الرسوم الجمركية تضرب خطط ترامب لزيادة إنتاج النفط

منذ ٥ ساعات ١٨

تضرب الحرب التجارية الواسعة التي يشنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حلفاء واشنطن وخصومها على حد سواء، خططه الرامية إلى تحقيق طفرة في صناعة الطاقة الأميركية، إذ يقوّض التباطؤ الاقتصادي، الذي يطارد الولايات المتحدة وغيرها من الدول، من الطلب على النفط الخام، ما يدفع أسعاره إلى الهبوط، الأمر الذي يدفع الشركات الأميركية إلى العزوف عن الحفر، لا سيّما حال وصول الخام إلى 50 دولاراً للبرميل، وهو المستوى الذي تستهدفه إدارة ترامب أيضاً للحيلولة دون ارتفاع معدل التضخم في أميركا.

وتحوّل التأييد المفرط من جانب منتجي الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة لخطط ترامب للحد من القيود التنظيمية وتشجيع الإنتاج، إلى مخاوف من انعكاسات سلبية على معدلات الإنتاج، بسبب حرب الرسوم الجمركية الواسعة التي يشنها الرئيس، التي تطاول مدخلات إنتاج رئيسية منها الصلب والألمنيوم، فضلاً عن التوقعات المتزايدة بتسبب الإجراءات الحمائية الأميركية التي تعد الأضخم منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إلى كبح نمو أكبر اقتصاد في العالم في المدى القريب.

وتسللت هذه المخاوف إلى أحاديث صنّاع الطاقة في غرف اجتماعات الفنادق وعلى مآدب خاصة، على هامش مؤتمر "أسبوع سيرا للطاقة" الذي أقيم في هيوستن في الفترة من 10 إلى 14 مارس/آذار الجاري، إذ اجتمع كبار رجال الصناعة في مؤتمرهم السنوي الأهم، وكان البعض يأمل أن يمنح ترامب شركات النفط والغاز إعفاءً من الرسوم الجمركية على غرار مع فعل في ولايته الرئاسية الأولى (2017 ـ 2021)، لكنه لم يفعل هذه المرة، وتحاول الشركات الموازنة بين الدفاع عن مصالحها، التي غالباً ما تشمل التجارة الحرة، وعدم الاصطدام بترامب، الذي أنفقت صناعة النفط والغاز أكثر من 75 مليون دولار لانتخابه.

قال الرئيس التنفيذي لمعهد البترول الأميركي، المجموعة التجارية الرئيسية لصناعة النفط والغاز، مايك سومرز، في مقابلة خلال مؤتمر "أسبوع سيرا للطاقة" الذي نظمته مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال"، وفق صحيفة نيويورك تايمز: "نأمل أن تصبح أجندة هيمنة الطاقة أكثر أهمية من أجندة الرسوم الجمركية".

ومن المقرر أن يلتقي مسؤولون تنفيذيون في قطاع النفط والغاز بترامب في البيت الأبيض هذا الشهر، وقال وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، بعد اجتماع مع مسؤولي الطاقة قبل أيام: "هناك الكثير من عدم اليقين في الوقت الحالي، أتفهم القلق حيال كل ذلك، لكنني أعتقد أننا سنصل إلى وضع جيد للغاية".

ودخلت رسوم جمركية بنسبة 25% حيز التنفيذ على واردات الصلب والألمنيوم، المستخدَمَين على نطاق واسع في صناعة الطاقة، وكانت المخاوف بشأن الرسوم الجمركية والاقتصاد هي الأسباب الرئيسية لتراجع أسعار النفط مؤخراً، ويحوم سعر خام غرب تكساس الوسط الأميركي عند نحو 67 دولاراً للبرميل، بانخفاض يقارب 15% منذ الفترة التي سبقت تنصيب ترامب في العشرين من يناير/كانون الثاني الماضي.

وخفض بنك الاستثمار العالمي غولدمان ساكس توقعاته لأسعار النفط، مع تراجع آفاق نمو الاقتصاد الأميركي بسبب الرسوم الجمركية، في الوقت الذي تعزز منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها الإنتاج. ويأتي خفض التوقعات بعد تراجع أسعار النفط الخام عن أعلى مستوياتها هذا العام في يناير/كانون الثاني، بسبب وفرة الإمدادات وضعف توقعات الطلب من الصين، أكبر مستورد في العالم، وتصاعد الحرب التجارية الدولية.

وقال محلّلون لدى "غولدمان ساكس"، من بينهم دان ستريفن، في مذكرة بحثية، نشرت الأحد الماضي: "في حين أن التراجع بمقدار عشرة دولارات للبرميل منذ منتصف يناير/كانون الثاني يفوق التغير في العوامل الأساسية وفق توقعات السيناريو الأساسي، فإننا نخفض توقعاتنا لسعر خام برنت في ديسمبر/كانون الأول 2025 بمقدار خمسة دولارات إلى 71 دولاراً".

وأضافوا: "تظل المخاطر متوسطة المدى التي تؤثر على توقعاتنا مائلة نحو الانخفاض، نظراً لاحتمال تصعيد الرسوم الجمركية واستمرار زيادة إنتاج تحالف أوبك+ لفترة أطول". وأصبحت بعض أكبر شركات تجارة النفط في العالم أكثر تشاؤماً، إذ تتوقع شركتا فيتول وغنفور فائضاً في المعروض، وقالت وكالة الطاقة الدولية، الأسبوع الماضي، إن الطلب يتراجع بسبب تصاعد الحرب التجارية وتعهّدِ منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفائها بزيادة الإمدادات، متوقعة فائضاً قدره 600 ألف برميل هذا العام، أي ما يعادل نحو 0.6% من الاستهلاك العالمي اليومي.

في الواقع يشهد الإنتاج ارتفاعاً، فقد ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أخيراً في أحدث توقعاتها للطاقة على المدى القصير، أنها تتوقع أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة هذا العام بمقدار 400 ألف برميل يومياً، ليصل إلى 13.6 مليون برميل يومياً، ما سيعزز مكانة البلاد بوصفها أكبر منتج عالمي للنفط، ويُعد سبباً رئيسياً لضعف أسعار النفط. ومع ذلك، ينتج تحالف "أوبك+" كميات أكبر، أو بالأحرى، يتجاوز إنتاج بعض أعضاء المجموعة حصتهم بكثير.

في آخر تحديث للتحالف، كانت كازاخستان الأكثر تجاوزاً للحصص، بمتوسط إنتاج يومي بلغ 1.767 مليون برميل في فبراير/شباط الماضي، مُقابل حصة قدرها 1.468 مليون برميل يومياً، كما تجاوزت نيجيريا سقف إنتاجها، وإن كان على نحوٍ أقل حدة، بنحو 70 ألف برميل يومياً، وفق تقرير لنشرة "أويل برايس" المتخصصة في الطاقة.

في الأثناء، حذرت مجموعة "سيتي غروب" في مذكرة للمستثمرين، يوم الجمعة الماضي، من أن احتمال تراجع عائدات شركات النفط يُهدد بخنق عمليات الحفر، وذكر سكوت غروبر، المحلل لدى المجموعة المصرفية العالمية، أن مُشغّلي النفط الصخري سيغلقون على الأرجح 25 منصة حفر، ولن يتمكنوا من زيادة إنتاج النفط الأميركي إذا بقي سعر خام غرب تكساس الوسيط، حول 65 دولاراً للبرميل، وأضاف أن أي انخفاض إضافي في الأسعار سيُقلل في الواقع من إنتاج النفط الخام.

وقد لامس سعر الخام الأميركي أدنى مستوى له في 22 شهراً عند 65.22 دولاراً في وقت سابق من هذا الشهر، قبل أن يعاود الصعود قليلاً، أمس الاثنين، فوق 67 دولاراً للبرميل بفعل المخاوف من الضربات التي تشنها الولايات المتحدة على الحوثيين في اليمن وتصاعد الاضطراب في منطقة البحر الأحمر، وقال غروبر: "من المرجح أن يُسفر انخفاض الأسعار إلى منطقة 55 إلى 60 دولاراً عن تأثير أكبر، إذ من المحتمل أن ينخفض عدد منصات الحفر بنحو 75 منصة، وينخفض الإنتاج بأكثر من 300 ألف برميل يومياً".

ونقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن الخبيرين في قطاع النفط الصخري، هارولد هام وسكوت شيفيلد، قولهما إن وصول سعر النفط إلى 50 دولاراً سيخلق ظروفاً صعبة للقطاع. وفي نهاية العام الماضي، توقعت شركة الطاقة ترافيغورا نمو الإنتاج الأميركي بنحو 400 ألف برميل يومياً، منها حوالى 100 ألف برميل من النفط الصخري، وفي حال استمرار الانخفاض الحالي للأسعار، فقد يكون هناك سيناريو يبقى فيه إنتاج النفط الصخري الأميركي ثابتاً أو حتى ينخفض، وفقاً لكبير الاقتصاديين في "ترافيغورا" سعد رحيم، الذي قال في مقابلة مع الوكالة الأميركية: "يبدو سعر 60 دولاراً منخفضاً جداً بالنسبة لمعظم الصناعة".

وتأتي الضغوط الهبوطية السعرية، التي تتسبب فيها المخاوف من تراجع الطلب بفعل تداعيات رسوم ترامب الجمركية على النمو الاقتصادي، في وقت يضغط فيه ترامب أيضاً لخفض أسعار النفط إلى نحو 50 دولاراً للبرميل، واعتبر المسؤول في البيت الأبيض بيتر نافارو، الذي لطالما قدم المشورة لترامب في الشؤون التجارية، أن هذا الانخفاض من شأنه أن يُخفف التضخم، لكن في معظم حقول النفط الأميركية، تحتاج الشركات عموماً إلى أسعار أعلى من 60 دولاراً للبرميل لتحقيق الربح من الآبار الجديدة، وفقاً لبنك الاحتياط الفيدرالي في دالاس.

كما قال الملياردير هارولد هام، رئيس شركة كونتيننتال ريسورسز للطاقة، لتلفزيون بلومبيرغ في وقت سابق من مارس/آذار الجاري إنّ "هناك العديد من الحقول التي وصلت إلى نقطة يصعب فيها الحفاظ على انخفاض تكلفة الإمدادات.. عندما تكون أسعار النفط أقل من 50 دولاراً، فإنك تصبح تحت النقطة التي ستتمكن عندها من مواصلة العمل بمقولة: احفر، يا عزيزي، احفر".

بدوره، قال قال المستثمر سكوت شيفيلد، الذي باع العام الماضي شركته النفطية الكبيرة بايونير ناتشورال ريسورسز لشركة إكسون موبيل: "لن تجد أحداً في الصناعة ينتقد إدارة ترامب"، لكنه وجه تساؤلات لترامب وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز: "هل يريد حقاً أن يكون سعر النفط 50 دولاراً؟ هل يدرك تأثير ذلك؟ ما الذي سيؤثره ذلك على الصناعة؟"، ولم يكن المديرون التنفيذيون الذين لا يزالون يديرون الشركات أو يمثلونها بمثل هذه الصراحة، بل أشاد كثيرون بترامب واختياراته الوزارية، معربين عن دعمهم لنهج تطوير الطاقة.

قراءة المقال بالكامل