لم تتأخر القوى السياسية الكردية في سورية في إعلان الرفض الكردي للإعلان الدستوري الناظم للمرحلة الانتقالية في البلاد والذي صدر الخميس الماضي من دمشق، ما أوجد مخاوف من أن يهدّد الاتفاق "التاريخي" بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والتي تمثّل جانباً من الشارع الكردي. وما إن أعلنت اللجنة المكلفة الإعلان الدستوري، حتى سارعت القوى الكردية إلى إصدار بيانات رفض له لأنه "لم يضمن حقوق جميع القوميات والمكونات في البلاد"، وفق بيان للمجلس الوطني الكردي، أبرز القوى السياسية الكردية في سورية. وقال المجلس الذي يضم أحزاباً سورية كردية إن الإعلان المذكور "جاء مخيباً للآمال، بعيداً عن التطلعات نحو بناء دولة ديمقراطية تعكس التنوع الحقيقي للمجتمع السوري". وأكد البيان أن المجلس يرى في الإعلان الدستوري "خطوة نحو ترسيخ الأحادية والاستئثار بالسلطة، متجاهلاً الطبيعة التعددية لسورية وهويتها، بصفتها دولة متعددة القوميات والأديان، حيث لم يضمن الحقوق القومية والدينية لمكوناتها، بل ثبّت هوية قومية واحدة في تسمية الدولة، في إقصاء واضح لغيرها من المكونات.
"قسد" ترفع السقف
ورفعت "الإدارة الذاتية"، وهي الذراع المدنية والإدارية لـ"قسد"، سقف الرفض الكردي للإعلان الدستوري إلى الحد الذي وصفت فيه الإعلان، بأنه "جاء مماثلاً لسياسات حزب البعث السابقة". واعتبرت أن الإعلان "يفتقر إلى معايير التنوع الوطني السوري"، مضيفة أنه "يخلو من بصمة أبناء سورية من الأكراد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات".
أحمد القربي: مطالب اللامركزية غير واقعية الآن، فالمركز ضعيف
وفي السياق ذاته، أبدى "مجلس سوريا الديمقراطي" (الذراع السياسية لقوات قسد)، تحفظاً على الإعلان، لجهة أنه "يعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، ويكرّس الحكم المركزي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، بينما يقيّد العمل السياسي ويجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطل مسار التحول الديمقراطي".
وضمّ الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع الخميس الماضي، 53 مادة، أثارت بعضها حفيظة قوى سياسية في البلاد، وأخرى تمثّل أقليات مذهبية، خصوصاً المادة التي حدّدت دين رئيس الدولة بـ"الإسلام". ولكن أكثر ما أثار الرفض الكردي للإعلان الدستوري واستياء الشارع الكردي ودفعه للخروج في تظاهرات مندّدة بالإعلان، المادة التي أبقت على اسم الدولة في الدساتير السورية السابقة وهو "الجمهورية العربية السورية". كما توقف الشارع الكردي في سورية مطولاً عند المادة الرابعة في الإعلان والتي نصّت على أن "اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة".
هواجس الرفض الكردي للإعلان الدستوري
ولم يسبق للقوى السياسية الكردية في سورية أن تلاقت عند موقف واحد إزاء العديد من القضايا في المشهد السياسي، إلا هذه المرة، ما يعكس حجم الرفض الكردي للإعلان الدستوري الصادر من دمشق، والذي يُخشى أن يهدد اتفاقاً وُصف بـ"التاريخي" بين الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات "قسد"، قبل أيام عدة في دمشق. واعترف الاتفاق للمرة الأولى في تاريخ الدولة بالمكون الكردي بوصفه "مجتمعاً أصيلاً في الدولة السورية". ويشكل الأكراد نحو 5% من سكّان سورية، وفق تصريحات للمبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا في عام 2016. وينتشرون في عموم المناطق السورية بما فيها دمشق، إلا أنهم يتمركزون في أقصى الشمال الشرقي من البلاد وفي منطقتي عفرين وعين العرب (كوباني) في ريف حلب.
ولكن أحمد القربي، وهو عضو لجنة كتابة الإعلان الدستوري، رأى في حديث مع "العربي الجديد" أنه "لا يمكن القول إن هناك إجماعاً كردياً رافضاً"، معرباً عن اعتقاده بأن "هناك جزءاً من المكون الكردي لديه تحفظ وهواجس". وتابع: "المخاوف التي تمّ الاستناد عليها لإظهار الرفض الكردي للإعلان الدستوري ناتجة عن مواقف سياسية لتحصيل مكاسب، أكثر ما تكون تقنية وقانونية"، مشيراً إلى أن "الإعلان أكد على المواطنة الكاملة وضمان الدولة للتنوع الثقافي واللغوي لمختلف المكونات". كما لفت إلى الحديث عن أن الإعلان الدستوري لم يشر إلى القضية الكردية في البلاد، أو اللامركزية، معتبراً أن "هذه المطالب تبدو غير واقعية، إذ كيف يمكن اعتماد اللامركزية والمركز في الوقت الراهن ضعيف، فضلاً عن تهديدات خارجية وداخلية وتشرذم اجتماعي. علينا بناء مؤسسات الدولة أولاً، ومن ثم نتجه إلى اللامركزية".
رضوان زيادة: يعود إلى البرلمان تغيير اسم الدولة، وليس الإعلان الدستوري
ويدفع الأكراد باتجاه تغيير اسم الدولة إلى "الجمهورية السورية"، واعتماد اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية. وتسيطر "قسد" التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها الرئيسي خصوصا لجهتي القيادة والتوجيه، على الثلث الأغنى بالثروات من البلاد. وكان الاتفاق الذي أبرمته مع الرئاسة السورية رفع سقف التفاؤل في الشارع السوري لجهة تجنيب البلاد دورة عنف جديدة من أجل فرض سيطرة الدولة على كامل البلاد.
ولم يستبعد الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يلقي الرفض الكردي للإعلان الدستوري بظلاله على الاتفاق "لا سيما أن الاتفاق لم يدخل حيّز التنفيذ بعد"، مشيراً إلى أن التحفظ الكردي على الإعلان "كان متوقعاً بالنظر إلى مواقفهم السابقة من الإدارة الجديدة في البلاد". وشدّد على أن الإعلان الدستوري "لا يستطيع تغيير اسم الدولة. هذا أمر يعود إلى برلمان منتخب".
من جهته، رأى رياض درار، وهو رئيس سابق لـ"مجلس سوريا الديمقراطي" (مسد) في حديث مع "العربي الجديد"، أن الرفض الكردي للإعلان الدستوري "تعبير سياسي لأن الإعلان خارج التوقعات ويؤسس لنظام استبدادي وسيطرة الفرد ولا يخدم شعارات المرحلة الانتقالية، خصوصاً مع طول مدة هذه المرحلة". ولكن درار اعتبر أن هذا الموقف "لن يشكل قطيعة مع اتفاق دمشق وقوات قسد"، مؤكداً أن "قسد ما تزال عند الاتفاق". وأعرب عن اعتقاده بأن "اللقاء المقبل مع الإدارة سيكون من وسائل الضغط لإعادة كتابة هذا الإعلان".
إبراهيم مسلم: الإعلان يتعارض مع اتفاق قسد ودمشق
وتشير المعطيات إلى أن "قسد" ليست بصدد إعادة النظر في الاتفاق الذي أبرمته مع الرئاسة السورية على ضوء الرفض الكردي للإعلان الدستوري الصادر عن دمشق، خصوصاً أن الاتفاق جاء بدفع ورضى الجانب الأميركي الذي كما يبدو يخطط لسحب قواته من الشمال الشرقي من سورية. والانسحاب المحتمل لن يكون لصالح "قسد" في حال تنصلها من الاتفاق مع دمشق، فالتخلي عن الاتفاق يفتح باب تصعيد عسكري لن يكون في صالح القوات الكردية التي ما تزال تواجه احتمالات تصعيد تركي ضدها في حال عدم تنفيذ الاتفاق المبرم. وبرأي المحلل السياسي المقرب من "الإدارة الذاتية"، إبراهيم مسلم، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن "مضمون الاتفاق الذي عقد بين الرئاسة السورية وقوات قسد يؤكد على التشاركية في إدارة البلاد، وتثبيت حق كل المكونات السورية في الدستور، لكن بعد يومين تمّ إصدار إعلان دستوري يتعارض مع مضامين الاتفاق".
