الصين تكشف عن خطة ضخمة لإحياء الاقتصاد والتحول إلى قوة تكنولوجية

منذ ٦ أيام ١٥

أمضى قادة الصين الأسبوع الماضي في الكشف عن خطتهم لتوجيه ثاني أكبر اقتصاد في العالم عبر التحديات المقبلة، من خلال تحويل البلاد إلى قوة تكنولوجية وزيادة الإنفاق لتحقيق هدف نمو طموح. وبنهاية الاجتماعات التي استمرت أسبوعًا في بكين، صوّت آلاف المندوبين في الهيئة التشريعية الصينية اليوم الثلاثاء، بالإجماع تقريبًا لصالح تقرير عمل الحكومة والميزانية.

وتمثل هذه المبادرات تحديًا كبيرًا أمام الحكومة الصينية والرئيس شي جين بينغ، الذي يعد أقوى زعيم في البلاد منذ عقود، لضمان نجاح هذه السياسات، إذ تواجه بكين مجموعة من المشكلات الداخلية، بما في ذلك تداعيات أزمة العقارات الضخمة، وارتفاع ديون الحكومات المحلية، وضعف الطلب الاستهلاكي، في وقت تزداد فيه الضغوط الاقتصادية القادمة من الولايات المتحدة، حيث يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، ويهدد بتوسيع القيود على الاستثمارات الأميركية في الصين.

ويوم الأحد، أظهرت بيانات جديدة أن أسعار المستهلكين في الصين انخفضت إلى أدنى مستوى لها في 13 شهرًا خلال فبراير/شباط، الأمر الذي عكس الضغوط الانكماشية المستمرة التي تثقل كاهل الاقتصاد. وأقر القادة الصينيون بالصعوبات القادمة، لكنهم أكدوا في الوقت ذاته ثقتهم بمستقبل الصين. وقال رئيس الوزراء لي تشيانغ في افتتاح جلسة المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني يوم الأربعاء إن هدف النمو البالغ حوالى 5% "يعكس تصميمنا على مواجهة التحديات وبذل جهود حثيثة لتحقيق النجاح".

وعلى الرغم من أن هذا التجمع السنوي يتمحور إلى حد كبير حول الإجراءات البروتوكولية، حيث تكمن السلطة الحقيقية في الحزب الشيوعي الصيني، فإن الأولويات التي تم تحديدها، والرسائل التي نقلها شي والمسؤولون خلال الحدث، تقدم لمحة حاسمة عن كيفية سعي بكين لضمان استمرار نمو الاقتصاد الصيني وتقدمه التكنولوجي، خصوصاً في ظل تصاعد التوترات وعدم اليقين في العلاقات مع الولايات المتحدة.

الصين تركز على الذكاء الاصطناعي و"صناعات المستقبل"

وكان الذكاء الاصطناعي الموضوع الأبرز في هذا الاجتماع، حيث عززت الصين حماستها للتكنولوجيا بدعم من النجاح الكبير لشركة ديبسيك DeepSeek، التي أطلقت نموذجًا لغويًا ضخمًا في يناير/كانون الثاني، فاجأ وادي السيليكون وأثار حماسة البلاد. وأظهر النموذج قدرات قريبة من نظرائه الأميركيين، على الرغم من القيود المتزايدة التي فرضتها الولايات المتحدة على وصول الصين إلى رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة اللازمة لتدريب هذه النماذج.

وأعلن المسؤولون الصينيون يوم الخميس إنشاء صندوق مدعوم من الدولة لدعم الذكاء الاصطناعي والابتكارات التكنولوجية الأخرى، متوقعين أن يجذب استثمارات تقارب تريليون يوان (138 مليار دولار) على مدار 20 عامًا من الحكومات المحلية والقطاع الخاص. وشدد تقرير عمل الحكومة على ضرورة "تعزيز الصناعات الناشئة وصناعات المستقبل"، مثل التكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا الكمومية، والذكاء الاصطناعي المجسّد، وتقنيات الجيل السادس (6G). كذلك شدد على أهمية بناء المواهب المحلية وتحسين البحث والتطوير في البلاد.

ويأتي هذا في إطار رؤية شي الشاملة لتحويل الصناعات الصينية من خلال الابتكار عالي التقنية، وضمان الاكتفاء الذاتي التكنولوجي في مواجهة القيود الأميركية المتزايدة على وصول الصين إلى التقنيات الأميركية لدواعي الأمن القومي. وقال وانغ ييوي، مدير معهد الشؤون الدولية بجامعة رينمين في بكين: "الصين ترسل إشارة إلى العالم الخارجي بأنها أصبحت مستقلة إلى حد كبير عن الولايات المتحدة الآن"، مشيرًا إلى الابتكارات التكنولوجية المحلية والأهداف الطموحة للنمو الاقتصادي. وأضاف في مذكرة: "الآن علينا أن نبتكر بأنفسنا... نحن نتحرك في مسارين منفصلين للابتكار".

وأشار شي إلى أنه يستعين بقطاع التكنولوجيا في هذا التوجه، حيث التقى الشهر الماضي رؤساء أكبر شركات التكنولوجيا في الصين خلال ندوة، وأكد لهم أن الوقت الحالي هو "الأنسب" لكي تلعب الشركات الخاصة دورًا أساسيًا في تحقيق الأهداف الوطنية.

تعزيز الطلب المحلي ودعم النمو الاقتصادي

وأعلن المسؤولون أيضًا أنهم سيدعمون هدف النمو الطموح "حوالى 5%" من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، حيث سيُرفَع عجز الميزانية إلى حوالى 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى منذ عقود. ومع ذلك، يظل بعض المحللين متشككين في قدرة هذه التدابير على تعويض التأثير المتوقع لتصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وتحقيق الهدف الأول للحكومة هذا العام: تحفيز الطلب الاستهلاكي المتراجع. وقال لي تشيانغ في خطابه إن الصين ستتحرك "بسرعة" لمعالجة ضعف الطلب المحلي وجعله "المحرك الرئيسي" للنمو.

وتشمل العوامل التي تجعل العديد من المواطنين الصينيين مترددين في الإنفاق، ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، والفجوات في الرعاية الاجتماعية، وتقلبات سوق الأسهم، والاضطرابات المالية الناتجة من أزمة قطاع العقارات. وأصبحت هذه القضية أكثر إلحاحًا بالنسبة إلى بكين، التي ستحتاج إلى المستهلكين المحليين أكثر من أي وقت مضى إذا تعرضت الصادرات لضربة نتيجة للرسوم الجمركية الأميركية الجديدة.

وفي 4 مارس/آذار، ضاعف ترامب الرسوم الجمركية الإضافية على جميع الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة، لتصل إلى 20%، وردّت الصين بفرض تعريفات انتقامية بنسبة 10% و15% على مجموعة من الواردات الزراعية الأميركية اعتبارًا من يوم الاثنين. وتاريخيًا، كانت الصادرات الصينية محركًا رئيسيًا للنمو في البلاد.

ولتحفيز الاستهلاك، أعلن المسؤولون تمديد برنامج استبدال الأجهزة القديمة، بالإضافة إلى خطط لخلق فرص عمل، وزيادة الأجور، وتوسيع خدمات التعليم ما قبل المدرسي، وتعزيز خدمات رعاية المسنين. وكشفوا عن آلية جديدة لمساعدة الحكومات المحلية على شراء المنازل غير المبيعة التي تراكمت بسبب أزمة العقارات.

وقال فيكتور شيه، مدير مركز الصين للقرن الحادي والعشرين بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو في مذكرة: "تحاول بكين إرسال رسالة إلى السلطات المحلية بأن تعزيز الاستهلاك، سواء من خلال سياسات الرفاه الاجتماعي أو تحفيز شراء الإلكترونيات الاستهلاكية، يمثل أولوية". لكنه أضاف أن معظم الأقاليم لن تكون قادرة على تمويل هذه الجهود دون فرض ضرائب جديدة، ما قد يحدّ من الاستهلاك بدلاً من تعزيزه.

روح التحدي والمواجهة

ورغم التحديات وعدم اليقين بشأن مستقبل التوترات التكنولوجية والتجارية مع الولايات المتحدة، قالت شبكة سي أن أن الإخبارية إن الرسالة القادمة من بكين خلال الأسبوع الماضي واضحة: الثقة بمستقبل البلاد، بغض النظر عن الظروف. وفي مؤتمر صحافي سنوي على هامش الاجتماعات، استغل وزير الخارجية وانغ يي الفرصة لتقديم الصين قوةً عالمية مستقرة، في مقابل السياسات الأميركية التي تدعم مبدأ "أميركا أولاً". وأكد أن الصين ستواصل السعي لتحقيق أهدافها. وقال وانغ: "حيثما يوجد حصار، هناك اختراق؛ وحيثما يوجد قمع، هناك ابتكار".

كذلك انتقد الدبلوماسي البارز الرسوم الجمركية الأميركية، قائلاً: "لا ينبغي لأي دولة أن تتوهم أنها تستطيع قمع الصين من جهة، والحفاظ على علاقات جيدة معها من جهة أخرى". وفي وقت سابق من الأسبوع، كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أكثر صراحة، إذ قال للصحافيين: "إذا أصرت الولايات المتحدة على شنّ حرب جمركية، أو حرب تجارية، أو أي نوع آخر من الحروب، فإن الصين ستقاتل حتى النهاية".

قراءة المقال بالكامل