الطالب الصغير محترقاً

منذ ٥ ساعات ١٦

في حادثة هزّت الشارع الأردني، وأشعلت الغضب في مواقع التواصل الاجتماعي محلّياً وعربياً، وأثارت جدلاً واسعاً، وأحدثت صدمةً كبيرة لدى الأهالي، أحرق طالبان مراهقان زميلهما، الطالب محمد الحميدي، البالغ 11 سنة من عمره. كان أرسله المعلم ليُحضر مكنسةً من المطبخ، وهناك وثّقا يديه وسكبا كمّيةً من الكاز على جسده، ثمّ أشعلا النار فيه، وأغلقا الباب خلفهما كي لا يُسمع صراخه وصوت استغاثته. جرى ذلك في حرم مدرسة حكومية في لواء الرصيفة، ولولا عناية السماء لقضى الطفل الضحية، الذي تعرّض لعذاب شديد؛ حروق عميقة في البطن والعنق والوجه، وما زال يتلقى العلاج في المستشفى. وبحسب تصريحات والدته، يعاني صغيرها صدمة نفسية وعصبية، يصحو فزعاً، ويسألها لماذا حدث لي ذلك كلّه؟
قصّة مرعبة وخطيرة، تفتح باب الأسئلة حول أهلية المؤسّسة التعليمية ومدى صلاحيتها في تنشئة أجيالٍ المفترض أنهم في رعايتها، يذهبون إلى المدرسة كي يتعلّموا ويتطوّروا، لا أن يكونوا مسؤولين عن إحضار المكنسة، وتنظيف المرافق المدرسية. المُفزِع في الأمر أن إدارة المدرسة حاولت التنصّل من مسؤوليتها الأخلاقية والتربوية والجنائية في هذه الحالة، وذلك من خلال محاولة إقناع الضحية بالكذب على الجهات الأمنية، والادّعاء أنه من حرق نفسه من طريق الخطأ. أيّ ضمير هذا! أيّ اخلاق هذه! أيّ حسٍّ بالمسؤولية لدى إدارة المدرسة التي تناست أن مِن أوّل مسؤولياتها المهنية توفير الأمان والحماية والتربية قبل التعليم لطلابها. ومن أين يأتي الأهالي بالثقة بمؤسّسة باتت شريكةً في الجريمة؟
قرّر مدّعي عام شرق العاصمة توقيف مدير المدرسة ومساعده ومعلّم الصفّ على ذمّة التحقيق، بعد أن أسند إليهم جرم الإهمال في واجبات الوظيفة، والإهمال في رعاية قاصر، والتسبّب في الإيذاء، وأُوقف الطالبان المتورطان في الجريمة في دار تربية الأحداث، لأنهما قاصران، كما قرّرت وزارة التربية إيقاف المعلّمَين المتّهَمين، واتخاذ قرارات تأديبية بحقّهما للحيلولة دون تكرار كل أشكال العنف المدرسي، من إيذاء جسدي وتنمّر لفظي أصبحا ظاهرةً مثيرةً للقلق، خاصّة في المدارس الحكومية، التي ينتسب إليها الغالبية العظمى من أبناء المواطنين غير القادرين على تسجيل أطفالهم في مدارس خاصّة باهظة التكاليف، حيث الرفاهية والأمان والعناية المركّزة بنفسيّة الطالب، والمتابعة الحثيثة لسير دراسته، والملاحظة الدقيقة لتطوّر شخصيته، والرصد المبكّر لسلوكاته، ما يجعل من أبناء هذه الفئة الأكثر حظّاً، إذ لا يقلق أحدهم على حياة أطفاله الذين يعودون بأمان إلى بيوتهم من دون أن تشتعل النار في أجسادهم الغضّة.
وإذا ما سلّمنا أن العنف بات لغة العصر (نلمس ذلك بسهولة من خلال الموسيقى والأغاني والأفلام التي تقدّم البطل المنحرف والعنيف نموذجاً إيجابياً ومثلاً أعلى يستحقّ الاحترام، وكذلك الألعاب الإلكترونية القائمة على القتل والتي تنمي في الطفل روح العدوانية والتنافس المرضي والرغبة في التفوّق وإلحاق الهزيمة بالخصم المفترض)، فإننا نواجه مشكلةً حقيقيةً مع الجيل الجديد الضائع حتماً، وهو ضحية هذه المنظومة القائمة على العنف والقسوة والأنانية، وهذا ما يتطلّب جهوداً إضافية من علماء النفس والاجتماع، والتربويين والأهل، للبحث في سبل توجيه الأطفال، من خلال توعيتهم بعواقب السلوكات العنيفة، ذلك أنه "مش كلّ مرّة بتسلم الجرّة"، فقد تأتي لحظة وتتهشّم قطعاً صغيرةً يستحيل لملمتها من جديد.
وعلى الأهل والمدرسة العمل على تنمية مهارات الأطفال ومواهبهم في مجال الرياضة والفنون والعلوم، تفريغاً لطاقاتهم واستثماراً إيجابياً لوقت فراغهم، وعلينا أن نخوض أكثر في تفاصيل صغارنا اليومية، حمايةً لهم من الآخرين أحياناً، ومن أنفسهم في أحيان كثيرة.

قراءة المقال بالكامل