العدوان يعدم سيولة غزة... والدفع الإلكتروني يتوقف

منذ ١ يوم ١٤

 

تشكل أزمة السيولة الناتجة عن إغلاق البنوك وعدم ضخ المال في الأسواق نتيجة المنع الإسرائيلي وندرة البضائع ورفض المحال التجارية التعامل مع الدفع الإلكتروني في قطاع غزة، مزيجاً معقداً من التحديات الاقتصادية التي تزيد معاناة سكان القطاع يوماً بعد آخر.
ويضاعف استئناف العدوان الإسرائيلي وحرب الإبادة حدة أزمة السيولة جراء تشديد الحصار مطلع شهر مارس/ آذار الجاري، إلى جانب معاودة العمليات العسكرية والقصف العنيف، وهي عوامل ألقت بظلالها القاسية على الواقع الاقتصادي المتهالك أساساً والمعيشي الصعب.

وفور تجدد الحرب على غزة تعاظمت أزمة السيولة، حيث شهدت الأسواق تكدساً كبيراً للحصول على المواد الغذائية والتموينية الأساسية في ظل حالة النقص الشديد جراء إغلاق المعابر ومنع الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، ما سبّب تضاعف الأسعار في ظل شح السيولة النقدية.

اللافت في الأزمة هو امتناع كل المحلات والمولات التجارية مع استئناف العدوان عن إتاحة الدفع الإلكتروني على الرغم من قبول نسبة قليلة منها التعامل مع هذه الآلية قبل معاودة الحرب، ما سبّب تعاظم الأزمة التي باتت تثقل كاهل الغزيين.
وتتزامن الأزمة العميقة في السيولة مع انقطاع خدمات البنوك وعدم قدرة العملاء على سحب ودائعهم، ما بات يجبرهم على التعامل مع ظاهرة "التكييش" والتي يتم خلالها سحب الأموال عبر صرافي السوق السوداء بنسب تزيد عن 30% من المبالغ المراد صرفها، ومع ذلك فإن تجدد الحرب سبّب اختفاءً شبه كامل لظاهرة "التكييش" المكلفة، الأمر الذي أعدم حتى البدائل القاسية.

ومنذ اللحظات الأولى لتدهور الأمور في غزة، شهدت الأسواق والمولات التي كتبت على أبوابها عبارة "لا نقبل بالدفع الإلكتروني" تكدساً شديداً للمواطنين الراغبين في شراء المواد الأساسية، إلا أن معظمهم يرجعون من دون الحصول عليها بسبب اختفاء معظمها، أو تضاعف أسعارها نحو أربعة أو خمسة أضعاف.

لا سيولة مع المواطنين

تخلق هذه الأسباب المترافقة مع شح السيولة النقدية حالة من عدم القدرة الشرائية، بسبب عدم امتلاك المواطنين للسيولة، وعدم قدرتهم على توفيرها بسبب اختفاء نوافذ الصرف الأساسية والثانوية، فيما يتم رفض التعامل مع الأوراق النقدية التالفة جراء الاستخدام المتكرر من دون تجديدها نتيجة إغلاق المعابر ومنع دخول الأوراق النقدية الجديدة.
ويعرقل إغلاق معابر قطاع غزة وفي مقدمتها معبرا كرم أبو سالم ورفح دخول السلع والمواد الأساسية مثل الطعام، والأدوية، والوقود، والسلع الاستهلاكية والمساعدات الإنسانية، الأمر الذي يسبّب نقصها في الأسواق، أو تضاعف أسعارها، في ظل ضعف القدرة الشرائية، مما يسبّب تزايد عجز الفلسطينيين عن توفير احتياجاتهم.

ويقول الفلسطيني أيهم أبو سعدة إن رفض التجار للدفع الإلكتروني في ظل أزمة السيولة الحادة يزيد من صعوبة الحصول على الاحتياجات الضرورية، خاصة بعد توقف العدد البسيط من المحال والمولات التي كانت تقبل بهذه الآلية عن قبولها مع تجدد العدوان.

ويقول لـ"العربي الجديد" إن الأزمة الخانقة في النقد والسيولة تؤثر بشكل كبير على كل شيء، قائلاً: "البنوك لا تفتح بشكل منتظم، وإذا فتحت، فلا يوجد سحب للأموال، وفي الوقت نفسه، هناك ندرة في العملات النقدية في الأسواق، ما يجعلنا في دائرة مغلقة من المعاناة".

واضطر أبو سعدة إلى إلغاء الكثير من معاملات شراء المستلزمات المنزلية بسبب رفض الدفع الإلكتروني أو عدم القدرة على توفير النقود، وهي أمور تجعله عاجزاً أمام توفير احتياجات أسرته.
ومع تضاعف نسب الفقر والبطالة ووصولها إلى نسب غير مسبوقة فاقت 80%، بفعل تدهور الوضع الاقتصادي، وفقدان الفلسطينيين وظائفهم ومصادر دخلهم بسبب توقف الشركات والمصانع عن العمل يجدون أنفسهم في وضع صعب للغاية، مما يهدد أمنهم الغذائي.

زيادة المعاناة في غزة

زادت الأزمة من معاناة الفلسطيني خالد الشرافي الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنها جعلت من الصعب الحصول على النقود في ظل محدودية عمل البنوك، وهو ما يبقي المستهلك محاصراً بين مشكلة عدم توفر النقد، وتجميد الأرصدة الإلكترونية.

ويبين الشرافي لـ "العربي الجديد" أن الدفع الإلكتروني لم يكن متاحاً بشكل كبير قبل تجدد الحرب، حيث كان محدوداً للغاية، إلا أنّ استئناف العدوان سبّب رفض غالبية من كانوا يقبلون بالدفع الإلكتروني للمعاملات الجديدة، كما أدى إلى اختفاء ظاهرة "التكييش"، مما سبّب إعدام القدرة على التسوق.

ويلجأ الكثير من السكان مع تزايد الاحتياجات اليومية ونقص السيولة وعدم القدرة على الشراء، إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية، لكن هذه المساعدات في كثير من الأحيان لا تغطي جميع الاحتياجات، مما يعمق الأزمة الإنسانية.
في الإطار، يلفت البائع سمير لولو إلى أنه اضطر إلى وقف التعامل مع الدفع الإلكتروني رغم أهميته البالغة في تسهيل التعاملات التجارية وذلك لرفض العديد من التجار مؤخراً قبول التحويلات البنكية لقاء البضائع، خاصة بعد إغلاق المعابر ونفاد السلع الأساسية.

ويشير لولو لـ "العربي الجديد" إلى أن إيقاف الدفع الإلكتروني ونقص البضائع سبّبا ضعف إقبال الزبائن وتدهور حال الأسواق، خاصة في ظل شح السيولة النقدية، وتزامن ذلك مع الموسم الرمضاني وقرب حلول موسم العيد. ويشدد على ضرورة تحسين البنية التحتية المصرفية وإتاحة النقد للمواطنين والتجار حتى يتمكنوا من البيع والشراء بأريحية من دون التقيد بالدفع الإلكتروني الذي يواجه تحديات إضافية متعلقة بضعف وانقطاع شبكتي الإنترنت والكهرباء.

وتعتبر أزمة السيولة الناتجة عن المنع الإسرائيلي إضافة إلى ندرة البضائع، ورفض المحال التعامل مع الدفع الإلكتروني مجرد تجسيد واحد من مجموعة أزمات إنسانية واقتصادية في قطاع غزة، ما يعكس حجم التحديات الكبرى التي تواجه الفلسطينيين في ظل استمرار الحرب وعدم استقرار الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
ويلفت البائع زهدي عبد الرحمن إلى أن الأوضاع الاقتصادية أصبحت صعبة ومعقدة للغاية نتيجة إغلاق المعابر وما نتج عنه من نقص كبير في البضائع، بخاصة البضائع الأساسية، وتزامن ذلك مع نقص السيولة وصعوبة دفع الناس ثمن البضائع الشحيحة ومرتفعة الثمن.

ويقول إن إتاحة الدفع الإلكتروني يسهل عمليات الشراء والبيع، ويتيح حرية أكبر أمام الزبائن للشراء من دون قلق، ومع ذلك لم يعد ممكناً خلال الفترة الحالية بسبب رفض العديد من التجار الأساسيين التعامل به. يعلق: "الافتقار للمال المتداول، يعني أنني لا أستطيع شراء كميات كافية لتغطية الطلب".

ومع تراجع إمكانية قبول المدفوعات الإلكترونية يواجه عبد الرحمن صعوبة في الاستمرار في العمل، خاصة في ظل محدودية الأصناف المعروضة والغلاء الشديد في الأسعار، الأمر الذي يزيد من احتمالية إغلاق محله التجاري الخاص ببيع المواد الغذائية والتموينية والبقوليات.

ويسبّب تدمير البنية التحتية المصرفية وعدم قدرة البنوك على ضخ الأموال في الأسواق خلقَ أزمة سيولة حادة أمام كل سكان غزة، حيث يتعذر عليهم سحب الأموال من حساباتهم البنكية أو حتى الحصول على الرواتب، وهو ما يسبب أزمة كبيرة خاصة في ظل النقص الحاد في النقد المتاح.

قراءة المقال بالكامل