تدفع الظروف القاسية والتحدّيات المستمرة اللاجئين السوريين في دول الجوار، بما فيها الأردن وتركيا ولبنان، للعودة إلى بلادهم، رغم تردّي الأوضاع الإنسانية وضعف الخدمات الأساسية، وتتنوع دوافع العودة من بلد إلى آخر، وفقاً للظروف التي يعيشها اللاجئون في كل دولة.
وفي السياق، أوضح الأربعيني أحمد الجوهر، العائد من الأردن مؤخراً، أنه كان على علم بسوء الأوضاع في مدينة حمص، لكن الوضع بالنسبة له في الأردن أصبح صعباً للغاية، وأضاف الجوهر لـ "العربي الجديد"، "عدت إلى مدينة حمص قبل حوالى أسبوع، خدمياً لا تزال الأوضاع سيئة، لا سيّما فيما يخص توفر الكهرباء والتنقل"، ثم تابع: "خرجت من حمص في عمر 28 عاماً، وعدت إليها في عمر 41 عاماً، كل شيء مختلف تماماً عمّا كان في ذاكرتي".
في المقابل، تعتبر الضغوطات المعيشية من أبرز دوافع عودة السوريين من تركيا إلى بلادهم، فضلاً عن المشاكل المتعلقة بنقل عناوين السكن وتغييره من حي إلى آخر، إذ أشار فاضل عبد المنعم خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أنّه لم يعد قادراً على تثبيت عنوان السكن بعد انهيار البيت الذي كان يقيم فيه بمدينة "كرخان" في إقليم هاتاي جنوب تركيا، وخلال الأشهر الأخيرة أوقفت قيود بطاقة الحماية المؤقتة له ولأفراد عائلته، وهذا ما دفعه إلى العودة قبل حوالى الشهر إلى سورية، حيث يقيم حالياً في شمال إدلب.
وقدّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن نحو 297,300 سوري عادوا إلى بلادهم خلال الفترة الأخيرة، مستندةً في هذه الأرقام إلى مصادر متعددة داخل سورية وخارجها، وفق تقرير نشرته الجمعة، وتضم هذه الأرقام السوريين المسجلين لدى المفوضية، بالإضافة إلى العائدين من تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، فضلاً عن القادمين من خارج المنطقة.
وأشار التقرير إلى ارتفاع وتيرة العبور إلى سورية من لبنان والأردن خلال الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أن المفوضية أثنت على قرار المجلس الأوروبي الصادر في 24 فبراير/ شباط بتعليق بعض الإجراءات التقييدية المفروضة على سورية، الذي من شأنه الإسهام في إعادة الإعمار والاستقرار، كما لفت التقرير إلى أن العقوبات لا تزال عقبةً رئيسيةً أمام العودة الطوعية على نطاق واسع.
تزايد أعداد العائدين إلى سورية
وسجل التقرير عودة 885,294 نازحاً داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، مشيراً إلى ارتفاع ملحوظ في حركة العبور عند معبرَي جديدة يابوس بين سورية ولبنان، ونصيب بين سورية والأردن، إذ تضاعف عدد العائدين مقارنة بالأسبوع السابق، وتُواصل المفوضية تقديم الدعم عبر 106 مراكز مجتمعية عاملة من أصل 122، إلى جانب 115 وحدة متنقلة وأكثر من 2,250 متطوعاً مجتمعياً في مختلف المحافظات السورية، وفق ما أشار التقرير، كما تستمر في تنفيذ برامج إعادة تأهيل الملاجئ وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، لا سيّما في ظل تصاعد الضغوط النفسية بين العائدين.
دوافع العودة وتحديات الاندماج
تختلف دوافع عودة اللاجئين السوريين وفقاً للمنطقة التي يعودون منها، فقد أكد التقرير أن نحو 81 ألف سوري عادوا من تركيا بين 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 و29 يناير/ كانون الثاني 2025، مشيراً إلى أن أبرز دوافع عودتهم مرتبطة بالتغيّرات السياسية، وتحسن الوضع الأمني، ولمّ شمل العائلات، ولفت التقرير إلى أن العائلات العائدة تواجه صعوبات كبيرة، أبرزها فقدان وثائق الملكية، وتدمير الممتلكات، وضعف البنية التحتية، ما يجعل إعادة الاندماج في المجتمع أكثر تعقيداً.
ووفقًا للتقرير، يعبر نحو 800 شخص يومياً عبر معبر المصنع جديدة يابوس من لبنان إلى سورية، إلا أن العائدين يواجهون نقصاً حاداً في الخدمات الأساسية، مثل المرافق الصحية، وانعدام الخصوصية، إلى جانب الحاجة الملحة إلى دعم إضافي لمواجهة فصل الشتاء، خاصةً في أماكن التجمع التي تفتقر إلى مقومات العيش الأساسية.
ونظّمت المفوضية، خلال الفترة بين 21 و27 فبراير/ شباط، نقل أكثر من 160 لاجئاً سورياً إلى بلادهم، شمل ذلك قافلة من مخيم الأزرق في الأردن، كما ساعدت، خلال الفترة بين 20 يناير و27 فبراير، في إعادة 1,100 لاجئ إلى سورية، في إطار جهودها لدعم العائدين طوعاً.
ورغم هذه الجهود، لا يزال العديد من اللاجئين مترددين في العودة، نظراً للمخاطر الأمنية المستمرة، ونقص السكن، وصعوبة الحصول على الخدمات الأساسية داخل سورية. وعاد نحو 8,000 لاجئ سوري من العراق منذ 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بينهم 500 لاجئ مسجل، وترتبط عودة العديد منهم بالرغبة في تجنب الغرامات المترتبة على تجاوز مدة الإقامة في إقليم كردستان العراق، إضافة إلى تحسن الوضع الأمني جزئياً، ورغبة البعض في لمّ شمل العائلات داخل سورية، وأشار التقرير إلى أن 12,516 سورياً تقدموا بطلبات لإنهاء وضعهم بصفتهم لاجئين في مصر، مع نية 75% منهم العودة مباشرة إلى سورية، بينما يخطط البقية للعبور عبر دول أخرى.
وتبقى الظروف الاقتصادية الصعبة، وأزمة السكن، والتحديات التعليمية، من العوامل الرئيسية التي تدفع السوريين إلى اتخاذ قرار العودة، رغم استمرار المخاوف بشأن الأوضاع داخل سورية، لا سيّما في ظل غياب الضمانات المتعلقة بالسكن والخدمات الأساسية، وفق ما أكده التقرير.
