تركيا بلد نابض بالحياة والسياحة فيها تجذب الناس لزيارة ثرائه الثقافي ومعايشة تقاليد بلد يتميز بالمهرجانات التي تقام شهرياً تقريباً، وعندما يتعلق الأمر بالاحتفال بشهر رمضان، فإن الاستعدادات تكون في أوجها. أجواء السياحة الرمضانية في المدن التركية نابضة بالحياة، مع تزيين الشوارع بالأضواء والزخارف الملونة، والأسواق التي تعجّ بالمتسوقين. ويُعد الشهر الكريم فرصة أيضاً للعائلات التركية للاجتماع معاً ومشاركة وجبات الإفطار، ما يعزز الشعور بالوحدة والتضامن، كذا تستضيف المساجد صلاة التراويح وينخرط المسلمون في أعمال عبادة وتقوى متزايدة.
يمكن أن تكون السياحة في تركيا خلال شهر رمضان تجربة رائعة خاصة في الأيام الأخيرة من الشهر الكريم، وبالتزامن مع عيد الفطر، المعروف باسم رمضان بايرامي باللغة التركية. ويتميز هذا العيد الديني بالصلوات والولائم وتبادل الهدايا بين الأهل والأصدقاء، ويمكن للسياح مشاهدة الثقافة التركية في أوج قوتها.
"كاراغوز وهاسيوات"
يُحتَفَل برمضان في تركيا بحماسٍ كامل، إذ يزور الناس جيرانهم وعائلاتهم لتقديم المعايدة في الشهر الفضيل، كما يتجوّل الناس للاستمتاع بالعروض المسرحية ومن ضمنها "كاراغوز وهاسيوات"، وهي عروض دمى الظل، وهي شائعة بين الأتراك المحليين، وتشتهر خاصة خلال شهر رمضان. و"كاراغوز وهاسيوات" هي مسرحية ظل تقليدية تعود إلى العصر العثماني في الحانة التركية العامة، لا توجد معلومات مؤكدة حول متى وأين نشأت المسرحية تحديداً، لكن يُعتقد أنها كانت موجودة في الأناضول في وقت مبكر من القرن الرابع عشر.
الشخصيات الرئيسية في المسرحية هما صديقان، هاسيوات وكاراغوز، يُصوّر هاسيوات على أنه ذكي ولطيف ومحترم، بينما كاراغوز هو شخصية ساذجة وكوميدية، تعتمد المسرحية عادة على الحوارات والمغامرات بين الشخصيتين، ويقصد الأتراك المقاهي والملاهي والمطاعم من أجل الاستمتاع بمشاهدة هذه المسرحيات.
الإفطار المشترك
تقليد قديم آخر يتبعه الناس في مهرجان رمضان في تركيا هو الإفطار المشترك، إذ تُنظّم إفطارات مشتركة يمكن لأي شخص الانضمام إليها. المقيمون أو قاصدي السياحة في تركيا يأكلون من نفس الطاولات وفي الواقع من نفس الأطباق أثناء الإفطار المشترك، بغض النظر عن المكان الذي تنتمي إليه. وتقيم بلدية إسطنبول موائد جماعية عديدة في مناطق عدة بإسطنبول كل عام، ومنها مائدة في منطقة السلطان أحمد وأكسراي بقلب المدينة، وأحد أكثر مراكزها حيوية، كما تُوزّع آلاف وجبات الإفطار يومياً، ويجري تناول العديد منها في جو عائلي.
تعتبر هذه الموائد طقوساً اجتماعية ودينية عميقة الجذور، كما أنها فرصة لتقارب أفراد المجتمع من بعضهم البعض، وتعود جذور موائد الرحمن في تركيا إلى العهد العثماني، إذ كانت تُعَدُّ خصوصاً في شهر رمضان، وكانت تعرف آنذاك بالموائد السلطانية، لتتحول تسميتها لاحقاً إلى الموائد الملكية، ومع مطلع القرن العشرين، شهدت هذه التقاليد غروباً مؤقتاً، لكنها عادت من جديد في سبعينيات القرن ذاته.
بين المدفع والمسحراتي
يقصد العديد من الأتراك مناطق رمي الطلقات الخاصة بمدفع رمضان، كما يشاهدها من يقصدون السياحة في تركيا. بدأ تقليد إطلاق قذائف المدفعية على يد العثمانيين في تركيا خلال عام 1821 من قلعة الأناضول، وهناك العديد من الأماكن السياحية الأخرى في تركيا التي يمكن من خلالها السعي إلى القيام بهذه التجربة، تكمن أهمية مدفع رمضان في إبلاغ الناس ببدء الإفطار حتى يتمكنوا من كسر صيامهم.
ومن العادات الجميلة خلال الشهر الكريم، قيام مجموعة من عازفي الطبول بالسير في شوارع تركيا وطرق الطبول الخاصة بهم، لإيقاظ الناس والإشارة إلى بداية السحور. والسحور هو أول وجبة يجري تناولها قبل شروق الشمس، وبعد ذلك يبدأ الصيام ويمكن للناس تناول الطعام مباشرة أثناء الإفطار، ولا شيء بينهما. ونظراً لأن هذا الشهر مقدس وينشر فيه الناس السعادة والتفاؤل، يتقاسم الجيران ويوزعون الخبز المقلي اللذيذ المسمى بيسي جنباً إلى جنب مع المشروبات العثمانية اللذيذة أثناء الإفطار بادرةَ حسن نية تجاه الآخرين.
طعام الشارع
لرمضان عادات وطقوس خاصة في تركيا، تحديداً قبيل ساعات الإفطار وحتى ساعات الفجر الأولى. وغالباً ما يجري كسر الصيام بطبق صغير من الحساء، ثم يتبع ذلك سلطة وطبق رئيسي بسيط مع بعض الأرز أو البرغل. إلى جانب ذلك، رغيف خبز ضخم خاص بشهر رمضان، وتحرص المخابز دائماً على توفير الكثير منها في الساعة التي تسبق غروب الشمس، وغالباً ما سترى طوابير عديدة، إذ يحصل الجميع على أرغفة الخبز الطازجة في الوقت المناسب للإفطار. كما يحرص الأتراك على شراء الغولاك، وهي حلوى من أوراق الأرز المنقوعة في الحليب المحلى المنكّه بماء الورد والمغطاة بالمكسرات والتي تُقدّم خلال هذا الشهر فحسب.
لكن بصرف النظر عن الغولاك، لا يوجد طبق أو قائمة محددة يستمتع بها الجميع خلال شهر رمضان في تركيا، الأمر كله يتعلق بالاستمتاع بتجمع العائلة، وتناول الأطعمة المعتادة. وبعد أداء صلاة التراويح، تعج المناطق السياحية تحديداً بالكثير من السياح والسكان، وتنتشر أكشاك الطعام لتقديم أفضل الأطعمة، والمشروبات.
