأولوية الآن لزيارة الدول العربية، فهي الأقرب إلى مساعدة لبنان.
ــ لا مشكلة أبداً بيني وبين الرئيس نواف سلام.
النص الكامل للمقابلة:
• ما هو الدّعم الذي تتوقعونه من دولة قطر التي تزورونها؟ هل أولوياتكم مواصلة الدوحة دعم الجيش اللبناني، أم الدعم السياسي لعهدكم، أم تتوقعون دعماً مالياً أو نقدياً أو مثل الحصول على وديعة قطرية في البنك المركزي؟
لن أحدّد لدولة قطر كيف تدعمُنا. طبعاً هدف الزيارة هو شكرُ قطر والطلب منها الاستمرار في دعم الجيش اللبناني، وكذلك طلب الاستثمار في لبنان بقطاعات عدّة، أهمّها قطاعا الكهرباء والنفط، خصوصاً أنّ قطر عضو في كونسورتيوم التنقيب عن النفط في لبنان، ووقفت إلى جانب لبنان في محطات عدّة وأزمات كثيرة، عدا عن أن علاقة لبنان بقطر متجذّرة وقديمة جداً. وبالتالي؛ نحن سنعرض مشاريع عدّة، ونأمل أن يستثمروا في أيّ قطاع لبناني.
• هل وصلتكم أجواء تفيد بأنّ دعم قطر للجيش اللبناني سيستمرّ أو من الممكن أن يزداد في المرحلة المقبلة، بالنظر إلى التحديات والمهام المطلوبة منه تطبيقاً للقرار 1701؟
عندما التقيتُ بسمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القاهرة على هامش القمّة العربية (غير العادية التي انعقدت في مارس/آذار الماضي) طلبتُ منه الاستمرار في الدعم بموضوع النفط ورواتب العسكريين، فكان جوابه "اعتبر أنّ ذلك تمّ"، وهناك آليات عسكرية ستصل قريباً لصالح الجيش اللبناني ستدفع قطر قيمتها التي تبلغ نحو عشرة ملايين دولار، وطبعاً لا ننسى شعار "شكراً قطر" ونحن نتأمّل خيراً منها.
• شدّدتم في خطاب القسم على أنّ لبنان لن يُصدّر بعد اليوم إلى دول الخليج إلّا سلعه وعقول شبابه، اليوم وعلى مسافة مئة يوم من بدء عهدكم الذي حاز على دعم خليجي وعالمي أيضاً، هل بدأتم تلمسون ترجمة لهذا الدعم؟
في الفترة الأولى من انتخابي رئيساً، حضرت وفود إلى لبنان من دول الخليج كافة؛ للتهنئة على إنجاز الانتخابات، ودعوتنا لزيارتها، وعلى سبيل المثال، تمنينا على رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إعادة فتح السفارة الإماراتية في بيروت، فكان ردّه السريع بفتحها، وهذه مؤشرات إيجابية، لكن نحن أيضاً علينا أن نتخذ خطوات لترجمة التعهدات، كالإصلاحات الاقتصادية التي بدأنا بها. كذلك قطر، كان لها دور في إنهاء الشّغور الرئاسي ضمن اللجنة الخُماسية، وبالتالي فإنّ الاتصالات التي تلقيتها والوفود التي أتت تؤكد كلّها دعم لبنان، حتّى يقف من جديد على قدميه ويعيد الإعمار، ويبدأ بالسير على السكّة الصحيحة، وذلك من خلال الإصلاحات الاقتصادية.
• هل من زيارة قريبة لكم إلى السعودية؟
هناك 22 اتفاقية بين البلدَين نقوم بدراستها وإعادة النظر فيها، وعندما نصبح جاهزين، سنبلّغ الطرف السعودي بذلك، ونتبلّغ منهم عن موعدٍ للزيارة الثانية.
• كيف تقيّمون الأيام المئة الأولى من عهدكم الرئاسي، خصوصاً أن خطاب القسم الذي ألقيتموه كان مليئاً بالتعهدات؟ ما هي أكبر عقبة واجهتكم حتى اليوم؟ ملفّ سلاح حزب الله أم استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية أم عقباتٌ أخرى؟
بداية، علينا أن نحتسب الفترة التي استغرقها تأليف الحكومة خلال هذه الأيام المئة، التي وقّعنا مراسيمها في 8 فبراير/شباط الماضي. وبالتالي، نحن منذ التاريخ المذكور، حققنا إنجازات عدّة في وقتٍ قصير، منها تعيينات الأجهزة الأمنية والمجلس العسكري ومجلس قيادة قوى الأمن الداخلي وتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وغالبية أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وإقرار قانون السرية المصرفية، ومشروع قانون إعادة هيكلة تنظيم القطاع المصرفي، ونحن على مسافة أيام من زيارة وفد لبناني إلى واشنطن، يتقدمه وزير المال ياسين جابر وحاكم البنك المركزي كريم سعيد، للقاء مسؤولي صندوق النقد الدولي للمرة الأولى منذ نحو 16 عاماً، وهذه إنجازات حصلت في أسابيع قليلة. هذه الملفات كلّها مرتبطة بالإصلاحات الاقتصادية التي بدأها العهد ويصمّم على تحقيقها، وفي أسرع وقتٍ، وتبقى الكرة في ملعب مجلس النواب، الذي طبعاً من حقّه التشريعي إدخال تعديلات على هذه المشاريع، لكن نأمل ألّا يكون هناك تأخير في إقرارها، خصوصاً لاغتنام الفرص لا سيّما على مستوى الدول العربية التي تُبدي جهوزيّتها للمساعدة، وتنتظر منّا إجراء الإصلاحات وهذا حقٌ لها.
في المقابل، هناك طبعاً تحديات واجهت وتواجه العهد، وهذه لا تُحلّ ضمن مهلة المئة يوم بعكس الملفات الأخرى السابق ذكرها، منها القصف الإسرائيلي المتواصل على لبنان، واستمرار احتلال المواقع الخمسة جنوباً، وأسر لبنانيين لدى إسرائيل، إلى جانب مسألة الحدود الشرقية وما حصل من اشتباكات مع الطرف السوري، كذلك هناك سلاح حزب الله الذي لا نعتبره تحدياً بل مشكلة مزمنة يجب أن نجد حلّاً لها، والقرار اتُخذ بحصرية السّلاح بيد الدولة، وهذا يشمل أيضاً السّلاح الفلسطيني. وهنا في هذا الإطار، يجب التوقف عند أنّ البيان الوزاري تحدث عن هذه الحصرية، وحزب الله أعطى الثقة للحكومة استناداً إليه. في النهاية، اللبنانيون طبعاً ينتظرون الفرج، منذ أكثر من أربعين عاماً، لكن في السياسة لا شيء اسمه "كُوني فكانَتْ"، ولا أملك عصا سحرية، إلّا أنني أفعل ما بوسعي لإنجاز الملفات بسرعة، لا سيّما تلك التي يمكن إنجازها في وقت سريع.
• أعطيتم مثالاً عن احتمال وجود عقبات على مستوى مجلس النواب في تأخير إقرار القوانين الإصلاحية، وهذا سبق أن حدث، هل تشعرون بوجود جوّ عرقلة من البرلمان لتشريعات أو إصلاحات معينة؟
السياسة ابنة الظروف، والظروف تغيّرت، وأنا دائماً متفائل وأنظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، وأتمنى ألّا تحصل مفاجآت، وأن نسير سريعاً بإقرار القوانين الإصلاحية، ونجد في هذا الإطار أن رئيس البرلمان نبيه بري مصمّم على إنجازها، والدليل دعوته اللجان المشتركة إلى عقد جلسة، اليوم الأربعاء، لدراسة مشروع القانون المتعلّق بالسرية المصرفية، علماً أن بري لا يمثل البرلمان وحده، بل هناك كتل برلمانية أيضاً، كلُّها يجب أن تسير وراء حسّها الوطني، وطبعاً التشريعي، لإنجاز هذه الملفات.
• تُوحي التصريحات الأميركية بأنكم تتعرّضون لضغوط أميركية في موضوع نزع سلاح حزب الله، خصوصاً أن ملفات عدّة منها المساعدات والنهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار تُربط به مباشرةً من المسؤولين الأميركيين.
الأساس على صعيد المطالب القيام بإصلاحات اقتصادية، ثم بعد ذلك يأتي موضوع سحب السّلاح (لا أقول نزع). وعندما التقيتُ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال لي "أريد ختم صندوق النقد الدولي" (I want IMF’s Stamp)، وكما قلتُ سابقاً، فإنّ موضوع السّلاح كما الإصلاحات ضرورة ومطلب لبناني، سواء سلاح حزب الله وكذلك السّلاح الفلسطيني، ونحن قلنا بحصرية السّلاح بيد الدولة، وتعهّدنا بذلك في خطاب القسم والبيان الوزاري، والقرار بالتالي اتُخذ، وتبقى كيفية التنفيذ. كذلك، من الطبيعي أنّ الأميركيين يطالبون بالإسراع في العمل لحصر السّلاح بيد الدولة، لكن في المقابل يأتيهم الجواب منّي، بأنه إذا أردتم ذلك، فاضغطوا على إسرائيل كي تخرج من النقاط الخمس وتعيد الأسرى اللبنانيين لديها، وتوقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية، والسير بتثبيت الحدود البرية وفق اتفاقية الهدنة لعام 1949.
• هل وضع الأميركيون مهلةً زمنيةً لسحب سلاح حزب الله، وهل قدّموا تصوّراً معيناً لإتمام ذلك؟
لم يقدّموا لنا أي تصوّر، بل تركوا التصوّر علينا. أمّا موضوع المهلة، فلا وقت في السياسة، السياسة كما قلت ابنة الظروف، والظروف الآن مساعدة، وحزب الله أبدى ليونة صراحةً في ذلك، وبتطبيق القرار 1701 في جنوب الليطاني، إذ إنّ الجيش اللبناني يقوم بمهامه من دون أي اعتراض، ولم يسجّل أي إشكال مع حزب الله، وفي الأيام الماضية أقفل الجيش أنفاقاً لحزب الله، وصادر وأتلف مخازن ذخيرة ومستشفى تحت الأرض، كما أقفل أنفاقاً مدمرة للحزب في بلدة يحمر علماً أنها في شمال الليطاني، كذلك هناك عمليات للجيش في الإطار نفسه في مناطق بالهرمل والنبي شيت، وغيرها، لكن الأولوية تبقى لنزع الفتيل في الجنوب.
الجيش يقوم بعمل كبير جداً مقارنة مع الإمكانات المتوفرة لديه سواء لوجستياً أو عددياً، من دون أن ننسى أن في الجنوب جبالاً وودياناً، وتحتاج إلى وقت طويل لإجراء عمليات تفتيش وانتشار، لكنْ هناك ملف كامل موثّقٌ بالصّور والإحداثيات والتواريخ والأعداد لكلّ إنجازات الجيش، عملاً بالقرار 1701 وتنفيذاً لتعهدات لبنان منذ دخول قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من دون أن ننسى أيضاً المهام التي يقوم بها الجيش اللبناني على السلسلة الشمالية كما الشرقية وفي البحر، وفي الداخل اللبناني وفي إطار مكافحة الإرهاب والمخدرات وضبط الأمن اليومي.
• كم يحتاج الجيش اللبناني من ميزانية وعناصر حتى ينتشر بالكامل في الجنوب ويقوم بواجباته على أتمّ وجه؟
إذا كنا نتحدّث على صعيد الجنوب، صراحة نحتاج إلى الجيش كلّه، لكن نحن أقرَرنا تطويع نحو 4500 جندي، والعدد سيرتفع إلى عشرة آلاف، لكنّ تنفيذ المهمة لا يقتصر على العدد فحسب، بل بتهيئة الظروف لها. نحن سنرفع العدد طبعاً، ووصلتنا آليات عسكرية من أميركا، وسنحصل كذلك على آليات من قطر، ووصلتنا ملالات من الأردن، ولو لم نكن نواجه أيضاً مشاكل على صعيد الحدود الشرقية والشمالية الشرقية لكنّا عزّزنا انتشار الجيش أكثر جنوباً، ولكنّنا الآن غير قادرين على ذلك. من هنا أودّ الإشارة إلى أن الجيش ليس منتشراً في الجنوب فحسب، بل في كل الأراضي اللبنانية، ويقوم بمهامٍ ليست ضمن صلب مهامه عملاً بقانون الدفاع، وهذا يشكل استنزافاً له، ويؤثر على تعزيز انتشاره، وهنا تكمن أهمية البحث في موضوع تعزيز قوى الأمن الداخلي، ورفع عديدها للتخفيف عن الجيش في الانتشار داخلياً، لكن في الظرف الحالي من الصعب رفع العدد، لذلك هذا واقعنا، وبناءً على الإمكانات والتحديات الموجودة خصوصاً؛ الوضعُ الاقتصادي الصعبُ الذي يطاول كذلك العسكريين، واللاجئون الفلسطينيون والسوريون في لبنان، والحدود، فإنّ الجيش يقوم بأداء كبير ما كان ليقوم به جيشٌ آخر.
• هل يفهم الأميركيون هذا الواقع أم أنهم لا يدركون أنّ استعجال سحب سلاح حزب الله من الممكن أن يفجّر حرباً أهلية في لبنان؟
طبعاً هذا الكلام نتحدث به مع الأميركيين، وقلناه أيضاً لنائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بأننا نريد سحب سلاح حزب الله، لكنّنا لا نريد تفجير حرب أهلية في لبنان، وهناك آذان صاغية عند الإدارة الأميركية وهي تعرف حقيقة الوضع في لبنان، وأنا حتماً لا أريد تفجير لبنان، وأي مشاكل داخلية تُحلّ بالحوار، وحزب الله ليس بعيداً عن هذا الواقع.
• لكنّكم تعرّضتم لهجوم من بعض القوى السياسية المعارضة لحزب الله في لبنان على خلفية تمسّككم بالحوار لسحب سلاح حزب الله.
وأنا أسأل مَن ينتقدني: ماذا يفعل إذا كان مكاني؟
• لكنّ هؤلاء يرتكزون إلى تجارب سابقة للبنان مع الحوار حول السّلاح منها عام 2006 و2007 و2008 التي لم تؤدِّ إلى نتيجة.
نكرّر أن السياسة ابنة الظروف، والظروف في الأعوام السابق ذكرها ليست كما هو الحال عليه عام 2025، من دون أن ننسى التغييرات التي حصلت في سورية، وكذلك على الصعيد الإيراني مثل موقف طهران المتطوّر حيال الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وهذه ظروف تساعد على الحديث مع حزب الله، والتشديد عليه بأن يضع كلّ هواجسه على الطاولة، ويدع الدولة تحلّها.
• هل هناك تواصل قائم مع حزب الله؟
نعم، هناك تواصل مباشر قائم مع حزب الله، والترجمة ظاهرة على الأرض، مثلما حصل على طريق المطار في بيروت، إذ جرت إزالة اللافتات الحزبية، وهذه إيجابيات، ونحن نسير خطوة تلو الخطوة، ونتطلع إلى إنجاز الملف في أسرع وقت؛ لأن هناك استحقاقات يجب البتُّ فيها لمصلحة لبنان، وكما قلت إنّ القرار اتُّخذ، ويبقى الحوار حول كيفية التنفيذ، عبر الحوار الثنائي بين الرئاسة اللبنانية وحزب الله بهذا الشأن.
• هل يمكن القول إنّ سنة 2025 ستكون سنة سحب سلاح حزب الله؟
نأمل أن يجري سحب سلاح حزب الله أو حصر السّلاح بيد الدولة في عام 2025، وهذا ما أسعى إليه.
• هل هناك تصوّر لديكم حول موضوع سحب السّلاح؟ وما رأيكم باقتراحات تخرج على صعيد تسليم السّلاح للدولة أو انضمام عناصر من حزب الله إلى القوات المسلحة اللبنانية ربطاً بخبراتهم الميدانية؟ وما مصير الأسلحة التي يقوم الجيش اللبناني بمصادرتها؟
بدايةً، الأسلحة التي تصادر يُكشَف عليها من الخبراء، فإذا كانت صالحة للاستعمال وتدخل ضمن المفهوم المطابق للاستخدام، مثل نوعية الذخيرة وبلد المنشأ وغيره، نصادرها ونبقيها عندنا، لكننا نتلف طبعاً غير الصالح منها، أما في موضوع عناصر حزب الله فهم في النهاية لبنانيون، وإذا أرادوا الالتحاق بالجيش فيمكن الخضوع لما يسمّى دورات استيعاب، وسبق أن خضع لها في السابق عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية (ملاحظة من المحرّر: عند انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية بعد عام 1990)، وبالتالي، يطلبون الانضمام للجيش، وتجري الموافقة على الطلبات إذا توفّرت فيهم المؤهلات والشروط، سواء التعليمية أو الطبية والعمرية وغير ذلك، وما يُطبَّق على كل اللبنانيين يُطبّق على شباب حزب الله. لم نتحدث بذلك معهم بعد، لكنْ هذا تصوّرنا، نطبّق قانون الدفاع عليهم وعلى غيرهم.
• هل من مقترح لاستنساخ تجربة الحشد الشعبي العراقي في حالة حزب الله مثلاً؟
أبداً أبداً، لا حشد شعبيّ ولا وحدة مستقلة داخل الجيش.
• بالعودة إلى مسألة تسليح الجيش اللبناني، ألا ترون أن الدّعم الخارجي وخصوصاً الأميركي لم يكن على المستوى المطلوب، خصوصاً على صعيد عدم دعم الجيش بالأسلحة المتطوّرة والنوعية؟
ليس مهماً تزويد أو دعم الجيش بالسلاح الجيّد والمتطوّر والنوعي بقدر تأمين خدمة هذا السّلاح وصيانته وتأمين كلفته، فهذه الأخيرة أعلى تكلفة من السّلاح نفسه، وبالتالي، هناك تكاليف مرتبطة بالتجهيزات والصيانة والمعدات، ويجب أن تكون متلائمة مع اقتصادنا اللبناني وقدرتنا المالية. ليست القضية أنّ الأميركيين لا يريدون تزويدنا بالأسلحة المتطوّرة، بل لو أعطَونا إياها، فهي لن تفيدنا؛ لأننا عاجزون عن خدمة هذه الأسلحة وتأمين استمراريتها.
• في تصريحها عقب زيارتها الثانية إلى بيروت (قبل نحو أسبوعَين ــ من المحرّر)، قالت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس إنها لم تسمع معارضة من جانبكم لموضوع تأليف ثلاث لجان دبلوماسية لمناقشة الملفات الحساسة مع إسرائيل، ما صحة ما جرى تداوله؟
نحن لم نتطرق إلى الموضوع، بل تحدثنا عن موقفنا من ملفِّ الحدود البرية الجنوبية، وأن تُجرى المفاوضات مع إسرائيل على غرار الترسيم البحري، ورئيس البرلمان نبيه بري اقترح عليها أيضاً العودة إلى اتفاقية الهدنة (1949)، أي التفاوض عبر اللجان التقنية والأمنية.
• إذا حصلت المفاوضات بشأن الحدود البرية والنقاط الـ13 المختلف عليها، هل ستكون مباشرة أم غير مباشرة؟
ستكون على غرار ما حصل في الملف البحري، بمعنى أن يكون هناك فريق عسكري ومدني، لنخرج بعدها بتوقيع اتفاق معيّن، سواء تحت المظلة الأميركية أو الدولية أو الأممية. وهذا الملف قابل للتفاوض، أما الحديث عن ملفات أخرى، فعلى ماذا نتفاوض؟ فلا أسرى إسرائيليين لدى لبنان، بل هناك أسرى لبنانيون لدى إسرائيل (عددهم 15 حالياً بعد أن أُفرِجَ عن 5)، وهناك أراضٍ لا تزال إسرائيل تحتلّها، وبالتالي على ماذا نتفاوض غير على الحدود البرية والنقاط الـ13 الخلافية؟
• لبنان يرفض التطبيع، لكن هل من الممكن أن يكون انسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها، ووقف اعتداءاتها مدخلاً لمفاوضات تطبيع، أم أن الموقف اللبناني الرسمي حاسم بأن لبنان سيكون آخر من يوقّع اتفاق سلام مع إسرائيل؟
الموضوع لم يُطرح مع الطرف الأميركي، بل حُكيَ بالوضع الأمني على الحدود وكيفية ضبطها، وأنا كنت واضحاً بالالتزام بمبادرة السّلام العربية المنبثقة عن مؤتمر بيروت عام 2002 ومؤتمر الرياض (نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، ولنكن واضحين، في السياسة كلّ شيء ممكن، والظروف تتحكم بالواقع، والأميركيون حالياً يعرفون أنّه لا يمكن حصول تطبيع أو مفاوضات سلام مع إسرائيل، والأساس بالنسبة إلينا اليوم هو تثبيت الاستقرار طويل الأمد على الحدود.
• حزب الله يرفض تسليم السّلاح طالما هناك تهديد إسرائيلي، وعدوانية إسرائيلية مستمرة، في وقت يبدو أنّ التهديد الإسرائيلي لن ينتهي قريباً أيضاً. كيف من الممكن إقناع حزب الله اليوم بتسليم سلاحه في ظلّ هذه المعادلة؟ حتى إنّ الأميركيين والفرنسيين قالوا لكم إنّهم غير قادرين على تقديم ضمانات لكم.
هذا الأمر قلته لمورغان أورتاغوس، بأنّ بقاء إسرائيل في النقاط الخمس يعطي عذراً لحزب الله، وبالتالي عليهم أن يخرجوا من لبنان ليتركوا لنا تحمّل المسؤولية ونشر الجيش، كذلك علينا أن نعرف ما هي هواجس حزب الله والتهديدات التي يشعر بها لتوجيه رسالة له بأننا سنعالجها بالنيابة عنه ضمن إطار الدولة، وليترك للدولة مجال المواجهة. نحن ماذا نملك سوى الخيار الدبلوماسي والطريقة الدبلوماسية؟ هل الحلّ في الحرب الأهلية؟ لا أرى أنّ أحداً يريد الحرب أو يتحمّلها، من هنا تأتي أهمية الحوار، صحيح أنّ هناك اختلافاً في الآراء، لكن علينا التحاور ولا طريق غير ذلك.
• أين وصلت التحقيقات في مسألة إطلاق الصواريخ من لبنان تجاه إسرائيل؟
أصبحت لدينا بصمات والبحث عن هوية أصحابها جارٍ في "داتا" الدولة اللبنانية، فإذا كانت عائدة للبنانيين يمكن معرفة الهوية، بعكس ما إذا كانت تعود لأجنبيّ، كما أنّ هناك موقوفين في القضية، وننتظر إذا كان باستطاعتنا أيضاً أن نحصل على مساعدة خارجية في إطار التحقيقات، وإذا كانوا يملكون أي شيء قادر على المساعدة.
• هل تخشون من أنّ المسار الطبيعي للتجاوزات الإسرائيلية ينتهي باشتباك شامل في حال رد حزب الله أو الحاضنة الشعبية التابعة له، أم يمكن القول إنّ حرباً إسرائيلية أخرى لن تقع على لبنان؟
هذه الاحتمالات واردة، لكنّ حزب الله برهن على ضبط النفس خلال هذه الفترة والوعي الكبير، وظهر على مستوى المسؤولية رغم الخسارة البشرية الجسيمة التي أصابته، ونحن بدورنا بعثنا رسائل إلى الإسرائيليين من خلال الأميركيين بأنه في حال وجود شكوك حول مخزن مثلاً أو غرفة أو مبنى أو غيره يتوافر فيه سلاح، نحن نتابع الموضوع ونقوم بتدميرها.
في المقابل، عمّا إذا كان بالإمكان أن ينجرّ حزب الله إلى الحرب، فهو ليس بوارد ذلك، لكن في النهاية يبقى الاحتمال قائماً مع استمرار الاعتداءات، من هنا نكرر دائماً القول: اتركونا نتفاوض مع حزب الله وليتركوا لنا المجال للعمل.
• ترسيم الحدود البرية مع سورية يعدّ من الأمور المعقّدة، هل جرى بحث موضوع مزارع شبعا بالتحديد خلال اللقاءات بين المسؤولين اللبنانيين والسوريين، وهل ستتمكنون من انتزاع اعتراف بلبنانيّة مزارع شبعا من دمشق؟
لا أريد استخدام تعبير انتزاع، لكن خلال زيارتي إلى فرنسا واجتماعي مع الرئيس إيمانويل ماكرون والرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، وانضم إلينا في اتصال الرئيس السوري أحمد الشرع، قبل تأليف الحكومة السورية، تحدثنا في موضوع تأليف لجنة لتثبيت الحدود، وأبدى الرئيس ماكرون اهتمامه واستعداده للمساعدة عبر تزويدنا بالأرشيف الفرنسي الذي يفيد بأنّ مزارع شبعا لبنانية، من هنا علينا الذهاب باتجاه التثبيت النهائي للحدود، والشرع تحدث بدوره عن ضرورة حلّ هذا الخلاف.
ويجب لفت النظر هنا إلى أنّ النقاط المختَلَف عليها مع إسرائيل لا يتخطى حجمها الـ400 ألف متر مربع (أي أقل من نصف كيلومتر مربع)، من دون شبعا، في حين أن النقاط المتنازع عليها مع سورية ذات مساحات واسعة، مثلاً في عرسال لوحدها مساحتها بحدود 40 مليون متر مربع، وبالتالي هناك ملايين الأمتار تعدّ نقاطاً خلافية مع سورية.
• هل تتوقعون مفاوضات ترسيم حدود برية صعبة مع سورية؟
كل طرف طبعاً يريد أن "يشدّ" لصالحه ووفق الخرائط التي يملكها، ونحن نأمل أن تساعدنا فرنسا ربطاً بالتقارير التي لديها، وأنا أكرّر، بطبعي متفائل جداً، وأتطلع إلى النصف الملآن من الكأس.
• هل من ثوابت على صعيد الحدود البرية مع إسرائيل خصوصاً أن تجربة الترسيم البحري لاقت العديد من الانتقادات حول تخلي لبنان عن حقوقٍ له، هل سيشهد عهدكم تمسّكاً بكامل حقوق لبنان في الملف البري؟
الترسيم البحري يختلف عن ذاك البري، وذلك وفق تقنيين وحقوقيين، فلا شي اسمه حدود بحرية بين دولتَين إلا ما هو معترف فيه ومرسّم بين الطرفَين، ومسجَّل في الأمم المتحدة. أما الجغرافية البرية فتختلف، خصوصاً أن حدودنا الجنوبية مرسّمة وموثقة دولياً، لكنّ التطورات الميدانية منذ أواخر الستينيات وحتى العدوان الأخير، تفرض العمل على إعادة تثبيتها. لذلك نطلب دائماً العودة إلى اتفاقية الهدنة لعام 1949، التي تستند إلى اتفاق بوليه ـ نيوكومب (1923)، وبالتفاوض يمكن معالجة هذه القضية والوصول إلى حلّ، بما يحفظ مصلحة لبنان وسيادته الكاملة على كل ذرة من ترابه، ويضمن استقرار حدوده الدولية لصون استقرار الحدود وأمنها، وهناك أفكار عدة ندرسها منها مسألة قرية الغجر، والمسار الذي يجب أن نسير عليه.
• هل من نيّة لديكم لتوجيه دعوة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة بيروت، أم لديكم بحث بدوركم في احتمال التوجّه إلى سورية للقائه؟
كل شيء قابل للبحث، لكنّ هناك أولويات بصراحة، فاليوم قطر، ومن ثم الإمارات، فالكويت، والعراق، وتباعاً البحرين، وعُمان، والأردن، ومصر.
• ماذا عن واشنطن؟
طبعاً نريد أن نسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، لكن يجب زيارة هذه الدول العربية أولاً، فهي الأقرب إلى مساعدة لبنان.
• هل تعتبر أن زيارتكم إلى دمشق حين تحصل يجب أن تكلَّل باتفاق حول ملفات واستحقاقات أساسية؟
حتى لو لم تكلّل باتفاق، لكن على الأقل ستعيد تصحيح مسار العلاقة الذي يجب أن يكون قائماً على احترام الآخر وسيادة الدول، وقد أجد نفسي مضطراً للذهاب إلى سورية إذا كانت الملفات غير مسهّل حلّها.
• هل هناك ذيول لتعيين الحاكم الجديد لمصرف لبنان على العلاقة بينكم وبين رئيس الوزراء نواف سلام؟
لا مشكلة أبداً بيني وبين رئيس الحكومة نواف سلام، هو لم يكن لديه أي مرشح وأنا كان لديّ، وحضر كريم سعيد جلسة مجلس الوزراء وجرى طرحُ الأسئلة عليه، وكل شخص بالتالي لديه رأيه. في النهاية أنا ورئيس الحكومة احتكمنا معاً إلى الدستور، وهو ينص على اتخاذ القرارات بالتوافق. وإذا تعذّر فبالتصويت، وهذا ما حصل. وقد أعطينا معاً نموذجاً ميثاقياً عن عمل المؤسّسات الدستورية على نحوٍ سليم. وهذا أمر صحيّ، وهذا نسميه اختلافاً في وجهات النظر، لا خلافاً، وهذه كلّها تندرج في إطار اللعبة الديمقراطية والمناقشات الصحية.
• هل يمكن أن نرى تبدّلاً في الأجواء الإيجابية في علاقتكم مع رئيس البرلمان نبيه بري، على خلفية ملف سلاح حزب الله خصوصاً أن بري يمثل وجهة نظر حزب الله؟
أنا والرئيس بري متفقان على كل المواضيع خصوصاً حصر السّلاح بيد الدولة. والقرار اتُّخذ، لكنّ المقاربة هي الأساس وكيفية تنفيذ الاتفاق. لا أريد الذهاب في صدام مع أحد، أريد التحاور مع الجميع ووضع هواجس حزب الله على الطاولة لمعالجتها عن طريق الدولة.