الكهرباء في السودان: الحرب دمّرت البنية التحتية والمواطن يدفع الثمن

منذ ٤ ساعات ٤

أعربت قطاعات إنتاجية وسكنية عن قلقها من الزيادات المرتقبة في تعرفة الكهرباء التي أعلنت عن تنفيذها شركة كهرباء السودان قريباً، على جميع القطاعات. في الوقت الذي برّرت فيه الشركة الزيادات بالتحديات التي واجهت قطاع الطاقة والأضرار التي لحقت بمحطات توليد الكهرباء.

وقال التاجر محمد النور فقيري لـ"العربي الجديد": إن "الزيادة في سعر خدمة الكهرباء يزيد من معاناة المواطنين والتجار بارتفاع التكلفة وزيادة أسعار السلع". وأوضح أن "أغلب التجار باشروا أعمالهم بعد استقرار الوضع نسبياً بأم درمان وبرأسمال قليل، وتفاجأوا بإعلان زيادة الكهرباء التي تفوق طاقتهم وتحد من قدرتهم على استئناف نشاطهم التجاري الذي قضت عليه الحرب". وطالب فقيري "الشركة والمسئولين بالحكومة بالتراجع عن تنفيذ الزيادات على الأقل في الوقت الراهن". 

من جانبها، عبّرت المواطنة ريم محمد التوم عن استيائها من قرار زيادة الكهرباء. وقالت لـ"العربي الجديد": إن "المواطن عانى ويلات الحرب والنزوح وفقد المال وجميع مدخراته خلال العامين الماضيين، ولا يزال، فكيف يستطيع تحمل الزيادات التي تفرضها الحكومة في الخدمات، ومن أين يستطيع توفير هذه المبالغ؟". وطالبت التوم المسؤولين بـ"مراعاة أوضاع المواطنين القاسية، وعدم فرض أي رسوم لن يتمكنوا من سدادها، خاصة أن غالب أرباب الأسر لا يزالون بلا عمل بعد فقد وظائفهم بسبب الحرب". 

مخاوف القطاع الزراعي

في السياق، وصف القيادي الزراعي بمشروع الجزيرة عثمان إبراهيم قرار زيادة الكهرباء بـ"غير الصائب وغير المبرر لكون التوليد المائي هو الأرخص إنتاجاً". وقال في تصريحات لـ"العربي الجديد": إن "القطاع الزراعي لا يتحمل في الوقت الراهن أي زيادة، بل يتطلب من الحكومة تطبيق مجانية سلعة الكهرباء لمدة عام حتى يستعد القطاع عافيته بعد قضاء الحرب على الأخضر واليابس".

وأكد أن "المزارعين تفاجأوا بقرار زيادة التعرفة في الوقت الذي كانوا يقومون باستنفار المغتربين بالخارج لتوفير تمويل لشراء زيوت محولات الكهرباء بالمشاريع الزراعية". بينما قال المنتج الزراعي الزين النعمة لـ"العربي الجديد": إن "ما لحق من دمار في قطاع الكهرباء كان ممنهجاً، كما أن الدمار طاول كذلك المشاريع الإنتاجية"، مشيراً إلى أن "عودة واستقرار الكهرباء ستساهم في برامج عودة المواطنين إلى ديارهم، خاصة المدن التي طاولها الدمار وتحتاج لاستقرار مياه الشرب والكهرباء ودوران عجلة الإنتاج".

ووصف النعمة قرار زيادة التعرفة بـ"غير الموفق لأنه يضرب إعادة دوران عجلة الإنتاج وإعادة استقرار السودان كما يعطل عودة المواطنين". وقال: كان على الحكومة البحث عن سبل لإعادة تأهيل قطاع الكهرباء من مصادر أخرى، وعدم إرهاق المواطنين والمنتجين بفرض رسوم جديدة تزيد من معاناتهم، خاصة أنهم خارجون من حرب مداها سنتان جعلتهم خاوين الوفاض.

شركة الكهرباء تبرر الزيادات

وأعلنت شركة كهرباء السودان، الاثنين المنصرم، عن زيادة مزمعة في التعرفة تغطي القطاعات كافة بلا استثناء، دون تحديد حجم الزيادة وأوان تطبيقها. وبررت الشركة قرار الزيادة بأنه يأتي مواكبة للتحديات الاقتصادية التي تجابه القطاع وارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج، وشح النقد الأجنبي اللازم لتوفير قطع الغيار والصيانة. وأشارت الشركة إلى أن التعديل في التعرفة لمقابلة بعض التكاليف المتزايدة في الإنتاج، معلنة التزامها بتطوير الشبكة وتحسين الخدمات للمواطنين.

واستهدفت مليشيا الدعم السريع المتمردة خلال الأشهر الماضية العديد من المحولات الرئيسة للكهرباء ببعض الولايات السودانية، ومحاولة تخريبها بالمسيرات الانتحارية، بكل من سد مروي بالولاية الشمالية، ومحطة أم دباكر بالنيل الأبيض، ومحطة دنقلا بالشمالية، والشواك بالقضارف، ما تسبب في انقطاعات متكررة وأعطال متعددة.

وقدرت إحصائيات غير رسمية خسائر قطاع الكهرباء جراء الحرب بملياري دولار، لصيانة الشبكة القومية والمحطات الحرارية التي تعرض غالبها لأضرار جسيمة. وأشارت تصريحات مسئولين في القطاع إلى تهدم أكثر من 11 ألف عمود توصيل كهرباء، بسبب المعارك التي نشبت بين الجيش والدعم السريع خلال عامي الحرب. وقدرت تكلفة خسائر كهرباء بانت بأم درمان بـ6 ملايين دولار، ومحطة كهرباء قري بنحو 700 مليون دولار، حيث كانت تنتج 300 ميغاوات / الساعة قبيل نشوب الحرب في 15 أبريل/ نيسان 2023.

وكشفت تسريبات داخلية عن اتجاه لزيادة تعرفة الكهرباء للقطاع السكني 4000 جنيه لأول كيلووات، وترتفع تدريجياً حتى تصل إلى 7500 جنيه لكل 100 كيلووات فوق الـ1500 كيلو. وفي القطاع الزراعي بلغت التعرفة 2000 جنيه للشريحة من 100 كيلو حتى 500 كيلو، وترتفع إلى 3500 جنيه للاستهلاك فوق الـ20 ألف كيلو، فيما خصصت زيادة موحدة للقطاع الصناعي بواقع 5000 جنيه لكل 100 كيلو، وتصل زيادة المستشفيات الخاصة إلى 9 آلاف جنيه لكل 100 كيلو، والمدارس 4500 جنيه لكل 100 كيلو. 

غياب الحلول الجذرية لأزمة الكهرباء

من جهته، قال الناطق الرسمي السابق لوزارة الكهرباء والموارد المائية إبراهيم شقلاوي لـ"العربي الجديد": إن قرار زيادة تعرفة الكهرباء للقطاعات كافة بما فيها الزراعية والصناعية والتجارية ظلت ضمن خطة قطاع الكهرباء منذ عام 2019، حيث ظلت ترحل من عام لآخر. وأشار شقلاوي لعدم اتجاه القطاع لاتخاذ حلول جذرية طوال هذه الفترة لسد الاحتياج السنوي المتجدد سنوياً والمقدر بنسبة 20%، حيث كان بالإمكان مسارعة العمل في دخول كهرباء بورتسودان كلانييب بسعة 374 ميغاوات، بالإضافة لمحطة قري 3 لإضافة 510 ميغاوات. 

وقال إن المشروع كان بإشراف شركة سمينس، وأنجز 70% من الأعمال، قبل الإطاحة بحكومة الإنقاذ. ولفت لمعاناة القطاع كل هذه الفترة من عدم الاستقرار الإداري، ما عطل كذلك أعمال الصيانة السنوية التي فقدت كثير من العاملين فيها، جراء التشريد والخلافات الداخلية بجانب اندلاع الحرب التي كانت بمثابة الضربة القاضية للبنى التحتية له.

وأشار إلى "تعرّض البنى التحتية للكهرباء لانهيار شبه كامل في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، حيث جرت سرقة الكوابل والمشغلات، بالإضافة لتأثر الخطوط والمحولات بالعمليات العسكرية، هذا فضلاً عن الاستهداف الممنهج من قبل قوات الدعم السريع لمحطات التوليد في سدي مروي وسيتيت وأم دباكر، فضلاً عن استهداف عدد من المحطات التحويلية". 

وأكد شقلاوي "ارتباط هذه الزيادة أيضاً بتأثر البنية التحتية للطاقة بالحرب، حيث تراجع الإنتاج الكهربائي نتيجة تعطل بعض المحطات، وانخفاض منسوب المياه في الخزانات، وتأخر أعمال الصيانة، إلى جانب توقف الربط الكهربائي مع إثيوبيا. وكذا عدم تنشيط الربط مع مصر، رغم قطع شوط كبير في الأعمال، كما أن شح النقد الأجنبي وارتفاع تكلفة مدخلات التشغيل والصيانة شكّلا ضغطاً إضافياً على قطاع الكهرباء".

وأوضح شقلاوي أن "هذا الواقع المعقد جعل إدارة الكهرباء أمام خيارات صعبة، اضطرتها للجوء لقرار زيادة تعرفة الكهرباء لجميع القطاعات لتغطية جزء من العجز المالي لمقابلة تعويض الفاقد ورفع كفاءة الطاقة في البلاد". وقال: إن "قرار الزيادة في الوقت ذاته، أُعلن في ظل تحديات اقتصادية وأمنية معقدة، ما جعلها ذات تأثير مباشر على تكلفة الإنتاج وانعكاس ذلك على أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي يزيد الأعباء على المنتجين والمستهلكين على حد سواء".

وطالب شقلاوي بضرورة البحث عن بدائل عاجلة لتخفيف آثار القرار على القطاعات المستهدفة، وتعزيز استقرار قطاع الطاقة، بما يحقق التوازن بين متطلبات التشغيل والقدرة الشرائية للمواطنين. في السياق، قال المحلل الاقتصادي كمال كرار لـ"العربي الجديد": إن "الدمار الواسع الذي لحق بالقطاعات الإنتاجية وتأثيراته السالبة على حركة التجارة بما فيها الصادرات والواردات أضعف مصادر تمويل الموازنة، مما اضطر الحكومة للجوء لفرض مزيد من الضرائب وزيادة الأسعار، ومن بينها سعر الدولار الجمركي، وتعرفة الكهرباء". 

وأضاف كرار أن "محاولة البحث عن المزيد من الأموال لتمويل الحرب يُدخل الاقتصاد في أزمة عميقة، يعبر عنها التضخم الحاد، وغلاء الأسعار، وانهيار قيمة الجنيه، ما يجعل الغالبية العظمى من الناس وهم الفقراء تحت وطأة ضغوط معيشية هائلة". وأشار إلى أن "الكهرباء تعتبر محرك الاقتصاد، وسيكون لزيادة التعرفة تداعياتها على مختلف قطاعات الاقتصاد".

ونوه بأن زيادة تعرفة الكهرباء تأتي في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من انقطاعات متكررة للتيار الكهربائي تستمر لأيام في بعض المناطق. في المقابل أشار المحلل الاقتصادي عادل عبد العزيز لـ"العربي الجديد" للتدمير والنهب الذي تعرض له قطاع الكهرباء والمياه ومحطات توليد الكهرباء ومنشآت التحويل وأبراج الضغط العالي والمنخفض، وقدّر خسائر قطاع الكهرباء والمياه بحوالي 10 مليارات دولار. 

(الدولار= 601 جنيه سوداني)

قراءة المقال بالكامل